الفيفا: نفوذ اقتصادي في زي رياضي
٥ يونيو ٢٠٠٦"يمنع منعا باتا ترديد أغاني أو ألحان خاصة بإعلانات شركات غير راعية للمونديال، وذلك في المنطقة المحيطة باستاد مدينة كولونيا الرياضي." هذا ما عثر عليه سكان كولونيا لدهشتهم الشديدة في صناديق بريدهم قبل أيام. وبالرغم من سهولة استنتاج أن الأمر لا يتعلق سوى بدعابة، لم يجد كثير من السكان أية غضاضة في تصور أن الأمر يمكن أن يكون منعا جادا. هل هذا التصور مبالغة في تقدير نفوذ اتحاد الكرة العالمي الفيفا أم أنه تصور لا يخلو من وجاهة؟
"قوة احتلال"
لقد أضحى اتحاد الفيفا في السنوات الأخيرة عملاقا اقتصاديا، يمتد نفوذه إلى خارج البساط الأخضر وعالم الكرة. على سبيل المثال اضطرت مدينة هامبورج الساحلية إلى تغيير اسم ملعبها من استاد AOL إلى استاد كأس العالم، وذلك في فترة إقامة مباريات البطولة. كما اضطر المركز الرئيسي لشركة نايكي في مدينة فرانكفورت لتغطية شعاره فوق البناية. يذكر أن أسماء الملاعب قد أثارت لغطا واسعا في الفترة الأخيرة، فقد أُجبرت بلديات بعض المدن الألمانية على تغيير أسماء ملاعبها لتتطابق مع الشركات الكبيرة الممولة والراعية لها، فتجد هناك ملعب البنك التجاري(بدلا من ملعب فرانكفورت) وملعب فيلتينس(شركة انتاج بيرة) وملعب اليانز(شركة تأمين) وملعب فولكس فاجن.
يُشبه بعض المتابعين حضور اتحاد الفيفا في بطولات كأس العالم بأنه "قوة احتلال"، فالاتحاد يشترط في عقوده مع المدن المنظمة ضرب طوق تجاري حول الملاعب التي تجري عليها مباريات البطولة، فلا يحق لأي كيان اقتصادي أو سياسي التواجد بجوار الملاعب باستثناء الشركات الراعية للبطولة. على سبيل المثال ليس من المسموح جوار الملعب بيع أي مشروب سوى مشروب كوكاكولا، لأن شركة كوكاكولا إحدى الرعاة الرسميين. رئيس قسم التسويق في اتحاد الفيفا جريجور لينتزه يقدر المبالغ التي دفعتها 15 شركة من كبار الرعاة نظير هذه الحقوق الاستثنائية بمقدار 700 مليار يورو.
أرباح مضاعفة
السياسي بيتر دنكرت رئيس اللجنة الرياضية في البرلمان الألماني يزعجه التواجد الكثيف للمشجعين داخل منطقة المباني الحكومية في برلين. ويقول "اتحاد الفيفا يحتكر رياضة كرة القدم وهو في موقع يمكنه من فرض شروطه على الآخرين." غير أن اتحاد الفيفا تلقى مؤخرا كارتا أحمر من قبل المحكمة الاتحادية، حيث قضت بعدم شرعية استحواذ الاتحاد على حقوق الاستخدام التجاري لعبارات مثل "كأس العالم 2006" أو "مونديال 2006 لكرة القدم". يذكر أن هناك العديد من الشركات التي تستخدم مناسبة كأس العالم للترويج لمنتوجاتها.
وتقدر إيرادات مسابقة كأس العالم التي سيجنيها اتحاد الفيفا بقرابة 1,86 مليار يورو، نصف هذه الإيرادات هو حصيلة بيع حقوق البث التليفزيوني للمباريات. بينما تقدر مصروفات الاتحاد بما قيمته 755 مليون يورو، تشمل نفقات التنظيم التي تضطلع بها اللجنة الألمانية، إضافة إلى المشاريع التنفيذية التي يقوم بها الاتحاد. وبالرغم من صافي الأرباح الذي يحققه الإتحاد لا تتجاوز نسبة الضرائب التي يدفعها في سويسرا 4,25 بالمائة، وذلك كونه منظمة "غير ربحية"، هدفها "تطوير كرة القدم" دون إهمال "القيم الثقافية والتربوية للرياضة وأهميتها في التقريب بين الشعوب".
انتقادات
الجزء الأعظم من تكاليف تنظيم البطولة تتحمله الدولة المنظمة وهو 3,7 مليار يورو، ويتركز في العمل على تحسين البنية التحتية في المدن التي ستحتضن المباريات، إضافة إلى تكاليف الاستعدادات الأمنية. على سبيل المثال رصدت ولاية بايرن 16 مليون يورو من أجل تغطية نفقات الحضور الأمني أثناء المونديال.
من ناحية أخرى سيعود المونديال على ألمانيا بالربح الوفير، حسب ما يرى السياسي دنكرت. فسيستفيد قطاع السياحة والفندقة من أفواج الجماهير المنتظر حضورها، كما ينتظر زيادة استهلاك الطاقة وغيرها من المشتريات التي تعود ضريبة مبيعاتها بالربح على خزانة الدولة. أما أكبر منافع المونديال كما يرى دنكرت فهو "الحملة الدعائية لألمانيا في العالم أجمع".
في الآونة الأخيرة تزايدت الأصوات المنادية بإصلاح الفيفا، مثل القيصر الألماني فرانز بيكينباور ورئيس اتحاد كرة القدم الألماني تيو تزفانزيجر، اللذان يريان أن الترويج لرياضة كرة القدم قد استنفد قدراته في هذا المونديال. السياسي دنكرت من ناحيته يتفق مع هذه الانتقادات التي تطالب بإجراء تغييرات في هيكل الاتحاد. رئيس الفيفا جوزيف بلاتر تجاوبا مع انتقادات الأسابيع الأخيرة تعهد بالسعي لتحقيق الأفضل وليس الأكثر. لذلك يتوقع أن يعقب هذا المونديال تغيرا ملحوظا في الخطوط العريضة لعمل لاتحاد.