المرأة التونسية بعد عامين من الثورة.. حريات مهددة ونضال مستمر
٨ مارس ٢٠١٣"نحن حفيدات الكاهنة وعليسة ولا تنازل عن حرياتنا مهما كلفنا الأمر" هي أول عبارة بدأت بها شيراز الشابي، مديرة مؤسسة صحية، حديثها الذي كان مفعما بالحماس والذي عكسته نبرة صوتها الحادة والمتحدية، من خلال إشارتها إلى أسطورة المرأة الأمازيغية، التي كانت قبل 15 قرنا قائدة عسكرية وملكة في شمال افريقيا، وإلى رمز الحضارة الفينيقية في تونس، عليسة مؤسسة قرطاج وملكتها الأولى.
عن واقع المرأة التونسية بعد عامين من الثورة تقول شيراز، التي عاشت في ظل نظامي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، "إن المشروع الوهابي في تونس غريب ولن ينجح، فنحن مستعدات للنضال من أجل الحفاظ على حريات بناتنا ومكتسباتهن" وتؤكد أن الثورة أعقبتها مباشرة "محاولات للتضييق على حريات المرأة وإرجاعها إلى زمن أنها عورة". وأضافت بأن التونسيات لن تتنازلن عن مكتسباتهن المتمثلة في مجلة الأحوال الشخصية.
رأي شيرازحول وضعية المرأة التونسية بعد عامين من الثورة، تشاطرها فيه عدد من الشابات والناشطات اللاتي تحدثن لـ DWعربية. لكن التونسيات منقسمات في نظرتهن للمستقبل بين متفائلات ومتشائمات إزاء حقوقهن، ويعتبرن مشروع الدستور الجديد مظهرا يجسد مخاوفهن، رأي تخالفه نائبة عن حزب النهضة الإسلامي الحاكم.
مشاهد متناقضة عن أوضاع المرأة
وبخلاف عبارات التحدي لدى شيراز وحماسها وثقتها بقدرة المرأة التونسية في الحفاظ على حقوقها، بدا على ملامح فوزية اليـأس والحيرة، بل إنها لم تحبس دموعها التي انسابت بمجرد أن بدأت حديثها، وتقول بأن عودة الحديث في تونس عن إمكانية مراجعة مكانة المرأة التونسية بعد 50 عاماً من الحرية يسبب لها الانهيار.
وبرأي فوزية، ممرضة، فإن حالة المرأة بعد الثورة "أصبحت أسوأ بكثير من العهد السابق"، وأوضحت لـ DW عربية أن "وضع المرأة البسيطة مزرٍ وتتعرض للاستغلال والإهانة يوميا سواء من أرباب العمل، أو من بعض العناصر والمجموعات النشيطة في الشوارع التي مازالت تعتبر المرأة مصدر ضعف ومجرد جسد". في إشارة إلى استشراء مظاهر التحرش بالنساء في الشوارع، أو ظهور مجموعات سلفية في شكل "شرطة دينية" تحت شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
لا يختلف رأي أميرة، طالبة بجامعة تونس، عن رأي فوزية، حيث تشير(أميرة) إلى أنها تعرضت عدة مرات للعنف اللفظي من قبل بعض المجموعات المحسوبة على التيار السلفي. وتضيف بأن التمييز بين الجنسين استفحل بعد الثورة حيث انتقل، على حد قولها، إلى مرحلة التمييز بين المرأة المحجبة وغير المحجبة على أساس تصنيفها ضمن "السافرات وغير العفيفات".
أما نعيمة الشرميطي، إعلامية تونسية، فهي تقول بأن التضييق والصعوبات التي اعترضتها لكونها امرأة لم تمنعها من النجاح في تأسيس موقع إعلامي خاص بها يشغل خمسة صحفيين وهو ما عجز الكثير من الرجال عن تحقيقه. وتعيب نعيمة على الحكومة الحالية أنها نصبت على رأس وزارة المرأة شخصية "أساءت إلى صورة المرأة".
مخاوف من انتشار التشدد الديني
وتقول الإعلامية نعيمة الشرميطي، في حديثها مع DW عربية، إن "أخطر الظواهر الاجتماعية على النسيج المجتمعي هي تلك الحملات والشعارات التي يطلقها أنصار حزب النهضة مثل (حجابك عفافك) وشعارات أخرى تساهم في تعميق التمييز بين المرأة المحجبة وغيرها". كما أعربت عن مخاوفها بشأن الطريقة التي يطرح بها موضوع المرأة في مشروع الدستور الجديد، وما تلاحظه من خلال عملها من "انتهاكات غريبة في حقها كإمرأة". لكنها بالمقابل، أعربت عن ثقتها في المجتمع المدني.
