المغرب: الأمازيغية لغة رسمية في انتظار التطبيق
٩ يونيو ٢٠١٢عادت الأمازيغية لتثير مجددا الجدل في المغرب وتحديدا تحت قبة البرلمان بعدما تم منع استعمالها في طرح الأسئلة الشفوية في الوقت الحالي، قرار خلف مواقف متباينة إذ اعتبر البعض القرار "عنصريا" ومرتبطا بأسباب إيديولوجية، بينما يفضل آخرون تأجيل إدخال الأمازيغية للبرلمان إلى حين صدور القانون التنظيمي الخاص بها، حتى يتم ذلك في إطار منظم وتفاديا للصعوبات التي من شانها أن تعرقل التواصل بين أعضاء البرلمان بسبب عدم فهم بعضهم لهذه اللغة.
جدل من نوع آخر كان أثير حول نفس الموضوع قبل حوالي عام من الآن، أي قبيل المصادقة على الدستور المغربي الجديد الذي أعلن الأمازيغية لغة رسمية في البلاد إلى جانب العربية. بعض الأحزاب دافعت حينها عن ترسيم الأمازيغية بينما دعت أخرى إلى "الاكتفاء" بها كلغة وطنية و من بين هذه الأحزاب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي حاليا.
إحراج للحكومة
الشرارة الأولى أطلقتها هذه المرة النائبة والفنانة الأمازيغية فاطمة أوشاهو حين طرحت سؤالا بالأمازيغية في إحدى جلسات مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي. وبينما تعالت الأصوات المرحبة بهذه المبادرة معتبرة إياها "خطوة تاريخية" و مكسبا للأمازيغية، اعتبر البعض خطوة النائبة إحراجا للحكومة التي صارت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتعجيل بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية.
لكن عبد الرحيم منار السليمي الخبير السياسي المغربي و أستاذ القانون الدستوري يقول لDW إن "الكثيرين تعاملوا مع السؤال الذي طرحته النائبة الأمازيغية بعاطفية كبيرة، لكن يجب أن ينتبهوا إلى أن بدء العمل بها قبل إصدار قانون تنظيمي من شأنه أن يخلق إشكالات". واعتبر السليمي أن هذا القانون سيكون من أصعب القوانين في تاريخ الإنتاج التشريعي بالمغرب، لأنه سيكون تفاوضيا ينتج بعد النقاش مع مختلف التيارات الأمازيغية التي تعتقد أن لها تمثيلية. ويضيف الخبير السياسي أن هذا القانون التنظيمي تكمن صعوبة إصداره أيضا في أنه يتعلق بلغة داخل دولة، "هناك اعتراف بهذه اللغة لكن كيف ستكون في الواقع؟". ويشرح ذلك بأن مجموعة من القطاعات ستحتاج نوعا من التطبيقات الملموسة "مثلا في القضاء بأية لغة ستصدر الأحكام؟ وكذا دوريات الإدرات و القرارات و المراسيم، هل الدولة مهيأة لكل هذا؟". ويضيف السليمي أن توقيت صدور القانون يتوقف على هذه التفاصيل و الصعوبات.
أسباب عملية أم إيديولوجية؟
ورغم صدور قرار بمنع استعمال الأمازيغية في البرلمان إلى حين توفر الترجمة، إلا أن نواب بعض الأحزاب في المعارضة استمروا في الحديث بها مما خلف جدلا أكبر، كما أدى ب 233 جمعية أمازيغية إلى إصدار بيان ضد قرار منع الأمازيغية تم توجيهه لرئيس مجلس النواب ووزير العلاقات مع البرلمان و كذا رؤساء الفرق البرلمانية. وطالبت الجمعيات أيضا بالتعجيل في إصدار القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية.
ويقول أحمد عصيد، ناشط أمازيغي و باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن هناك تناقضا في مواقف الأحزاب المغربية بخصوص موضوع الأمازيغية. ويضيف في حديث لDW "في البداية عندما طرح أول سؤال بالأمازيغية رحب كل الأحزاب بالخطوة باستثناء الحزبين المحافظين العدالة و التنمية، والاستقلال، وهما نفس الحزبين الذين رفضا أن يتم ترسيم الأمازيغية في الدستور". بعدها ـ يقول عصيد ـ إن الأحزاب الأخرى غيرت موقفها أيضا وارتأت أن يتم تأجيل استعمال الأمازيغية إلى حين توفر الترجمة. ويعلق عصيد على قرار المنع قائلا: "لا حق لأحد في منع شخص ما من الحديث بلغته، لأن الآخر لا يفهمه، منذ استقلال المغرب تستعمل العربية الفصحى مع أن الكثير من المغاربة لا يفهمونها، واليوم يمنعون الأمازيغية لأن ممثل حزب الاستقلال لا يفهمها!".
