القمة الأوروبية تناقش تحديات العولمة وتتجنب المسائل الشائكة
محادثات القمة الأوروبية اليوم في قصر هامبتون كورت خارج لندن تهدف للتوصل لاستراتيجية أوروبية لمواجهة خطر خسارة معركة العولمة، في ظل المنافسة مع الاقتصاديات الآخذة في النمو مثل الصين والهند.
ولكن يبدو أن شبح الإخفاق يخيم على القمة، حالها في ذلك حال اجتماعات قمة سابقة. وفي هذا السياق يرى بعض المراقبين ان من الصعب التوصل إلى اتفاق على قضايا عدة منها الموازنة المستقبلية للاتحاد وغيرها من القضايا الأساسية المتعلقة بمستقبل أوربا، متبوعةً بمسألة الدستور الأوربي ورفضه من قبل الفرنسيين والهولنديين. يعلق رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على محادثات موازنة الاتحاد للفترة 2007-2013 قائلاً: "آمل أن يكون باستطاعتنا تجنب الدخول في مناقشات مفصلة عن مسألة الموازنة المستقبلية."
الموازنة مثار جدل
فشلت الدول الأوربية في قمة حزيران/يونيو حول موازنة 2007-2013 في التوصل إلى اتفاق بشأنها. وقد سبب الموقف البريطاني آنذاك افتراق القادة الأوربيين على خلاف بعد أن تمسكت بريطانيا في عدم الموافقة على أية تنازلات في الامتياز الذي تحظى به منذ 1984 والذي يحدد للبريطانيين مساهمة مخفضة في الموازنة الأوربية، وتربط بريطانيا موقفها بخفض نفقات السياسة الزراعية المشتركة. الأمر الذي تعتبره فرنسا من الخطوط الحمراء. فالمزارعون الفرنسيون يعتبرون المستفيد الأكبر من هذه السياسة.
تعد مسألة الموازنة من المسائل المهمة للغاية بالنسبة للدول الأعضاء الجدد في الاتحاد التي كانت بغالبيتها دول شيوعية. وهذه الدول في حاجة ماسة لقرار يفتح الطريق أمام الأموال الأوربية التي من شأنها تحسين اقتصادياتها الفقيرة نسبياً. ورغم ازدياد مطالب هذه الدول الأعضاء، التي تخشى أن تفقد جزءاً من المساعدات الموعودة بسبب هذا التأخير، فأن بلير لا يعتزم استئناف المفاوضات حول الموازنة التي كان قد اجلها حتى كانون الأول/ديسمبر.
استجابة لتحديات العولمة
بينما تريد بعض الدول الأعضاء مناقشة القضايا المالية في القمة، التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بعد شهر من رفض الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوربي وستسمر ليوم واحد فقط، فأن المجتمعون سيتطرقون لحل مواضيع تتعلق بمستقبل أوربا في عصر العولمة لا تقل أهمية هي الأخرى عن مسألة الموازنة.
وستعمل كل من فرنسا وألمانيا، الدولتان اللتان تتمتعان بثقل تقليدي اكبر بين دول الاتحاد الأخرى، على الدفاع عن رؤيتها "لنموذج أوربا الاجتماعي". وفي هذا السياق أفادت وكالة الأنباء الفرنسية أن بلير قد قال في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية في نهاية الأسبوع إن الهدف من القمة هو التوصل إلى اتفاق حول "وجهة الاتحاد الأوربي" قبل معالجة ملفات محددة مثل الموازنة.
وفي خطاب له أمام البرلمان الأوربي، كان بلير قد دافع بشدة عن اوربا حديثة قادرة على النهوض بالتحديات في مواجهة "عمالقة اقتصاديين جدد مثل الصين والهند." هذا انعكس أيضا في رسالة الدعوة التي وجهها بلير للدول الأعضاء. إذ كتب بلير في رسالته متسائلاً ً: "كيف نقابل الاستجابة المبنية على التنافس؟ وكيف نديم امن مواطنينا في عالم يشهد حراكاً غير مسبوق؟"
وجهة النظر الفرنسية
يتوقع أن يكون للرئيس الفرنسي شيراك، الذي أصابت علاقاته مع بلير بعض البرود منذ وقت طويل، آراءً قد لا تتفق مع آراء مضيف القمة. لقد كانت باريس لوقت طويل بطلة أوربا في إقامة نموذج اقتصادي، من أولوياته الحماية الاجتماعية الواسعة وحماية حقوق العاملين. الجدير بالذكر ان الرئيس الفرنسي شيراك كان قد انتقد المفوضية الأوربية في وقت سابق من الشهر الحالي واتهمها بأنها لا تفعل شيئاً لحماية العمال الذين يتهددهم خطر التسريح من شركة "أتش بي" الأمريكية لصناعة أجهزة الكومبيوتر.
إن السياسة الزراعية المشتركة، التي لا تريد فرنسا إجراء أي تغيير فيها، هي من صميم المسائل المتعلقة بعدم الاتفاق على الموازنة المستقبلية. فبريطانيا تضغط بقوة من اجل إجراء إصلاحات للمدفوعات. ولكن فرنسا تقف بصلابة أمام الجدل الذي طالما أثارته لندن في اجتماعات الاتحاد الأوربي.
في الوقت الذي لا توجد فيه على ورقة عمل اجتماع هامبتون كورت مساومات فعلية تتعلق بالموازنة، فأن هناك أمل في إجراء "مباحثات غير رسمية" في أروقة قصر هنري الثامن، مع إمكانية وضع آلية ما تسبق عملية كشف الأوراق في كانون الأول/ديسمبر القادم.
الدستور الأوربي
ليس من المتوقع إجراء أية مباحثات حول قضية الدستور الأوربي التي تعتبر من المشاكل الرئيسية التي تواجه الاتحاد الأوربي وتقض مضاجع ساسته. فرفضه من قبل الفرنسيين والهولنديين كان قد قاد الاتحاد إلى أزمة في حزيران/يونيو الماضي. كان دستور الاتحاد قد وضع على أساس من شأنه تجنب كل ما هو مثير للجدل في الاتحاد الآخذ بالتوسع، والترحيب بكل من رومانيا وبلغاريا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي عام 2007. مع الإشارة إلى دول أعضاء أخرى تنتظر أمام الباب الأوربية.
هناك توقعات ترى في إمكانية الموافقة الفرنسية على الدستور بعد الانتخابات الفرنسية القادمة عام 2007 عندما يفوز فيها زعيم يتمتع بشعبية أكثر شعبية من شيراك، كنيكولاس زاركوزي على سبيل المثال، قد يتمكن من أن يغير من الـ"لا" الفرنسية بطريقة أو بأخرى. ولكن موقف اليمين الفرنسي ومستشارة المانيا الجديدة انجيلكا ميركل، التي ستخلف شرودر، تدفعان الاتحاد الأوربي صوب قضية شائكة أخرى، وهي مسألة تركيا.
كما يجدر بالذكر إن الاتحاد الأوربي استطاع هذا الشهر التغلب على مشاكل اللحظة الأخيرة المتعلقة ببدء محادثات انضمام تركيا أليه. ولكن كل من ميركل وزاركوزي يصرحان علانيةً عن رفضهم لانضمام تركيا. ربما سوف تناقش هذه المسألة مجدداً على هامش اجتماع هذا الأسبوع. ولكن بلير سوف يحاول تركيز النقاش على عد اكبر من القضايا الاستراتيجية عموماً.
عماد م. غانم