المعادلة الشيعية في الانتخابات البحرينية
٢١ أكتوبر ٢٠١٠يتوجه البحرينيون لصناديق الاقتراع يوم 23 (من أكتوبر/ تشرين الأول 2010) لاختيار أعضاء مجلس النواب "المجلس الأدنى" في البرلمان، في ثالث انتخابات من نوعها منذ أن بدأ ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة عام 2001 إصلاحات سياسية ودستورية، إلا أن انتخابات هذا العام تجري في أجواء اختناق سياسي وأمني طبعتها اعتقالات شملت مجموعات شيعية معارضة وتضييق على بعض المنابر الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني في خطوة رأى فيها المراقبون تراجعا للحريات في بلد يوصف تقليديا بكونه الأكثر انفتاحا على المستوى السياسي في منطقة الخليج، كما أكد ذلك لدويتشه فيله السيد توماس بيرينغ رئيس البرنامج الإقليمي لمؤسسة كونراد أديناور الألمانية في منطقة الخليج.
شكوك حول شفافية العملية الانتخابية
ويتكون البرلمان البحريني من غرفتين، الأولى يعين الملك أعضاءها الأربعين، ويتعلق الأمر بمجلس ذي صلاحيات كبيرة تمكنه الاعتراض على القوانين بسهولة. ثم الغرفة الثانية وتنتخب مباشرة من الشعب، إلا أنه، كما يقول منتقدوه، يتمتع بصلاحيات محدودة، ولا تعكس تمثيليته الواقع الديموغرافي والتنوع العرقي داخل المجتمع البحريني. وتشكو الأغلبية الشيعية (60% من السكان حسب التقديرات) من أن النظام الانتخابي القائم، إضافة إلى احتكار الأقلية السنية للحكم التي تنتمي لها الأسرة المالكة، لا تسمح لها بمشاركة سياسية حقيقية.
ولعل ما يقلق المراقبين في العملية الانتخابية هي إمكانية تصويت الناخبين في مراكز الاقتراع العشرة في البلاد بغض النظر عن مكان إقامتهم، وهو ما اعتبره السيد منصور الجمري، رئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية، في حوار مع دويتشه فيله "اختراع بحريني"، خصوصا وأن "عناوين الناخبين أزيلت من البطائق الانتخابية". وتعتقد المعارضة الشيعية أن الهدف من هذه "الحيلة" هو دفع أكبر عدد من الناخبين السنة للإدلاء بأصواتهم وبالتالي ترجيح كفتهم. كما أن هناك شائعات حول دور قوات الجيش الشرطة التي تشارك في الانتخابات وتتهمها المعارضة "بتلقي تعليمات للتصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك". وقال الجمري إنه على علم بهذه "الشائعات"، إلا أنه أضاف أن ذلك لم يثبت بعد ولم تأكده أية جهة محايدة.
العامل الشيعي وحدود العملية السياسية
ما تزال قوانين البحرين تمنع تشكيل أحزاب سياسية، إلا أن الإصلاحات التي تم تبنيها عام 2001 مكنت من تأسيس 15 جمعية سياسية معترف بها رسميا ويشارك معظمها في هذه الانتخابات، وتشكل "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" ابرز قوى المعارضة وهي تمثل التيار الرئيسي وسط شيعة البحرين. ويذكر أن "الوفاق" ممثلة ب17 مقعدا في البرلمان من أصل أربعين. ودعت هذه الجمعية إلى ضرورة حياد المؤسسة الأمنية في هذه الانتخابات في مؤشر على غياب أجواء الثقة بين المعارضة والسلطة كما لمح إلى ذالك منصور الجمري حيث أوضح بهذا الصدد أن "هناك علاقة يشوبها الغموض بين الأطراف التي تدير العملية السياسية من جهة السلطة والمعارضة التي لديها شكوك وملاحظات، والغريب أن السلطة لا تجيب ولا تتفاعل مع ملاحظات المعارضة".
