المرأة السورية ضحية العنف والتقاليد الاجتماعية
٣١ مايو ٢٠٠٦قطعت المرأة السورية أشواطاً أكبر من قريناتها في الغالبية الساحقة من الدول العربية في مجال نيل حقوقها في مجالي التعليم والعمل. ويشهد على ذلك حصتها التي تصل إلى أكثر من 40 بالمائة بين طلبة المدارس والجامعات. ولم يعد هناك قطاعات لم تدخلها المرأة كعاملة أو كموظفة أو كمديرة وحتى كقاضية. غير أن تواجدها في هذه القطاعات ما يزال محدوداً باستثناء قطاعي التعليم المدرسي الابتدائي والمتوسط. ففي هذين القطاعين تسيطر المرأة على أكثر من ثلثي الوظائف، كما أنها تحصل على نفس الأجر الذي يتقاضاه الرجل إذا كان الأمر يتعلق بنفس العمل.
حضور سياسي ضعيف الفعالية
وفي المجال السياسي منح الدستور المرأة حق الترشيح والانتخاب وتولي مختلف المناصب ماعدا منصب رئاسة الجمهورية. وعلى ضوء ذلك أصبحت المرأة وزيرة ودخلت مجلس الشعب السوري كنائبة. وقد وصل تمثيلها في المجلس إلى نسبة 12 بالمائة (30 نائبة من أصل 250 نائباً). ومؤخرا تم تعيين وزيرة الثقافة السابقة الدكتورة نجاح العطار نائبة لرئيس الجمهورية. غير أن مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي وتأثيرها عليه ضعيف للغاية أو شكلي في أحيان كثيرة رغم توليها مناصب عليا. ويعود ذلك إلى أن هذه المشاركة تأتي من حرص حزب البعث الحاكم وأحزاب الجبهة الوطنية المتحالفة معه على وجود نسبة معينة من النساء في مراكز صنع القرار بغض النظر عن مدى وعيهن لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهن. كما إن وصولهن إلى هذه المراكز يتم عن طريق التعيين أو الإدراج في قوائم انتخابية جاهزة أكثر منه عن طريق الانتخاب الديمقراطية.
عدم فعالية قانون حظر استخدام العنف ضد المرأة
ومن ناحية أخرى ينص القانون المدني السوري على منح المرأة الأهلية عند بلوغها سن الرشد. كما يمنحها القانون حق الاحتفاظ باسمها ولقبها والسماح لها بالتصرف بأموالها دون اللجوء إلى أحد سواء كان زوجها أو أولادها. أما قانون العقوبات فينص على حمايتها من العنف والاعتداءات الجنسية والإجهاض الإجباري بدون رضاها. غير أن تطبيق هذا القانون على أرض الواقع يصطدم بمعوقات اجتماعية كثيرة مما يجعله شكلي في معظم الأحيان. فقد جاء في دراسة صدرت مؤخرا أن المرأة السورية ما تزال تتعرض للاعتداء والعنف من قبل الرجل على نطاق واسع. وجاء في الدراسة التي أعدها الاتحاد النسائي في سورية بتمويل من صندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة، إن سيدة من بين كل أربع نساء متزوجات تتعرض للضرب من قبل الأزواج والآباء بالدرجة الأولى. ولا يندر أن يقوم هؤلاء بذلك دون مبررات تذكر، انطلاقاً من المثل الشائع: "المرأة مثلها مثل حبة الزيتون لا تحلو إلا بالرص"، مما يدل على تفشي ظاهرة استخدام العنف ضد المرأة.
القانون وجرائم الشرف
ومن الاعتداءات الأخرى التي تمارس بحق المرأة توجيه الشتائم والتحرش بها من قبل الجنس الآخر. أما جرائم الشرف فتتراوح نسبتها بين 200 إلى 300 جريمة في السنة وأغلبها تقع في المناطق الريفية والقبلية شمال شرق البلاد وشرقها وفقا لما ذكرته تمارا صائب، المتحدثة باسم منظمة اليونيسيف في دمشق. ويشجع على ارتكاب هذه الجرائم بعض مواد القوانين التي تنص على تخفيف العقوبات بحق الرجل، الذي يرتكب جريمة بحق إحدى قريباته إذا قامت بارتكاب أفعال تجلب له العار حسب رأيه. وعلى ضوء ذلك طالبت وثيقة أعدها موقع شام برس الإلكتروني وشارك فيها عشرة آلاف مثقف ومدافع عن حقوق المرأة السلطات السورية بإلغاء المواد التي تخفف من قانون العقوبات السوري.
العادات والتقاليد
وتعود مشكلة عدم تطبيق قانون العقوبات بحق من ينتهك حقوق المرأة إلى العادات والتقاليد الاجتماعية بالدرجة الأولى. فالكثير من النساء لا يتجرأن مثلا على إخبار أسرهن عن الاعتداءات التي يمارسها الأزواج خوفاً من إلقاء اللوم عليهن وتصنيفهن في عداد الزوجات غير الصالحات من قبل الجيران والمجتمع، إضافة على اتهامهن بإهمال واجباتهن المنزلية والزوجية والعائلية. ويعاقب القانون الرجل الذي يعتدي على زوجته بالسجن، غير أن المرأة وأفراد أسرتها نادرا ما يلاحقون الأزواج، الذين يقدمون على ذلك، قضائياً. ويعكس هذا التصرف عادات وتقاليد المجتمع السوري الذي ما يزال ذكوريا مثله مثل مجتمعات الدول العربية الأخرى، التي تعطي الحق للرجل في معظم الحالات حتى لو كان هو المذنب بحق زوجته أو ابنته.
قانون الأحوال الشخصية ينتقص من حقوق المرأة
وإذا كانت بعض القوانين السورية قد أنصفت المرأة ومنحتها حقوقا واسعة وفي مقدمتها حقها في التعليم والعمل، فإن الكثير منها ما تزال تظلمها في مواجهة الرجل. فقانون الأحوال الشخصية مثلاً لا يعترف بحقوق المرأة المتساوية مع الرجل. وبموجب ذلك فإنها لا تستطيع السفر والتنقل بحرية دون موافقة ولي أمرها. غير أن الوقائع تشير إلى أن الدوائر الرسمية السورية تغض النظر عن هذا الشرط وتمنح المرأة جواز السفر وتأشيرة الخروج دون العودة إلى ولي الأمر في أحيان كثيرة. ومن نقاط الإجحاف الأخرى أن القانون المذكور لا يعطي أولادها الحق في الحصول على جنسيتها إذا كانوا من أب غير سوري.
وهكذا فإن طريق المرأة السورية إلى نيل حقوقها كاملة محفوفة بعقبتين أساسيتين: الأولى ذات طابع تشريعي وقانوني مرتبطة بضرورة إزالة التناقضات بين التشريعات، التي تقر بحقوقها في مجالات التعليم والعمل والترشيح والانتخاب من جهة وإنكارها في مجال الأحوال الشخصية من جهة أخرى. أما العقبة الرئيسية الأخرى فمرهونة بتغيير العادات والتقاليد التي تنظر إلى المرأة بشكل دوني تجاه الرجل وتنصر الأخير سواء كان ظالماً أو مظلوماً.