المساواة بين المرأة والرجل في تونس - مكتسبات يهددها الفكر المتطرف
١٨ ديسمبر ٢٠٠٩يتزامن اليوم الجمعة (18 ديسمبر / كانون الأول) مع الذكرى الثلاثين لاتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقعت عليها 186 دولة حتى الآن، ماعدا بعض الدول من ضمنها إيران والسودان وقطر. ففي مثل هذه اليوم صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 من ديسمبر عام 1979 على هذه الاتفاقية التي تأتي للدفاع عن حقوق المرأة، التي تندرج ضمن حقوق الإنسان، خاصة وأن المرأة لا تزال تعاني في بعض المناطق من العالم من التهميش والتمييز في العائلة والمجتمع. وفيما تتباين جهود الدول العربية فيما يتعلق بضمان المساواة بين المرأة والرجل، قدمت تونس في هذا المجال إنجازات مهمة.
مساواة مع استثناءات
تعد تونس من بين أكثر الدول العربية تقدما كما تعد من ضمن الدول الإسلامية المتطورة في مجال حقوق المرأة. وتصف عبير موسي، محامية وناشطة حقوقية في بعض المنظمات الحكومية وغير الحكومية التونسية، المرأة في تونس بأنها "تعيش مواطنة كاملة، وأن لها نفس الحقوق ونفس الواجبات مع الرجل." وتقول إن المرأة التونسية تحظى بحقوق تطمح إلى اكتسابها نساء في بعض الدول الأوروبية، مشيرة في هذا السياق إلى تفاوت الأجور بين المرأة والرجل في بعض القطاعات في ألمانيا، بحيث تقول "ليس هناك أي تمييز بين المرأة والرجل في قانون الشغل، لا في فرص الشغل ولا في الامتيازات ولا في الحقوق"، مؤكدة أن هذه التشريعات تم دعمها بإدراج مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الدستور التونسي.
وكانت تونس وقعت عام 1981 على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة قبل أن تصادق عليها عام 1985، لتكون بذلك إلى جانب مصر من ضمن أولى الدول العربية التي تقر مثل هذه الاتفاقية. لكنها وضعت تحفظات خاصة ضد المادتين 9 و16 من الاتفاقية، والتي تطالب بالمساواة بين المرأة والرجل داخل مؤسسة الزواج وفي قانون منح الجنسية التونسية لأطفال من زوج أو زوجة غير تونسية. وبررت تونس، التي لم ترفع هذه التحفظات حتى اليوم، أن هذه المواد تتضارب مع قوانين مجلة الأحوال الشخصية والشريعة الإسلامية. وتشدد موسي على أن"هذه التحفظات لا تشكل خطرا على وضع المرأة في تونس باعتبار التشريعات الملموسة والموجودة داخل البلاد تتطابق مع معاهدة مناهضة شتى أشكال التمييز ضد المرأة". جدير بالذكر أنه تم بالفعل سن قوانين تكرس مبدأ المساواة بين الجنسين في تونس، كإلغاء واجب الطاعة عام 1993 وتمكين المرأة التونسية - تحت شروط محددة- من توريث جنسيتها لأطفالها من أب غير تونسي.
الإسلام التنويري - محرر المرأة التونسية
لكن يبقى قانون الميراث في تونس قانونا مستمدا من الشريعة الإسلامية، الأمر الذي ترى فيه خديجة الشريف، من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات "تمييزا ضد المرأة". وتقول الأكاديمية والحقوقية العلمانية "إذا أخذت الشريعة الإسلامية كمبرر يحول دون تطبيق معاهدة مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة فإن ذلك يجعلها تشكل عائقا يحول دون تكريس المساواة بين الجنسين". الجدير بالذكر أن الطاهر الحداد، وهو أحد رواد النهضة في تونس وخريج جامعة الزيتونة الإسلامية، يعد أحد المساهمين بشكل كبير في تحرير المرأة التونسية. ففي كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي نشر عام 1930، طالب الحداد، وانطلاقا من تفسير حداثي للإسلام، بعدد من الإجراءات لإقرار المساواة بين المرأة والرجل في جميع المجالات، من ضمنها إلغاء تعدد الزوجات والمساواة بين الجنسين في الميراث.
وعقب استقلال البلاد عام 1956 تم اعتماد مطالب الحداد في مجلة الأحوال الشخصية، فيما لا يزال قانون الميراث يستند إلى الشريعة الإسلامية والذي يعطي "للذكر حق الأنثيين". من ناحيتها تعلل عبير موسي ذلك بأن المشرع التونسي "اعتمد في تشريعاته على اجتهاد تنويري للإسلام وأنه لم ينجح في إيجاد تفسير آخر لقانون الميراث الإسلامي". وأشارت إلى عدد "من الآليات، التي تم سنها للتخفيض من حدة عدم المساواة"، كتسهيل عملية تقسيم الميراث بين السلف والخلف.
لكن هذا "القانون يتعارض في الواقع مع ما أتت به اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة"، بحسب خديجة الشريف، التي تقول "بأن ذلك يتضارب أيضا مع دولة كتونس تسعى إلى تبني قيم الحداثة والتقدم وفي الوقت نفسه لا لم تقطع بعد مع الدين في مجلة الأحوال الشخصية". وعليه تطالب بالفصل بين "ما هو ديني" وبين "التشريعات والقوانين"، واعتماد قوانين وضعية تأخذ التطورات الاجتماعية للمرأة التونسية بعير الاعتبار، مشيرة إلى أنها تمكنت من فرض وجودها في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
"التيارات السلفية قد تهدد حقوق المرأة المكتسبة"
وفيما يتوقع مراقبون أن مطالب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، التي توصف بأنها جمعية نخبوية علمانية، بإقرار المساواة المطلقة بين الطرفين قد لا تجد شعبية كبيرة داخل المجتمع التونسي مشيرين إلى "عودة التأثير الإسلامي"، ترى عبير موسي "أن بعض التيارات السلفية قد تشكل خطرا على مكتسبات المرأة التونسية". وتلفت إلى أن هذه التيارات، التي تصفها "بالرجعية" ذات أفكار "راديكالية" تنشرها عن طريق بعض القنوات الفضائية "يشكك في عدد الحقوق المكتسبة"، مشددة في الوقت نفسه على أن المجتمع المدني "يعمل على حماية حقوق المرأة والتصدي لكل من يشكك فيها". ويمكن القول إن التيار التنويري للإسلام قد ساهم في تحرير المرأة التونسية، فيما تخشى المنظمات الحقوقية بأن تشكل التيارات السلفية تهديدا لبعض الحقوق.
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: طارق أنكاي