الفيدرالية ودور الدين عائقان أمام ولادة الدستور العراقي
في الوقت الذي يبدو فيه انه قد تم تجاوز نقاط خلاف كثيرة في مسودة الدستور العراقي وترحيلها إلى ما بعد الانتخابات النيابية، برزت إلى السطح نقطتا خلاف أساسيتان هما "الفيدرالية" و"دين الدولة". هاتان النقطتان لا تزالان تعرقلان إنجاز مسودة الدستور العراقي قبل انتهاء المهلة المحددة بمنتصف الشهر الجاري. فبعد تشبث الأكراد "بحقوق إقليم كردستان" أعلن زعماء شيعة كبار أصرارهم على "فيدرالية شيعية" وعن عدم التنازل عن "الإسلام كدين رسمي للدولة". المصادر تتحدث عن عودة المفاوضات إلى طريق مسدود فيما يتعلق بمسالة الفيدرالية التي ينظر لها كل طرف من الإطراف وفقا لحساباته.
إشكالية الفيدرالية
حض زعما شيعة على المطالبة بفيدرالية في جنوب العراق وبصلاحيات شبيهة بتلك التي للفيدرالية الكردية وذلك ضمن اقتراحين اولهما يطالب بفيدرالية للمحافظات الجنوبية الثلاث (البصرة، الناصرة وميسان)، والاقتراح الثاني يدعو إلى توسيع الفيدرالية لتشمل أقاليم الوسط والجنوب ذا الغالبية الشيعية. وفي هذا السياق شدد رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم على ضرورة إنشاء إقليم واحد في جنوب العراق ووسطه" مشيرا إلى وجود "قواسم مشتركة" بين سكان هذه المناطق ومعتبرا ذلك "حق من حقوق الشيعة". كما شدد الحكيم على عدم التنازل عن ما اسماه بالثوابت الإسلامية باعتبار"الإسلام الدين الرسمي للدولة". أما رئيس "منظمة بدر" هادي العامري الشيعة فقد دعا الشيعة إلى التشبث "بفيدرالية الجنوب" متسائلا عما "جنيناه" من الحكومات المركزية غير القتل، حسب تعبيره، مذكرا بما تعرض له الشيعة في الجنوب على مدى عقود. ويرفض السنة الدعوات إلى الفيدرالية باعتباره سوف يقود في النهاية إلى تقسيم العراق كما ان مسالة الثروة النفطية المتركزة في بعض المحافظات تجعل من مسالة الدعوة إلى الفيدرالية ذات حساسية خاصة.
في هذا الصدد يشير البروفيسور فرهارد إبراهيم، من جامعة برلين الحرة، في مقابلة مع موقعنا بأن المشكلة تتمثل في طريقة فهم الفيدرالية في العراق وليس في الفيدرالية نفسها كنظام حكم. ويشير في هذا الجانب إلى مسالة الفيدرالية في شمال العراق التي هي أصلا قائمة منذ زمن بعيد وما يطرح في الجنوب لا يزال مجرد مشروع تؤيده كثير من المرجعيات الإسلامية "بقوة". ويعتقد إبراهيم بان الفيدرالية نظام يلائم العراق بحكم تعدد الطوائف والقوميات فيه. فالنموذج العثماني للدولة المركزية في رأيه لم يعد صالحا في الوقت الحالي وهو يرى في الهند نموذجا فيدراليا ناجحا في الدول النامية. اما بالنسبة للتخوفات من ان تكون الفيدرالية بداية لتمزق العراق أو عدم عدالة توزيع الثروة بين الأقاليم الفقيرة والغنية وبالذات الثروة النفطية، يقول إبراهيم بان "الدولة العراقية متماسكة بفعل عوامل خارجية أكثر منها داخلية" وبالتالي فلا مبرر للتخوفات من ان الفيدرالية قد تكون مقدمة لتقسيم العراق. أما مسالة توزيع الثروة وبالذات الثروة النفطية، وهي أحدى أهم نقاط الخلاف، فستظل في يد الحكومة المركزية وستحظى كل الأقاليم بنصيب منها.
ومعضلة "دين الدولة"
تعتبر مسألة دين الدولة من الموضوعات الحساسة في العراق وتحتل الهوية الدينية للدولة العراقية الجديدة أهمية خاصة في النقاش الدائر بين الطوائف والقوميات وذلك نظرا لطبيعة تركيبة المجتمع العراقي. وقد كانت هناك ثلاثة خيارت أمام لجنة صياغة مسودة الدستور العراقي بخصوص مسالة الدين: ينص الأول على ان" الإسلام دين الدولة وهو مصدر من مصادر التشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها في قانون إدارة الدولة" بينما ينص الثاني على ان "الإسلام هو مصدر أساسي من مصادر التشريع ولا يجوز سن ما يتعارض معه" أما الخيار الثالث فتمثل في ان "الدين هو المصدر الأساسي للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه المجمع عليها، ويصون هذا الدستور الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي بأكثريته الشيعية وسنته".
وبينما يتمسك الشيعة على ذكر المرجعية في الدستور وان يكون الإسلام هو دين الدولة، تتخوف القوميات والطوائف الأخرى على هويتها ومن سيادة القوانين الإسلامية عليها. ويشير البروفيسور إبراهيم في هذا الصدد إلى ان الأكراد مثلا "يتخوفون من دولة دينية مثل إيران" ويتوقع بأن الشيعة سيوافقون في النهاية على ان يكون الإسلام "مصدر رئيسي" للتشريع بدلا من "المصدر الرئيسي".
تقرير: د. عبده جميل المخلافى