القوى العظمى في صراع على القمة وإثبات الهيمنة الاقتصادية
٢٥ أبريل ٢٠٠٦يرى كثير من الخبراء والمحللين السياسيين في اللقاء الذي جرى مؤخرا بين الرئيس الصيني هو جينتاو ونظيره الأمريكي جورج بوش لقاء قطبي المستقبل على الساحة الدولية. ولو نظر المرء الى القضايا التي تم معالجتها ومنها قضايا التسلح العالمي والموقف من الملف النووي الإيراني ومشاكل تلوث البيئة وأزمة الاقتصاد العالمي، نجد أنها مواضيع استراتيجية تخص الكرة الأرضية قاطبة وتعمل على تحديد اسس التعامل بين دول من وزن فاعل على الساحة الدولية. هذه المواضيع لا تبحثها واشنطن مع دول من وزن اليونان أو الأردن أو مصر مثلا. زيارة الرئيس الصيني استغرقت أربعة أيام وجاءت متزامنة مع نشر صندوق النقد الدولي تقريره السنوي الذي اشار فيه الى أن النمو الاقتصادي في الصين خلال هذه السنة سوف يصل إلى 9,5 بالمئة. والصين تملك طاقات بشرية هائلة تجعل من أسواقها أرضية خصبة للاستثمارات الأجنبية. وبهذا يتوقع أن تصبح الصين تحت قيادة هوجينتاو ثالث قوة اقتصادية في العالم بدون منازع بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتدخل بذلك غمار المنافسة من أجل إثبات الهيمنة الاقتصادية وكسب الرهان التجاري.
الصين سوق محلية قوية
كاي مولر، الخبير الألماني في بالشؤون الآسيوية من مؤسسة الدراسات العلمية والسياسية في برلين يرى في حوار مع دويتشه فيله أن السوق المحلية للصين تلعب دورا فعالا في النهوض باقتصاد البلاد. فهذا الانتعاش الهائل الذي تعرفه هذه السوق هو راجع بالأساس إلى الاستثمارات الأجنبية التي وصلت عام 2003 إلى 53 مليار دولار، علاوة على انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر/ كانون الأول 2001 وانفتاحها على الأسواق العالمية الأخرى. ويرى الخبير أن توجه هو جينتاو أثناء زيارته لأمريكا أولا إلى سياتل لزيارة مصنع شركة بوينغ لصناعة الطائرات يعطي مؤشرا الى الأهمية التي توليها الصين الى اقامة صفقات تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة. لا شك أن الصين تفكر استراتيجيا من خلال عزمها عقد صفقة طائرات ضخمة مع شركة البوينغ. فمثل هذه الصفقة تزيد من تأثير بكين على القرار الأمريكي بشكل يمكنها من ممارسة سلاح المصالح على المدى المتوسط والبعيد.
الإبداع التكنولوجي يميل لصال واشنطن
من جهته يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة مانهايم أن قوة الاقتصاد الأمريكي مقارنة بالصين تكمن في إبداعاته وابتكاراته في تطوير التكنولوجيات، وهذا ما يجعل الهوة كبيرة بين البلدين. وفي هذا السياق يمكن ذكر صناعة الأسلحة وتطويرها ومدى تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الأمريكي. ويرى الاقتصادي الألماني أن استقلالية النظام السياسي والمصرفي في الولايات المتحدة يشكل نقطة قوة فعالة في الصراع مع الصين، مشيرا في هذا السياق إلى عقيدة الحزب الجمهوري الحاكم والقائمة على توظيف كل الإمكانيات من أجل الحفاظ على المصالح القومية للبلاد. وهناك قضية أخرى تصب في صالح الولايات المتحدة وتتمثل في العامل الديموغرافي. فالخبراء يعتقدون أن المجتمع الصيني سيصبح عجوزا في وقت لم يصل فيه اقتصاد البلاد الى ذروة نضجه، الأمر الذي يحول دون تحول الصين الى قوة صناعية كبرى على غرار القوى الاقتصادية العظمى. وفي المقابل تعرف أمريكا نموا ديموغرافيا متوازنا عكس الصين والدول الأوروبية، كونها تستقطب أعدادا هائلة من المهاجرين سنويا، يساهمون وبشكل فعال في حفاظ المجتمع الأمريكي عن فتوته نتيجة ارتفاع نسبة الولادات داخل هذه الفئة من الشعب.
أين أوروبا من كل ذلك؟
يواجه مشروع الوحدة الأوروبي إشكاليات عدة، حتى بلغ الأمر ببعض المحللين للتنبؤ بانهياره بفعل عوامل ضاغطة ومن أهمها التفرد الأمريكي والأنموذج الأنجلوساكسوني الاقتصادي وعملية توسع الاتحاد وخاصة نحو شرق أوروبا. ومن حهة أخرى، لا يمكن إغفال قوة الاتحاد الأوروبي كقطب منافس لأمريكا، وإن كان لا يستطيع أن يتحرر من السياسات الاقتصادية الأمريكية، خصوصا وأن اليورو أوجد ديناميكية في عصب الحياة الاقتصادية والسياسية لدول الاتحاد. ولا شك أنّ هناك صراعا خفيا يطفو تحت السطح بين أوروبا وأمريكا في لعبة المصالح المشتركة والتي تتجلى في كثير من المواقف السياسية مثلا في قضية إيران وكذلك في العراق. وبالرغم من أشكال المد والجزر الاقتصادي التي تحكم علاقة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية بأمريكا يبقى التخوف من المد الصيني قاسما مشتركا بينهما وإن اختلفت درجة هذا التخوف. الولايات المتحدة ومعها أوروبا تستشعر الخطر الذي يشكله النشاط الصناعي الصيني، لاسيما وأنّ هذا النشاط مدعوم بأيد عاملة رخيصة وقوانين استثمارية مشجعة، الأمر الذي ساهم في جذب الشركات العملاقة للاستثمار. وقد أراد الاتحاد الأوروبي أن يكبح قوة اندفاع نمو الاقتصاد الصيني وصادراته التي تلقي بظلال سلبية بل خطيرة على الصناعات والصادرات الأوروبية، لكن لم يفلح في الحد من معدل هذا النمو. ولذلك لا غرابة أن يتحول الصين من العملاق النائم إلى العملاق المتيقظ بحكم نموه الصناعي والاقتصادي الكبير. ويمكن القول، إنّ العالم يتمحور اليوم في كتل اقتصادية تسعى جاهدة للاستحواذ على أكبر نصيب من محركات النشاط الصناعي الذي يشكل الذهب الأسود عصبا له. وفي هذا الإطار، فإنّ للولايات المتحدة وأوروبا مصالح تتقاطع وتتعارض و في الوقت نفسه تسعى إلى مواجهة المارد الاقتصادي الزاحف، كل على طريقته، لتبقى علاقة الأطلنطي مع الصين أشبه ما تكون بالجراحة الدقيقة، يحكمها شعار المصالح بحذر.