القاهرة: جدران عازلة تمزق "وسط البلد"
٧ مارس ٢٠١٢بدأ الأمر في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، حيث أعقب هجوم المتظاهرين على محيط وزارة الداخلية، فيما عرف بأحداث شارع محمد محمود، محاولة لبناء جدران حجرية عملاقة لصد أي هجوم محتمل على الوزارة. الجدران العديدة بدأت بجدار واحد في شارع محمد محمود ثم تلاه إنشاء جدار آخر في شارع القصر العيني، وتلاهما جدران أخرى في شارعي منصور ونوبار وغيرهما.
ومن هنا بدأت منطقة وسط البلد التجارية في الانحدار تماماً: قلت حركة المرور في شوارع وسط البلد مما تسبب في حالة بطالة شبه دائمة للبائعين في هذه المنطقة. يصف عطا إبراهيم، وهو بائع بمحل مشروبات بشارع القصر العيني، تفاصيل الانحدار: "الشارع توقف تماماً. العمال في حالة نفسية سيئة للغاية. العامل كان يتقاضى قبل إنشاء الجدار 50 أو 60 جنيها في اليوم، واليوم لا يستطيع أن يتقاضى 30 جنيها. نريد تقديم شكوى ولكننا لا نعرف لمن. الحكومة مشغولة بالمظاهرات والاعتصامات. هل هذا هو شارع القصر العيني الذي عرفناه من قبل؟! اليوم يزورنا على أكثر تقدير 30 أو 40 زبونا، ومن قبل كان يزورنا حوالي 100 زبون. صار لنا في هذه الحالة حوالي 4 أشهر".
لم يعد وسط القاهرة يختلف عن الضفة الغربية
بالقرب من هذا المحل، وفي نفس الشارع، تقع "كافتيريا التعاون". في مدخل الكافتيريا ورقة معلقة كتب عليها: "أيها النائب تذكر، حكمك ليس فوق حكم الله"، وهو أمر غريب بسبب تحفظ أصحاب المحلات في الإعلان عن أية مواقف سياسية من أي نوع، ولكن انهيار الشارع من الناحية التجارية جعل الجميع على ما يبدو يخرجون عن تحفظهم.
يحكي أحد العاملين القدامى بالكافتيريا أن محطة البنزين المقابلة أغلقت أبوابها تماماً: "نحن نعمل الآن بحوالي 40% من طاقتنا. ولا أحد يعلم ماذا سيحدث غدا. نحن ننتظر تسليم السلطة في 30 حزيران يونيو القادم، وبعدها لا يسألنا أحد عما سنفعل. هناك محلات أغلقت وعليها ضرائب. سوف نقوم بإضراب شامل، ولا يلومنا أحد ساعتها".
السكان منفصلون عن العالم
أسماء فهمي، وهي تسكن في منطقة جاردن سيتي، القريبة من شارع القصر العيني، مع زميلات أخريات، تعاني بسبب المرور يوميا. تقول: "بشكل شخصي، كان من المفترض أن تقيم فتاتان معي في نفس الشقة ولكنهما تراجعتا عندما عرفتا صعوبة الوصول للشارع الآن". لم يعد بمقدور أسماء الوصول لمنطقة وسط البلد منذ أن بدأ إنشاء جدار القصر العيني في شهر ديسمبر إلا مرتين فقط: "هناك طريقان: إما أن تدخل بالسيارة من شارع القصر العيني لحارة صغيرة تخرج منها إلى كورنيش النيل وتسير في الاتجاه المخالف، وهو اتجاه قد أصبح متعارفاً عليه، أو أن تسير من أول الكورنيش في الاتجاه المخالف، وهو غير قانوني ويعرضك لخطر أن تدهسك السيارات القادمة من الاتجاه المقابل. أحاول طول الوقت إقناع سيارات التاكسي بالسير في الطريق العكسي ولكنهم يرفضون".
مترو الأنفاق أيضاً، برغم كونه الوسيلة الأمثل للمواصلات الآن في هذه المنطقة، بعيد عن بيتها تماماً. ومحاولة سلوك الشوارع الجانبية المحيطة بوزارة الداخلية لن تنجح إلا لو كنت تسير على قدميك، حيث الأسلاك الشائكة في كل مكان. والغريب، كما تضيف أسماء، أن سائقي التاكسي لا يلقون باللوم على المجلس العسكري في هذا الارتباك، وإنما على المتظاهرين.
