المثقفون في مصر يرفضون الانضمام إلى "حزب الكنبة"
٨ سبتمبر ٢٠١١في مقالة له بصحيفة "أخبار الأدب" المصرية يهاجم الناقد عز الدين نجيب المثقفين المصريين، معتبراً موقفهم من الثورة المصرية تعبيراً عن "مفارقة مدهشة"، فالمثقفون الذين كانوا يعتبرون أنفسهم "قاطرة الوعي وضمير الأمة وقادة التغيير" فاجأهم قطار الثورة "ومضى في طريقه مستغنياً عنهم". ويتهم نجيب عموم المثقفين بالعجز عن المشاركة في التظاهرات ومواجهة طلقات الرصاص، وأنهم راحوا "شيئاً فشيئاً ينضمون إلى حزب الكنبة أمام شاشات التلفزيون يتفرجون على ما يجري."
لكن نجيب نفسه يشير إلى "استثناءات متفرقة" هي على حد قوله "بضع مئات"، وهي تبين أن تعميمه خاطئ. ومن بين تلك الاستثناءات يشير نجيب إلى الروائي إبراهيم عبد المجيد الذي وصل "الليل بالنهار" ليسجل "يوميات الثورة في قلب الميدان وهو خارج من عملية قلب مفتوح". ولذلك ينفي عبد المجيد هذه التهمة "العامة" عن المثقفين، ويقول، في حديث خصّ به دويتشه فيله، إن سبب هذا الانطباع الخاطئ يرجع إلى "حالة الذعر" التي أُصيب بها الناس عندما يرون نشاط "من يسمون أنفسهم بالإسلاميين".
ويشير مؤلف "لا أحد ينام في الإسكندرية" إلى أن من قام بالثورة المصرية هم "في الأساس الشباب العلماني من الطبقة الوسطى". ويعلل عبد المجيد بروز التيار الإسلامي وعلو صوته في الوقت الراهن إلى مناخ الحرية الموجود الآن، "فالجماعات السلفية لم تشارك في السياسة من قبل"، بل كانوا أداة في يد "أمن الدولة في السنوات الخمس الماضية". ويتهم صاحب "بيت الياسمين" الإعلام المرئي بتسليط الضوء على التيار الديني والسلفي لتحقيق "أغراض استثمارية".
انفصال بين المثقفين والشارع؟
أما الروائية منصورة عز الدين فترى، في حديث لدويتشه فيله، أن هذا الانطباع، أي تواري المثقفين وطغيان الصوت الديني، "قد يكون صحيحاً في الفترة الحالية لأن المثقفين الآن مشغولون أكثر بأنفسهم وبصراعات شخصية وباتهامات متبادلة، على عكس حالهم أثناء الثورة". وتضيف مؤلفة "وراء الفردوس" أن التيار السلفي والإخوان المسلمين "هم الأكثر تنظيماً الآن"، غير أنها ترفض "المبالغات" والنظر بفزع إلى التيار الديني "باعتباره وحشاً مخيفاً"، لأن هذه النظرة قد تضر أكثر مما تنفع". وترى صاحبة "متاهة مريم" أن للمثقفين دوراً كبيراً في إعادة رسم خريطة مصر السياسية، "فكتاب الأعمدة في الصحف وأساتذة الجامعات والتقنيين"، أي المثقفين بالمعنى الواسع للكلمة، "هم الذين يوجهون الرأي العام في الوقت الحالي".
ويُتهم عديد من المثقفين في مصر بأن نشاطهم ينحصر في كتابة المقالات، وأنهم لا ينزلون إلى الشارع، ولا يعقدون اللقاءات الجماهيرية لدعم فكرة الدولة المدنية التي يتحمس لها معظم المثقفين، تاركين الساحة بذلك خالية للتيار الديني. إبراهيم عبد المجيد يرى أن الاتهام "صحيح إلى حد ما"، لكنه يضيف "أن هذا في الحقيقة هو دور الأحزاب". أما منصورة عز الدين فترى أن مشكلة المثقفين الآن هي "في العمل مع الشارع، لأن هناك انفصالا كبيرا بين المثقفين – بالمعنى الضيق، أي الكتاب والمبدعون – وبين الشارع". وترى الروائية أن معظم المثقفين "يكلمون أنفسهم ويتكلمون طوال الوقت عن الدولة المدنية دون نقاش حقيقي مع الشارع".
"الفن ميدان"
هناك استثناءات كثيرة بالطبع. الكاتبة مي التلمساني – على سبيل المثال - أسست مبادرة "الدولة المدنية" وتذهب مع وفود من الشباب إلى القرى والأحياء الشعبية لنشر فكرة الدولة المدينة بين الناس، أو الدكتورة زينب أبو المجد التي تقوم "بدور مهم جداً في الصعيد لدعم فكرة الدولة المدنية" مثلما تقول منصورة عز الدين.
هناك أيضاً مجموعة من الفنانين التشكيليين الذين نظموا مشروع "الفن ميدان" لعرض أعمال إبداعية وحرف شعبية في الميادين المهمة في عشر محافظات، مثلما يقول الفنان التشكيلي محمد عبله في حديه مع دويتشه فيله. هذه "الاحتفالية" التي تقام في السبت الأول من كل شهر تشهد "فعاليات ثقافية كثيرة، من معرض كتاب إلى حرف إلى موسيقى إلى فن تشكيلي وغناء". هذه المبادرة قام بها "ائتلاف الثقافة المستقلة"، وهناك سعي – يقول عبله – إلى تعميمها في كل ميادين مصر.
الصورة إذاً ليست قاتمة مثلما تبدو للوهلة الأولى. بل إن "الثورة نفسها" – كما تقول منصورة عز الدين – "كانت ثمرة من ثمار الحراك الثقافي بمعناه الأوسع في العشر سنوات الماضية"، فهناك المدونون والناشطون على الانترنت الذين قاموا بدور مهم في الثورة، وهؤلاء "يمكن ضمهم بسهولة إلى المثقفين بالمعنى الواسع، وبالتالي فالثورة المصرية بدأها المثقفون".
سمير جريس
مراجعة: سمر كرم