اللاجئون السوريون وفشل الخروج من "سجن" عرسال
٢١ ديسمبر ٢٠١٤مدينة عرسال الجبلية، في محافظة البقاع شمال شرق لبنان، تبدو حاليالمن يزورهاوكأنها خلية نحل. أعداد كبيرة من السيارات تدخل وتخرج من المدينة المتاخمة للحدود السورية. وبالرغم من أنها مدينة لبنانية، إلا أن العديد من السيارات تحمل لوحات سورية، وذلك يعود بالأساس إلى وجود أكثر من 100 ألف سوري، ممن هربوا من براثن الحرب الدائرة في سوريا.
أحد هؤلاء الأشخاص السوريين هو مصطفى، والذي ظن بأن المصاعب أصبحت وراء ظهره، بعد أن تخطى الحدود السورية اللبنانية هاربا من مدينته حمص، أملا في واقع أفضل. بيد أنه اصطدم بمرارة الواقع في عرسال، حيث حصل على خيمة في مخيم للاجئين له ولعائلته المكونة من خمسة أشخاص. كما حصل مصطفى أيضاً على بعض المساعدات البسيطة من إدارة المخيم ووكالة اللاجئين (UNHCR) التابعة للأمم المتحدة.
خمسة أيام دون طعام أو شراب
وإلى حدود الآن، مر عام على وصول مصطفى، ولا زالت الأوضاع على حالها. والمستقبل يبدوا مظلما مع سماع أنباء تقدم مجموعات إسلامية متطرفة مثل جماعة "النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" من سوريا إلى الجبال المحيطة بعرسال. ففي شهر أب / أغسطس الماضي دخلت عناصر من هذه التنظيمات إلى عرسال، وحصلت اشتباكات بين الجيش اللبناني وبين هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة في أنحاء المدينة. ليجد اللاجئون أنفسهم في مرمى النيران.
ويقول مصطفى: "اضطررنا للهرب بعد إطلاق الجنود النار على المخيم، ومن بعيد رأيت خيمتنا تحترق". لم يستطع مصطفى نسيان صورة الخيمة المحترقة، خاصة وأنه فقد كل ما يملك باحتراقها. ويتابع مصطفى: "خمسة أيام ونحن نكافح للبقاء على قيد الحياة. اختبأنا في بناية مهجورة، بدون ماء أو طعام، أولادي طالبوني بالطعام وبكوا من شدة الجوع والعطش، إلا أنني أخبرتهم أنني لو خرجت من البناية، فسيطلق علي أحد القناصة النار".
أثناء الاشتباكات، تمكنت التنظيمات المتطرفة من اختطاف عشرات الجنود اللبنانيين، مما ولد توترا بين اللبنانيين وبين اللاجئين السوريين. ويقول مصطفى إن "الجيش اللبناني حملنا مسؤولية كل ما جرى. اتهمونا بالتعاون مع الجهاديين، وقبضوا على العديدين منَا للتحقيق معنا".
أصبحت عائلة مصطفى مشردة، فبعد احتراق خيمة العائلة التي فقدت كل ما تملك، لم يكن بإمكانها شراء خيمة جديدة، إذ تصل قيمتها إلى 120 يورو. لكن اتحاد منظمات الإغاثة والتنمية (URDA) ابتاع لمصطفى وعائلته خيمة جديدة، تم نصبها مكان الخيمة القديمة، حيث لا زالت علامات الاحتراق بادية على الأرض.
صعوبة الخروج من عرسال
وليس مصطفى وعائلته من يعاني فقط في عرسال، فقصته تنطبق على كثير من اللاجئين في المخيم، ومنهم سمر التي كانت تجلس هي وإحدى قريبات زوجها شريهان" وصديقتها إيمان في إحدى الخيام. وتقول سمر أنها عانت أيضا من نقص المساعدات، إذ تتساءل "كيف سنتمكن من اجتياز الشتاء؟". وتقول سمر: "لا يوجد لدينا طعام أو وقود للتدفئة، أو بطانيات كافية، حتى أننا لا نملك أحذية مناسبة لأطفالنا"، مشيرة إلى الثقوب العديدة في حذاء طفلها الصغير.
زوج سمر أصيب بشلل نصفي، بعد تعرضه لجلطة دماغية العام الماضي، فهو لا يستطيع توفير الطعام لأسرته. لذلك حاولت سمر الذهاب إلى مدينة زحلة القريبة لطلب العون من مكتب المفوضية العامة للاجئين، لتغطية نقص الحاجات المعيشية، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى هناك. فبحسب قولها تم "توقيفها من طرف جنود لبنانيين على حاجز بمحيط مدينة عرسال"، إذ طالبوها بوثائق لم تكن بحوزتها، مما أدى إلى إرجاعها" من حيث أتت.
من جهتها، تقول صديقة سمر إيمان: "عرسال بالنسبة لنا وللأطفال هي سجن كبير لنا فلا يمكننا العودة إلى سوريا ولا يمكننا مواصلة السفر إلى بقية المدن اللبنانية، سوف نموت هنا". ويعاني ابن إيمان الصغير البالغ من العمر 5 سنوات من حول شديد في عينه اليسرى. و تقول أمه أن ذلك ظهر منذ حوالي يومين فقط، وهي تخشى أن تزيد حالته الصحية سوءا، لذلك حاولت أن تأخذه إلى أحد أطباء العيون في بيروت لمعالجته على وجه السرعة، إلا أن الجنود منعوها من ذلك.
عدم توفر الرعاية الطبية
وفي خيمة مجاورة لإيمان، يجلس أبو أحمد الذي فقد صوته بشكل شبه كامل، بعد إصابته بالتهاب في الحنجرة، ويحتاج أيضا إلى رعاية طبية عاجلة. أبو أحمد قدم من مدينة القصير السورية التي كانت معقلا للجيش الحر. لكن قبل حوالي عام ونصف، سيطرت القوات النظامية بمساعدة حزب الله اللبناني على المنطقة. ويحكي أبو أحمد أن "حوالي 50 رجلا اقتحموا بيته واعتقلوه ليتعرض بعد ذلك للتعذيب على أيديهم". ولا يعرف أبو أحمد "لماذا تعرض لكل ذلك، رغم أنه لم يكن له أي علاقة بالمعارضة السورية"، كما يقول.
ويتابع أبو أحمد "بعد سبعة أشهر من التعذيب والاعتقال، تم إخلاء سبيلي بالقرب من الحدود السورية اللبنانية. ويقول أبو أحمد إنه "أصيب بالمرض وهو بالسجن ولا يستطيع من وقتها التحدث". وبحسب أقوال مصطفى الذي كان يترجم لنا أقوا أبو أحمد، فإن هذا الأخير يشعر وغيره من اللاجئين بأنهم في سجن كبير لا يستطيعون الخروج منه. كما أن خيامهم كذلك ليست في مأمن من القنابل والصواريخ. ويقول مصطفى "لقد تركنا سوريا بسبب الحرب، إلا أن الحرب كما يبدوا لحقت بنا".