جمود سياسي
وبخصوص الصعوبات العملية التي تواجه تطبيق "ترسيم" الأمازيغية يقول عصيد إنه لا توجد هناك صعوبات بل غياب الإرادة السياسية للحكومة. ويضيف" الدستور ينص على قانون تنظيمي يجب إصداره" أما الصعوبات الموجودة باعتقاد عصيد فهي نقص الأطر، لكن يجب تكوين الموظفين والمترجمين في كل المجالات لأن الأمازيغية لم تكن متداولة فيها فيما قبل، ويضيف في هذا السياق "الدولة عندما أرادت الاشتغال بالعربية والفرنسية كونت الأطر فيها".
و أثارت تصريحات بعض المسؤولين عن كون "غياب الإمكانيات المادية" يحول دون توفير الترجمة الفورية حاليا انتقادات واسعة، ويعلق عصيد على ذلك متسائلا "هل هناك دولة تقول إن لا إمكانيات لديها لتطبيق جزء من الدستور؟ بينما ترصد موازنات لتوفير الترجمة الفورية خلال اللقاءات التي تعرفها الرباط". ويضيف"هؤلاء يضحكون علينا، هي عقليات جمود سياسي لا تريد مواكبة الواقع وتريد الانتقام من الأمازيغية لكنها مخطئة".
لكن منار السليمي يشير إلى صعوبات أخرى ويقول إن طبيعة المجتمع تحتاج لمدة طويلة للتأقلم مع اللغة الجديدة لأن الفئات المجتمعية ليس لديها نفس التفكير و السؤال المطروح الآن، "هل الدولة تفكر الآن كمؤسسة بكل قطاعاتها بهذه الازدواجية بين اللغتين العربية والأمازيغية لأن النص الدستوري لا يتحدث عن إدخال تدريجي للأمازيغية بل يضعهما معا كلغتين رسميتين".
مجرد تأويلات
ولطالما تعرض حزبا الاستقلال والعدالة، والتنمية لانتقادات لاذعة من طرف تيارات أمازيغية بسبب مواقفهما "المتحفظة" بخصوص الأمازيغية، وكان عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الحالية اضطر خلال حملة الانتخابات التشريعية الماضية إلى الاعتذار أمام حشد من الجمهور عن وصفه لحروف اللغة الأمازيغية بأنها "تشبه الصينية"، وهو ما اعتبره نشطاء وجمعيات سخرية من لغتهم. نفس الجمعيات كانت شنت حربا على الحزبين المذكورين خلال الحملة الانتخابية ونزلت للشارع لإقناع الناس بعدم التصويت لهما بسبب موقفيهما من الأمازيغية.
لكن اليوم يبدو أن حزب العدالة و التنمية يحاول أن يخطب ود الأمازيغ، ويصحح مواقفه السابقة، فقد كان تمديد حضور الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري في صلب الجدل الذي أثارته دفاتر تحملات القنوات التلفزيونية المغربية (تعليمات الاستعمال) التي طالب وزير الاتصال بتطبيقها. ويتوفر المغرب على قناة أمازيغية تلفزيونية كما تدرس الأمازيغية في بعض المستويات التعليمية، ويسعى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى خلق لغة موحدة تجمع بين اللهجات الأمازيغية الثلاث.
ويقول مصطفى الخلفي وزير الإعلام و الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال حديثه لDW إن هناك جهود من الحكومة لتعزيز حضور الأمازيغية في الإعلام، بالإضافة إلى وجود شراكة بين المعهد الأمازيغي والمؤسسات الحكومية للنهوض بهذه الثقافة، ويضيف قائلا إن جمعية "المبدعين الأمازيغ" أشادت بما حققته الحكومة حتى الآن في هذا الصدد.
وبخصوص توقيت صدور القانون التنظيمي يقول الخلفي إن الحكومة تضع الأخير كأولوية لأن الأمر يتعلق بجزء من مقتضيات الدستور، مضيفا " نحن لا ننتظر القانون فقط بل انخرطنا في موضوع الأمازيغية سواء من خلال الإعلام أو التكوين أو مجالات أخرى". وينفي الخلفي وجود أسباب إيديولوجية وراء تأخير صدور القانون قائلا "هذه تأويلات وتفسيرات، لكن الواقع يثبت العكس، نحن نتمنى صدور القانون في أقرب وقت حتى نتمكن من أجرأة ( تطبيق) الأمازيغية، لكن هناك عمل ونحن نشتغل على الموضوع".
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: عبده جميل المخلافي