المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية غير المباشرة – أي أفق؟
١٠ مايو ٢٠١٠تنفست الدبلوماسية الأمريكية الصعداء حينما وافقت كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية على بدء محادثات غير مباشرة بواسطة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل. ولعلّ البعض علق آمالا كبيرة على استئناف المفاوضات المجمدة منذ 16 عشر شهرا وبالتالي إحياء عملية السلام المتعثرة. ولكن وبعد مرور يوم فقط على الإعلان عن بدء المحادثات غير المباشرة، بغية التمهيد لمفاوضات سلام مباشرة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية، على لسان وزيرها المكلف الإعلام يولي إيدلشتاين، أنها "ستواصل خلال السنتين المقبلتين البناء في جيلو وبسغات زئيف والتلة الفرنسية"، وهي أحياء استيطانية في القدس الشرقية.
وسرعان ما تبخرت الآمال حول ما إذا كانت المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية غير المباشرة قد تفضي إلى نتيجة، بحسب ما يرى المحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن. ويضيف بوخن، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "فرصة نجاح المحادثات ضيقة جدا وضئيلة"، مشيرا إلى إعلان إسرائيل مواصلة الاستيطان من جهة، ومن جهة أخرى، إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي. وعلى ضوء هذه المعطيات تبقى فرص نجاح المحادثات غير المباشرة مرهونة بتنازلات من الجانب الإسرائيلي يما يتعلق بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبتعهدات بما يتعلق بمسألة أمن الأراضي الإسرائيلية من الصواريخ التي تطلق انطلاقا من قطاع غزة، بحسب شتيفان بوخن.
كما يشدد المحلل السياسي الألماني على أنه يتعين على الطرف الفلسطيني توحيد مواقفه وتجاوز الفوضى والانقسام السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية "تحت قيادة واحدة وبصوت واحد". فتوحيد الموقف الفلسطيني "ضروري لعقد أي اتفاق بعيد المدى مع الجانب الإسرائيلي". كما يتعين على الطرف الإسرائيلي "تجميد عمليات الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية"، وذلك بهدف خلق فرص نجاح محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية غير المباشرة، على ما يرى بوخن.
"إسرائيل متمسكة بسياسة الاستيطان والفلسطينيون منقسمون"
وتؤكد التطورات الأخيرة صحة قراءة الخبير الألماني المتشائمة لمستقبل المحادثات غير المباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. فعلى الرغم مما روجت له وزارة الخارجية الأمريكية من أن الحكومة الإسرائيلية قد قررت تجميد قرارها ببناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو في القدس الشرقية، إلا أن كلا من الوزير الإسرائيلي المكلف الإعلام إيدلشتاين والمتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية نير هيفيتس صرحا للإذاعة الإسرائيلية بأن هذا القرار لم يتم تجميده و"أن عملية البناء ستبدأ في غضون سنوات".
وعلى الجانب الفلسطيني تبدو الهوة بين حركتي فتح وحماس أعمق من أن يتفقا على موقف موحد. ففي حديث هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) اعتبر مشير المصري، القيادي بحركة حماس، أن بدء محادثات غير مباشرة مع إسرائيل "لا ينم عن مصلحة وطنية". وأضاف المصري قائلا: "كان أولى بفتح، بدلا من اللهاث والهرولة وراء المفاوضات العبثية، أن تعود للشعب الفلسطيني وتتفق مع كل الفصائل على إستراتيجية وطنية موحدة".
إذن، طالما أن الحكومة الإسرائيلية متمسكة بمواصلة الاستيطان وطالما أن الانقسام والفوضى يسودان الساحة السياسة الفلسطينية، ونقاط الاختلاف كبيرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فعلى أي أساس تقوم هذه المحادثات غير المباشرة؟ شتيفان بوخن يعزو إجراء محادثات غير مباشرة إلى سببين أساسيين، أولهما انعدام الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما يكمن السبب الثاني في ضعف الدور الأمريكي في التوسط لحل الأزمة في الشرق الأوسط وبالتالي فشل الدبلوماسية الأمريكية في دفع الطرفين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وجها لوجه.
ويستبعد المحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن أن ينتقل الطرفان إلى محادثات مباشرة في غضون أربعة أشهر، لافتا إلى أن الطلب الأساسي للجانب الفلسطيني، والذي يكمن في تجميد عمليات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، "يتضارب مع ما أبدته الحكومة الإسرائيلية من رغبة في مواصلة عمليات البناء".
"الدور الأمريكي ضعيف والأوروبيون منشغلون بالأزمة اليونانية"
على صعيد آخر، يهدد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس، على الأراضي الإسرائيلية الأمن الداخلي لإسرائيل. وعليه، يرى بوخن أن بدء محادثات غير مباشرة، إنما هو "حل وسطي"، لافتا إلى كلا الطرفين يرتبطان بعلاقات جيدة بالولايات المتحدة وأنهما لا يريدان تعكير صفوها وبالتالي قبلا بالعرض الأمريكي في إجراء محادثات غير مباشرة. لكن الخبير الألماني يصفها بأنها محاولة "لتمرير الوقت"، مستبعدا أن تسفر هذه المحادثات عن أي نتائج إيجابية.
وإذا كان نجاح الدبلوماسية الأمريكية متواضعا حتى الآن فهل بإمكان الأوروبيين المساهمة في دفع المحادثات بين الطرفين وإحياء عملية السلام؟ يشكك شتيفان بوخن في إمكانية مساهمة الأوروبيين في دفع المحادثات، مذكرا بانشغالهم "بالأزمة اليونانية وتداعياتها على منطقة اليورو". ويرى بوخن أن الأوروبيين يفتقدون إلى "الطاقة والقوة لتخصيص جهد إضافي لقضية شائكة ومعقدة كالسلام في الشرق الأوسط". كما يستبعد أن يطلق الأوروبيون مبادرات سلام مهمة.
ويقر شتيفان بوخن بأن الأمريكيين هم القادرون على التأثير، ولكنه يصف دورهم، في الوقت الراهن، في الشرق الأوسط "بالضعيف". ويرجح المحلل السياسي الألماني بأن الإدارة الأمريكية "غير قادرة على القيام بأكثر من ذلك"، أي أكثر من التوسط في إطلاق محادثات غير مباشرة بين الطرفين. "فما بالك بالطرف الأوروبي!"
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: أحمد حسو