في شارع آخر، وقرب محيط وزارة الداخلية، وبالتحديد عند تقاطع شارع نوبار مع شارع الشيخ ريحان، يقع كشك للسجائر. بدا صاحبه، عبد المعطي، عصبياً تماماً وهو يحكي: "في البداية كنت أبيع "خرطوشة السجائر" كل نصف ساعة. الآن الخرطوشة تظل عندي لساعتين أو ثلاثة. منذ ساعتين لم أبع سيجارة واحدة. الشارع مغلق ولن يأتي أحد للشراء مني. حتى الكراجات مغلقة. كي أصل إلى هنا فإنني أدور في المنطقة نصف ساعة، وأنا من المكان، فما بالك بالغريب! وإذا حاولت اختراق الجدار فسوف يتم إطلاق النار عليّ. نحن هنا لا نفعل غير الجلوس مع بعضنا لتمضية الوقت. حتى الباصات التابعة لهيئة النقل العام لم تعد تمر من هنا."
الجنود يسرقون المحلات
منذ حوالي أسبوعين سارت مجموعة من سكان المنطقة والعاملين بها في مسيرة لمجلس الشعب وقدموا طلبهم لجمال حنفي النائب عن حزب الحرية والعدالة، ووعدهم بحل الموضوع، ولكنه لم يحدد متى.
يدخل عبد المعطي في مشادة مع الجنود الواقفين في نوبة حراسة أمام الجدار. يخبرهم أن محله تمت سرقته ويُهيب بهم ألا يعودوا لمثل هذا فيخبروه أنهم لم يسرقوا شيئاً. يضيف: "جنود الأمن المركزي قاموا بكسر الكشك عدة مرات بنية السرقة. سألت الضابط المسئول عنهم فقال لي إنه ربما لم يكونوا هم. قلت له أن لا أحد يمر من الشارع غير الجنود الآن. حتى الأهالي غادروا شققهم ليقيموا مع ذويهم. أفكر في الاعتصام أمام الداخلية احتجاجا على هذا الوضع. علقنا لافتة خضراء في هذا الشارع نعرض فيها شكاوانا ولكن المشكلة أن الشارع لا يمر به سوى الجنود".
ومثله بدا الشيخ رجب، صاحب سوبر ماركت في نفس الشارع، متضررا بشدة. قال: "الداخلية وجدت حلا لمشكلتها بأن حمت نفسها من المتظاهرين بجدران حجرية، فلماذا لم تجد حلا لنا نحن؟ من الممكن أن يعطونا تعويضا مالياً".
يحدثني الشيخ رجب عن عمارة في الشارع هجرها جميع أهلها. العمارة تضم 36 شقة ولم يتبق بها الآن سوى سبع عائلات: "ذهبنا لمجلس الشعب لنقدم شكوى. فقالوا لنا إنهم سيردوا علينا بعد 3 أو 4 أيام، ولم يحدث شيء من وقتها. وجنود وضباط الداخلية يقولون إن الأمر ليس بيدهم. الوضع سيء جدا. كنا من قبل نبيع بحوالي 100 جنيهاً يوميا واليوم لا نبيع إلا بـعشرة جنيهات".
السكان أنفسهم تنتابهم روح يأس شديدة. الحاجّة أنهار تسكن في عمارة بشارع نوبار وهي في نفس الوقت صاحبة محل للملابس أسفل العمارة. تحكي عن صديقتها الساكنة في شارع منصور والتي تفكر في ترك شقتها بسبب الجدار المحيط به. تحدثني عن سمكري للسيارات قام الجنود بسرقة السيارات الواقفة أمام محله وتفكيكها لبيع أجزائها خردة. لا تفكر الحاجة أنهار في ترك البيت. تقول بابتسامة: "إلى أين أذهب؟ هذا بيتي، وأولادي يقيمون معي فيه".
نائل الطوخي ـ القاهرة
مراجعة: عبد الرحمن عثمان