المخبول في الأعمال الفنية العربية..حرية الجنون وجنون الحكمة
٢٢ أغسطس ٢٠١٣يعيش الحكيم المخبول "موها" على شجرة، ليست كأي شجرة، إنها شجرة الذاكرة. يستطيع "موها" أن يرى كل شيء في الماضي والحاضر على حد سواء ويقول كل ما يريد فهو في النهاية "مخبول".
شخصية المخبول حاضرة بشكل كبير في ثقافة الحكي بأدب شمال أفريقيا ، كممثل للضعفاء والمقموعين ومن لا يستطيعون رفع صوتهم. يستطيع المخبول بالطبع أن يقول ما يخاف غيره النطق به خوفا على حياتهم فهو في النهاية يتمتع بدرجة أكبر من الحرية كونه مخبولا.
توضح المخرجة المسرحية ارينل روف طبيعة شخصية "موها" في الرواية وتقول:"يمكن لكل شخص أن يتحدث بلسان موها". وتعرف روف جيدا طبيعة شخصية المخبول في الأعمال الروائية والفنية بشمال أفريقيا إذ أنها نشأت في المغرب وتونس. وأدركت روف من خلال أعمال بن جالون ، أن شخصية المخبول لم تفقد أهميتها كما أنها صالحة للطرح حتى في عصرنا الحالي.
بين الخيال والنقد اللاذع للمجتمع
نشر الكاتب المغربي الطاهر بن جالون روايته شجرة الذاكرة (الترجمة الألمانية للعنوان الأصلي الفرنسي) عام 1978. تجمع الرواية بين عالم الخيال والواقع المؤلم وتنتقد على لسان شخصية "موها" النفاق والبؤس والتضليل المنتشر في العالم. وبالرغم من أن الإطار المكاني للرواية يتركز على تاريخ المغرب خلال فترة الاستعمار إلا أن مفردات العمل صالحة لكل زمان ومكان.
كانت الرواية محظورة في المغرب حتى عام 2006. ويعلق الطالب الألماني يان على الأمر قائلا:" يمكن اليوم قراءة الرواية في المغرب لكن لا يمكن شراؤها". يان هو فرد من فريق مكون من 14 شخصا من الفنانين الشباب الذين تعاونوا مع المخرجة ارينل روف في تحويل الرواية لعمل مسرحي عرض في هامبورغ للمرة الأولى في العاشر من حزيران/يونيو الماضي.
وبظهور هذا العمل على المسرح تحقق حلم قديم للمخرجة فقد استغرق تحقيق هذا الحلم تسع سنوات والعديد من جلسات العمل.
مشروع ألماني مغربي مشترك
بدأت روف العمل مع سبعة من طلبة جامعة هامبورغ قبل عام ونصف وتقول الطالبة روزا المشاركة في فريق العمل :"قرأنا الكتاب واختار كل منا الجزء الذي مسه بشكل كبير ورسمنا صورة لكل من هذه الأجزاء لنضع حجر الأساس الذي انطلقت منه مرحلة التطوير والابتكار".
النص المكتوب للعمل المسرحي يعتمد على رواية "شجرة الذاكرة" للطاهر بن جالون بالإضافة إلى أفكار خاصة من مجموعة العمل. النص المسرحي لا يعتمد على معالجة محددة بل على مجموعة متتالية من التصورات حول مواضيع معينة كما لا توجد في العمل الكثير من الأدوار الثابتة فكل جزء وفكرة تعرض شخصيات مختلفة. وكل شخصية في العمل تتحدث بلسان "موها".
بدأ العمل في المشروع الألماني المغربي في تشرين ثان/نوفمبر 2011 من خلال سبعة طلبة من الدار البيضاء وسبعة طلبة ألمان ، سبعة رجال وسبع نساء شكلوا في النهاية مجموعة عمل شابة عملوا على صياغة شخصية "موها" بنصوص عربية وألمانية وأغاني ورقصات.
صور عالمية صالحة لكل زمان ومكان
عما يتحدث "موها" ؟ عن الماضي والحاضر عن كل الأشياء التي يتم تجاهلها أو غض الطرف عنها أو حتى قبولها على مضض. تتحدث المرأة المقموعة على لسان "موها" وتنتقد المجتمع الذكوري والإساءة لجسدها.
ويتحدث المعارض العلماني على لسان "موها" ويفضح التناقض بين التدين الشكلي والواقع الاجتماعي وينتقد إساءة استخدام الدين والاتجاه للرأسمالية الغربية مع تنامي الفقر في البلاد ويتحدث عن "حرية جديدة" يتمتع بها الفقراء وهي حرية ناتجة عن "عدم امتلاكهم أي شيء".
يتطرق "موها" إلى الماضي الاستعماري للفرنسيين الذين "أصابوا كرتنا الأرضية". ويعبر "موها" بطبيعة الحال عن قضايا الحاضر ويتحدث عن "النفاق الإجرامي للاتحاد الأوروبي والخطة الأمريكية لتمرير الديمقراطية غصبا في العالم العربي".
أما "موها" الثوري فيطالب الناس "بعدم كظم الغيط والنزول للشارع وتحديدا للميادين الكبرى والخروج من حالة الصمت والخوف".
الصور التي يقدمها العمل تصلح لكل زمان ومكان حتى بالرغم من أن اللغة والملابس والموسيقى توضح العنصر العربي بشكل ملموس إلا أن المحتوى يصلح لكل مكان. والعمل في النهاية هو دعوة للمزيد من الإنسانية والصراحة والتعقل ورفض لضياع الثقافة والهوية في العصر الحاضر وأمل في عالم به المزيد من مشاعر التضامن.
لاورا أوفرماير
حقوق النشر: قنطرة 2013