الاتحاد الأوروبي ما زال بعيدا عن سياسة خارجية وأمنية مشتركة
١ فبراير ٢٠٠٥عندما تسلم خافيير سولانا منصب مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية للمجموعة الأوروبية عام 1999، كان يعرف تماما أن الاتحاد الأوروبي كمجموعة دول مستقلة لن يتمكن بسهولة من اتخاذ مواقف موحدة بشأن القضايا الراهنة مقارنة مع الولايات المتحدة، ويخص بالذكر منها قضايا الشؤون الخارجية والدفاعية. ويعود السبب في ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس دولة ذات سياسة خارجية وأمنية موحدة، وإنما منظمة ذات تركيبة معقدة ومكونة من 25 دولة مستقلة ذات مصالح متباينة كذلك. كما انه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن وضع سياسة دفاعية أوروبية مشتركة يتطلب توفيقاً مسبقاً بين مصالح دول الاتحاد الأوروبي من جهة ومصالح كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من جهة أخرى. ولعل الحرب على العراق والخلاف الذي نشب بشأنها بين دينامو الوحدة الأوروبية (ألمانيا وفرنسا) وواشنطن كان أكبر مثال على أن توفيقاً مسبقاً بين مصالح الجانبين مسألة في غاية الصعوبة.
على الرغم من ذلك لا يكف الاتحاد الأوروبي عن تنظيم القمم والمؤتمرات مع دول ذات وزن لا يستهان به على الصعيد الدولي مثل الصين وروسيا والهند. كما تحاول المجموعة الأوروبية من خلال توقيع اتفاقيات تجارية وتفعيل سبل الحوار كسب جيرانها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا يعتبر الاتحاد الأوروبي جذابا بالنسبة لهذه الدول لدوره المهم على صعيد السياسة الخارجية فحسب، وإنما على صعيد تقديم المساعدات الإنمائية، فبروكسل تحتل المرتبة الثانية بعد اليابان على صعيد تقديم هذه المساعدات لدول العالم الثالث تاركة الولايات المتحدة ورائها بفارق كبير.
اتساع الفجوة بخصوص العراق
جاءت الحرب العراقية لتكشف بوضوح عن عمق الهوة الفاصلة بين السياستين الخارجيتين للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. غير أنها قدمت في الوقت ذاته أكبر مثال على وجود خلافات كبيرة بين سياسات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نفسه. ففي حين عارضت "أوروبا العجوز" على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا بشدة الحرب على العراق، وقفت دول مثل بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وبولندا إلى جانب واشنطن في هذه الحرب. صحيح أن واشنطن ما زالت غارقة في "مستنقع الحرب" في العراق، ما أدى إلى اكتساب الاتحاد الأوروبي مزيدا من المصداقية لرفضه لهذه الحرب، إلا أن تباين المواقف الأوروبية بخصوصها اشار بوضوح إلى أن الاتحاد الأوروبي ما زال يفتقر إلى سياسة خارجية ودفاعية موحدة.
... وقضايا أخرى
أما أزمة دارفور فقد كانت بمثابة اختبار ثان وقفت السياسة الأوروبية الخارجية أمامه عاجزة عن اتخاذ موقف موحد منها. وجاءت مواقف الدول الأوروبية من حل النزاع وخاصة فرنسا وبريطانيا لتشير إلى اختلاف مصالحها في البلد الإفريقي. ولعل الخلافات التي نشبت بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصوص إصلاحات الأمم المتحدة جاءت لتقدم مثالا آخرا على التباين في السياسة الأوروبية. ففي حين بادرت برلين إلى تقديم طلب للأمم المتحدة بغرض الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، فاجأ رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني المراقبين بالإعلان عن توجيه رسالة شخصية إلى الرئيس الأمريكي بوش طالبه فيها ببذل كافة الجهود من أجل الوقوف في وجه المساعي الألمانية.
جميع هذه الأمثلة تبين أن الاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه وما زال يفتقر إلى نهج موحد بخصوص القضايا الدولية العالقة. كما أن تعيين مسؤول أعلى للسياسة الخارجية سواء كان خافيير سولانا أو غيره، لن يحدث أي تغيير. ولا يقتصر الأمر على السياسة الخارجية فقط، بل يشمل أيضا السياسة الدفاعية والأمنية. وربما ينقص الاتحاد الأوروبي الطموح اللازم كي يصبح قوة دولية عظمى خارج "بيت الطاعة" الأمريكي.
البدء بتشكيل قوات مشتركة
تنص معاهدة ماستريخت التي أنشئ بموجبها الاتحاد الأوروبي عام 1991 على وضع سياسة خارجية وأمنية تُستكمل بسياسة دفاعية مشتركة عندما تنضج الظروف. ويبدو أن المبدأ الذي قامت عليه الوحدة الأوروبية وترجمته لمعاهدة ماستريخت يعطي الأولوية للجوانب الاقتصادية. وعلى هذا الأساس تم التوصل إلى وحدة نقدية من خلال اعتماد العملة الأوروبية الموحدة "يورو". ولكن الدول الأعضاء لم تستعجل وضع إجراءات للتوصل إلى وحدة عسكرية ودفاعية. كما أنها لم تتخذ قرارات تضفي "هوية" أوروبية على السياسة الدفاعية إلا عام 1999 على ضوء أزمة كوسوفو وبحث الملف اليوغوسلافي.
وجاءت القمتان الأوروبيتان اللتان انعقدتا في كولونيا الألمانية في يونيو عام 1999 وهيلسنكي الفنلندية في ديسمبر من العام ذاته لتضع حجر الأساس للسياسة الأوروبية الدفاعية المشتركة. وتزامن تعيين خافيير سولانا كمسؤول للشؤون الأمنية والخارجية الأوروبية صدور قرار ينص على تشكيل قوة أوروبية مشتركة قوامها 60 ألف رجل. يجدر ذكره أن سولانا شغل قبل ذلك منصب الأمين العام لحلف الناتو.
وبالفعل شهدت السنوات الأخيرة تكوين تشكيلات عسكرية صغيرة. ولا يدور الحديث حول جيش أوروبي مشترك بقدر مايدور حول قوات تتمثل مهامها فقط في الحفاظ على الأمن في المناطق الواقعة في محيط الاتحاد الأوروبي ومنع نشوب الحروب فيه إضافة للقيام بمهام إنسانية. ويرى المراقبون أن هذه القوات يمكن أن تشكل نواة تشكيل مثل هذا الجيش في المستقبل المنظور. أما قوات "سفور" الأوروبية المرابطة في الجبل الأسود والبوسنة فإنها تسلمت القيادة في هذه المناطق من حلف شمال الأطلسي. غير أنها ما زالت تعتمد اعتمادا مباشرا على قوات الحلف في القيام بمهامها.