ومن جهتها تسجل سلوى الشرفي، كاتبة وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، ظواهراجتماعية وسياسية بعد الثورة، ترى فيها "محاولات للتراجع عن مكتسبات المرأة"، وتقول إن "ظهور السلفيين المتشددين كانت له نتائج سلبية جدا على حقوق المرأة ويتجسد ذلك في الترويج للنقاب" وأشارت في حديثها مع DW عربية إلى أن "النقاب يجسد رمزيا أن جسد المرأة عورة حيث أن من ترتديه تصبح مستلبة وغريبة عن جسدها". وترى بأن"هذه المرأة (التي قبلت ارتداء النقاب) من الممكن أن تقبل بالعودة إلى تعدد الزوجات لأنها لا تشعر بأنها متساوية مع الرجل".
بيد أن النائب عن حزب نداء تونس، (معارضة) في المجلس التأسيسي، إبراهيم القصاص، يرى أن "المرأة التونسية وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا لا يستطيع معها أي رجل أن يرجعها إلى الوراء". وقال القصاص إن حزبه، أسسه رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي، وهو حزب يحاول إحياء البورقيبية في البلاد، "سيدافع بكل قوة عن مكتسبات المرأة". مشيرا إلى أن وجود بعض الأطراف التي تسعى إلى التراجع عن حقوق المرأة لا يعني أن مساعيهم ستنجح.
قانون الأحوال الشخصية، هل يتم التراجع عنه؟
"المرأة التونسية تناضل يوميا من أجل الحفاظ على حقوقها سواء في البيت أو داخل الأحزاب أو حتى في الحقل ولكن هذا لا يكفي بل لا بد من نشر صورة إيجابية للمرأة التونسية عبر وسائل الإعلام وهي صورة مفقودة" تقول سلوى الشرفي، في حوارها مع DW ، منتقدة ما وصفته بـ "محاولات الإقصاء التي تتعرض لها المرأة في تونس بعد الثورة حتى في وسائل الإعلام على الرغم منوجودها على رأس العديد من المجالات".
وفي ردها على رأي سلوى الشرفي، تنطلق النائبة عن حركة النهضة في المجلس التأسيسي فريدة العبيدي، من خلال دور المرأة في حزبها قائلة "موقع المرأة في أي حزب يعكس موقعها في المجتمع وموقف الحزب منها". وأوضحت النائبة عن حزب النهضة في لـ DW بأن المرأة تحتل منذ الثمانينات مواقع القيادة داخل النهضة، وكان لها دور بارز في النضال ضد الدكتاتورية.
وبرأي سلوى الشرفي فإن وقوع انتهاكات لحقوق المرأة، مرده إلى "تخاذل حركة النهضة في ردع العناصر المتشددة بشكل أو بآخر، على غرار تفشي الخطاب السلفي الداعي إلى التراجع عن الحقوق الواردة في مجلة (قانون) الأحوال الشخصية". ولمواجهة هذه الأوضاع تدعو الناشطة التونسية، إلى دعم حضور المرأة في الإعلام ودعم الرجال لحقوقهن ومكتسباتهن وتربط مستقبل المرأة التونسية بمدى إرادة المجتمع، وخاصة الرجال من دعاة الحداثة، في الدفاع عن حرياتها والحفاظ على مجلة الأحوال الشخصية كقانون يصون مكتسبات المرأة.
ولا توافق فريدة العبيدي، النائبة عن حزب النهضة، على رأي سلوى الشرفي إذ وتشير إلى أن حركة النهضة لا تعارض أبدا مجلة الأحوال الشخصية وهذا موقفها منذ سنة 1988 حيث اعتبرت الحركة، في مؤتمر صحافي موثق تاريخيا، "المجلة اجتهادا إسلاميا على اعتبار عدم تناقضها مع الدين الإسلامي خاصة وأن من أشرف عليها شيوخ لهم اعتبارهم في تونس".
وتنفي فريدة العبيدي أي اتهام للحركة بنيتها التراجع عن حقوق المرأة والمس بمجلة الأحوال الشخصية، وأشادت بنضال المرأة التونسية، مؤكدة أن المرأة النهضوية (من حزب النهضة) هي جزء من المرأة التونسية، ومشاكلها ليست خاصة بنساء الحركة بل هي مشاكل تهم كل نساء البلد وتشير إلى أن المرأة النهضوية تتشرف بانتمائها إلى هذه الرقعة.
وترى ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة بأن مخاوفهن على حقوق المرأة مرده أيضا إلى ما ورد في الفصل 28 من مشروع الدستور الجديد (النسخة الأولى)، حيث وجهت اتهامات لحزب النهضة بالسعي إلى تحديد علاقة المرأة بالرجل من منطلق "الشراكة والتكامل" بدل معاملة المرأة التونسية على أساس المساواة والنديّة باعتبارها مواطنة كاملة الحقوق. وهو ما نفاه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار سابق مع DW بتأكيده أنه "تم التنصيص على المساواة ثلاث مرات في مشروع الدستور، أما التكامل فهو معنى آخر يشير إلى الأسرة وضرورة التكامل بين المرأة والرجل. ولكنه مصطلح جديد على القاموس النسوي والحداثي، فلم يُستصغ".