وتجري هذه الانتخابات وسط إجراءات أمنية صارمة واستثنائية يقول الشيعة إنها تستهدفهم بالأساس خصوصا بعد إلقاء القبض على 23 ناشطا من بينهم رجال دين شيعة بتهمة التخطيط للإطاحة بالنظام السياسي القائم. وبهذا الصدد رأى الخبير الألماني توماس بيرينغ أن "العلاقة بين القصر الملكي البحريني والمعارضة الشيعية تتميز بالتوتر، فالمواجهات، العنيفة أحيانا، مع المجموعات الشيعية تحدث وحدثت في الماضي أكثر من مرة". وبهذا الصدد نددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان بـ"العودة إلى السلطوية" في البحرين وبسيطرة الحكومة على الجمعيات وإغلاقها لوسائل الإعلام المنتقدة للسياسة الرسمية. ويذكر أن البحرين فقدت في التصنيف السنوي لحرية الصحافة لعام 2010 الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود" 25 مركزا وتقهقرت إلى الرتبة 144 عالميا. وفي سياق متصل أثارت منظمة العفو الدولية الانتباه إلى مصير حوالي 250 معتقلا شيعيا ألقي عليهم القبض قبيل الانتخابات وحذرت من أنهم قد يتعرضون للتعذيب.
التهميش الاجتماعي وقود للاحتجاجات
وفي تحليله لخلفيات التوتر بين السلطة والمعارضة، اعتبر توماس بيرينغ أن "المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لها الدور الأهم في المواجهات بين الغالبية الشيعية والحكومة السنية". فالشيعة يشتكون من التمييز في مجالات السكن والرعاية الصحية وكذلك الحصول على الوظائف الحكومية. كما أنهم يتهمون الأقلية السنية الحاكمة بسعيها إلى تغيير الواقع الديموغرافي في البلاد بتوطين أجانب من السنة ومنحهم الجنسية البحرينية لموازنة الغالبية الشيعية، إلا أن الحكومة تنفي رسميا هذه المزاعم.
وفي حديثه لدويتشه فيله انتقد منصور الجمري ما أسماه بـ"استهداف فئة معينة من البحرينيين"، مضيفا "أن البحرين مجتمع متعدد العرقيات ومندمج في إطار وطني موحد". وتنتقد أطياف كثيرة من المعارضة الشيعية احتكار الأقلية السنية لمراكز القرار لضمان امتيازاتها الاقتصادية على حساب الأغلبية. ويذكر أن الأسرة الحاكمة تحتكر المناصب الوزارية الرئيسية إضافة إلى منصب رئيس الوزراء الذي يشغله الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة منذ استقلال البلاد عام 1971. وفي هذا السياق طالب الشيخ علي سلمان الأمين العام ل"جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" بالا تكون السلطة في المملكة "حكرا على الأسرة الحاكمة"، وجاء ذلك في تجمع انتخابي أمام أنصاره يومين قبل موعد الاقتراع.
الدور الإيراني بين المبالغة والواقع
تنظر دول الخليج ومعها الولايات المتحدة والغرب بعين القلق إلى إمكانية توظيف إيران لشيعة البحرين لتوسيع نفوذها في المنطقة كما فعلت في العراق. غير أن توماس بيرينغ يقلل من شأن هذه المخاوف معتبرا أن تأثير إيران موجود بلا شك لكن ذلك "لا يعني ولاء تلقائيا لشيعة البحرين لإيران". وذهب منصور الجمري في نفس الاتجاه حين قال "لا أعتقد أن لمشكلة البحرين علاقة بأطراف خارجية، وحتى الدولة البحرينية تعترف بذلك وخصصت بالذكر إيران. ثم إن أكثرية الشيعة في البحرين من العرب وكانوا شيعة قبل أن تكون إيران شيعية".
من جانبه قال بيرينغ إن أطيافا من المعارضة الشيعية تنظر بعين الرضا إلى نموذج النظام القائم في إيران، معتبرا أن ذلك يعتبر بلا شك تحديات بالنسبة للملكية في البحرين، إلا أنه استبعد أن يتخذ هذا التأثير شكل مجموعات مسلحة على نموذج "حزب الله" في لبنان. وشدد الخبير الألماني على أن المشاركة الشعبية تعتبر مع ذلك الطريق الأمثل للحفاظ على استقرار هذا البلد الخليجي.
حسن زنيند
مراجعة: عبده جميل المخلافي