المصالحة في الجزائر: مكتملة اجتماعياً لكنها منقوصة سياسياً
٦ أكتوبر ٢٠١١تزامنت الذكرى السادسة لإقرار قانون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر مع مشاريع إصلاح سياسية للسلطة وهجمات إرهابية نفذها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. ورغم أن الجزائريين صوتوا آنذاك لصالح هذا القانون بنسبة تجاوزت 97 بالمائة، إلا أنهم بدؤوا يشكون في قدرته على وضع حد للهجمات الإرهابية، فيما تشكو بعض القوى السياسية من ضعف يعتري هذا القانون فيما يتعلق بدمج الأحزاب المحظورة في العملية السياسية.
هذا "العجز" في قانون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية دفع بعض الأحزاب والشخصيات الوطنية الجزائرية للمطالبة بإجراءات تكميلية تستجيب لكل قضايا وإفرازات المأساة الوطنية، بهدف تحقيق مصالحة حقيقية.
المسؤولون الجزائريون هللوا في السابق للنتائج الإيجابية التي حققتها سياسة المصالحة الوطنية، مستدلين على ذلك بالأمان الذي ساد ربوع البلاد، لاسيما بعد "عودة الكثير من الشباب الذين غُرّر بهم إلى حضن المجتمع". وفي هذا الإطار كشف المحامي مروان عزي قبل أسبوع أن عدد الإرهابيين الذين استفادوا من إجراءات ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بلغ 7547 شخصاً منذ شهر فبراير/ شباط 2006. وأضاف عزي، الذي يشغل منصب رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أن عائلات أحد عشر ألف و200 إرهابي استفادت من تعويضات مالية.
قضايا عالقة بحاجة إلى فقرات قانونية جديدة
وأوضح عزي، في اتصال مع دويتشه فيله، أن "ميثاق المصالحة الوطنية لم يعد قادراً على معالجة القضايا العالقة المتبقية، التي تحتاج إلى مواد قانونية جديدة تستوعبها، لأن الإجراءات القانونية التي نص عليها القانون بلغت نهايتها".
من جهته أثنى رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، فاروق قسنطيني، على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، "الذي حقق كل أهدافه، بعد أن استوفى جميع إجراءاته بحلول جزائرية ودون تدخل أي طرف أجنبي". وأكد قسنطيني أنه من "الضروري الآن اتخاذ تدابير تكميلية للميثاق تشمل فئات عانت من المأساة الوطنية ولم تذكر في بنوده، مثل الأشخاص الذين سجنوا ثم أطلق سراحهم دون محاكمة، والذين تكبدوا خسائر مادية (اقتصادية) خلال هذه المرحلة".
"عجز" من الناحية السياسية
وفيما اعتبر المسؤولون الجزائريون الميثاق نجاحاً منقطع النظير، ترى الأحزاب السياسية أنه لا بد من إعادة النقاش حول سبل استكمال المصالحة الوطنية على الصعيد السياسي. ويؤكد المسؤول الإعلامي في حركة النهضة، محمد حديبي، أن الميثاق أطفأ "نار الفتنة، وأنزل آلاف المسلحين من الجبال، وأشاع الأمن والأمان والطمأنينة، وحفظ الأرواح والأرزاق والممتلكات"، إلا أن ذلك غير كاف، حسب ما يشير لدويتشه فيله، "فالمصالحة عولجت في شقها الأمني والاجتماعي فقط، أما الجانب السياسي فلم يعالج بالطريقة التي يستحقها، وهي نقطة ضعفه التي نخشى أن يتم استغلالها من طرف المتطرفين لإحياء نار الفتنة". واتهم حديبي أطرافاً في السلطة بأنها لا تريد مسار المصالحة وتعمل على إفشالها، مؤكداً أن ذلك "يظهر بوضوح في معالجة بعض الملفات بنية الاستئصال وليس المصالحة".
أما جلول جودي، النائب عن حزب العمال في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، فيرى أن المصالحة الوطنية جاءت بإيجابيات كثيرة، "لكن ذلك لا يعني أننا استرجعنا السلم بصورة كاملة، حتى مع تراجع العمليات الإرهابية بشكل كبير، وعودة الجزائريين لممارسة حياتهم بصورة طبيعية أحسن مما كان عليه الوضع في تسعينات القرن الماضي". وانتقد جودي قرار السلطات منع أعضاء حزب جبهة الإنقاذ الإسلامي المحظور من العمل السياسي، لأن ذلك يتنافى والإصلاحات الديمقراطية التي باشرتها السلطة في يناير/ كانون الثاني 2011.
مصالحة مفروضة من فوق؟
ويتساءل محمد جمعة، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، "بأي حق يحرم مناضلو الحزب المحظور من ممارسة السياسة؟"، مضيفاً لدويتشه فيله أنه "يجب أن نطوي ملف الأزمة نهائياً، بتعميم المصالحة على المجال السياسي، مع أخذ كل الاحتياطات والتدابير الإدراية لتجنب الرجوع إلى سنوات الدم والدمار"، حسب قوله.
كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، الدكتور مسعود شعنان، في حديث مع دويتشه فيله، أن ميثاق المصالحة اتبع منهجية خاطئة منذ البدء، معتبراً أن المصالحة فرضت من هرم السلطة، بالإضافة إلى أنها لم تعط شرعية الوجود للطرف الآخر، ولم تقم على المكاشفة وإظهار حقيقة ما حدث. لذلك جاءت نتائجها "عرجاء" لم ترق إلى شروط المصالحة الحقيقية التي كان ينشدها كل الجزائريين.
ويضيف الدكتور شعنان أن "السلطة توفرت لها كل الإمكانات المادية والسياسية لإنجاح مسعى المصالحة. لكن يبدو أن هناك أطرافاً خفية لا تريد ذلك، وتريد ضرب مشروع الرئيس (بوتفليقة) في حد ذاته، ويتجلى ذلك من خلال عدم استكمال إجراءات المصالحة المتعلقة باسترجاع حق الممارسة السياسية لأطراف الأزمة من مناضلي الحزب المحظور".
توفيق بوقاعدة - الجزائر
مراجعة: ياسر أبو معيلق