الفقر يتربص بشريحة كبيرة من المجتمع الألماني
٦ ديسمبر ٢٠٠٦طفت قضية تفشي الفقر في ألمانيا مجدداً على السطح بعد أن كشف مكتب الإحصاء الاتحادي يوم أمس الثلاثاء 5 ديسمبر/أيلول 2006 عن نتائج إحصاء أجراه العام الماضي بهذا الخصوص. وعاد السؤال من جديد مع إعلان تلك النتائج عن أسباب الفقر في ألمانيا وآثاره الاجتماعية، علماً بأن معظم من يعيشون على عتبة الفقر أو الفقراء يعانون من التهميش الاجتماعي والحرمان من بعض متطلبات الحياة اليومية، نظرا لقلة مواردهم المالية في بلد يعد اقتصاده من أقوى اقتصاديات العالم. وجاءت الأرقام، التي قدمها مكتب الإحصاء الاتحادي أمس، لتؤكد نتائج الدراسات الاجتماعية التي أعدتها معاهد ومؤسسات ألمانية في السابق حول هذه الظاهرة، والتي سلطت الأضواء مجدداً على شريحة اجتماعية يزداد عرضها وتتحول تدريجياً إلى مصدر قلق الباحثين الاجتماعيين. إلى ذلك، قدم الإحصاء أرقاماً تفصيلية مهمة سيجري مقارنتها لاحقاً بأرقام إحصائيات أخرى في دول أوروبية بغية رصد تطور ظاهرة الفقر في دول الإتحاد الأوروبي.
نتائج الإحصاء
لم تظهر أرقام مكتب الإحصاء الاتحادي مدى انتشار ظاهرة الفقر في شرائح المجتمع الألماني فحسب، وإنما عكست أيضا مدى تباين نسبة الأشخاص الذين يعيشون على عتبة الفقر بين الولايات الألمانية الشرقية والولايات الغربية، حيث بلغت نسبة هؤلاء الأشخاص في الولايات الألمانية الشرقية 17 بالمائة، بينما لم تتجاوز نسبتهم في بقية الولايات 12 بالمائة. والمثير للقلق أن الألمان الذين يعيشون على عتبة الفقر بلغ عددهم العام قبل الماضي زهاء 10.6 مليون شخص، أي ما نسبته 13 بالمائة من مجموع سكان ألمانيا، ومن بينهم 1.7 مليون طفل لا تتجاوز أعمارهم سن السادسة عشر. من ناحية أخرى أظهرت الأرقام التي جاءت في الإحصاء مدى ارتباط ضعف المستوى التعليمي بظاهرة الفقر، إذ قال نائب مدير مكتب الإحصاء الاتحادي فالتر رادرماخر في ندوة صحفية عقدها بمناسبة نشر نتائج الإحصاء "أن العاطلين عن العمل أكثر عرضة لخطر الفقر، إذ يصل عددهم 40 بالمائة من الأشخاص الذين يعيشون على عتبة الفقر ومعظمهم يفتقر إلى شهادات مدرسية وتأهيل مهني".
من هم الفقراء وما هي مشاكلهم؟
كل من لا يتعدى دخله 856 يورو في الشهر تم تصنيفه في خانة المهددين بالفقر في الإحصاء، الذي أخذ بعين الاعتبار أن متوسط الدخل الفردي في ألمانيا يبلغ 1.426 يورو في الشهر. أما الأشخاص الذين لا يتعدى دخلهم الشهري 40 بالمائة من ذلك الدخل فتم تصنيفهم ضمن الفقراء، ويبلغ عددهم حسب آخر الإحصائيات أربعة بالمائة من مجموع سكان ألمانيا. ويعزي المراقبون هذه النسبة القليلة إلى جهود الدولة بالدرجة الأولى، لاسيما برامج المعونات الاجتماعية ومعونات البطالة، التي تساهم بشكل أساسي في تقليص نسبة الفقر من خلال رصد مساعدات مالية للأسر ذات الموارد المالية المحدودة كي يتمكنوا من سد احتياجاتهم الأساسية. غير أن تلك المعونات في مجملها تظل غير كافية لإخراج معظم من يستفيدون منها من قفص الفقر أو حمايتهم من السقوط داخله. وكشف الإحصاء جوانب مهمة تتعلق بحياة من يعيشون على عتبة الفقر. فهم يعانون في معظم الأحيان من تردي أوضاعهم المعيشية وافتقارهم للخدمات الأساسية مثل الرعاية الطبية. وغالبا ما لا يستطيعون زيارة طبيب الأسنان على سبيل المثال، لعدم قدرتهم على دفع فاتورة الخدمات الطبية التي لا يغطيها التأمين الصحي. فضلا عن ذلك، يضطر زهاء 26 بالمائة من هؤلاء الأشخاص، حسب الإحصاء، إلى السكن في منازل غير لائقة والتقشف أيضا في التغذية نظرا لمحدودية مواردهم المالية، ناهيك عن عدم قدرتهم على السفر إلى أماكن أخرى.
تباين معدلات الفقر في أوروبا
وتجرى إحصائيات مشابهة لتلك التي قام بها مكتب الإحصاء الاتحادي في كافة دول الإتحاد الأوروبي إلى جانب النرويج وايسلندا منذ عام 2005. وتعكس نتائج هذه الإحصائيات مدى اختلاف ظاهرة الفقر في أوروبا من بلد إلى آخر. ويأمل الخبراء في هذا المجال بأن تساعد أرقام الإحصائيات على تتبع التحولات الاجتماعية في المجتمعات الأوروبية، لا سيما تتبع ظاهرة الفقر ورصد الظروف المعيشية في مختلف الدول الأوروبية. في هذا السياق يقول نائب مدير مكتب الإحصاء الاتحادي فالتر رادرماخر "إن الفقر منتشر في ألمانيا بنسبة أكبر من بعض الدول الأوروبية". فالدول الاسكندنافية تأوي أقل عدد من الأشخاص ممن يعيشون على عتبة الفقر، حيث لا يتجاوز عددهم 11 بالمائة من مجموع السكان. أما أعلى نسبة الفقر فسجلت في دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا واليونان، حيث بلغت نسبة الأشخاص الذين يعانون من الفقر نحو 20 بالمائة من السكان.