العنف بدافع الكراهية وجرائم بسبب أحكام مسبقة
٢٧ نوفمبر ٢٠١٣لم يكن ناصر عبداللاوي يرغب في أكثر من الاستمتاع بعطلته والخروج من روتين الحياة اليومية لعدة أيام والتمتع بالفن والثقافة والاسترخاء، لكن فترة عطلته بدأت بواقعة مؤسفة، إذ تعرض الممرض البالغ من العمر 42 عاما لاعتداء على يد النازيين الجدد لدى وصوله لمحطة القطارات الرئيسية في مدينة دريسدن.
ويروي ناصر الذي يعيش بمدينة كولونيا في غرب ألمانيا تفاصيل ما تعرض له قائلا:"سمعت صياحا وصراخا ثم التفت إلى الخلف لتصطدم زجاجة جعة بوجهي". عندما وقع بصر ناصر على أحد الشباب المهاجمين له أدرك ما قد يتعرض له من الشاب المهاجم الذي يكن الكراهية له، فقط لأن شعر الضحية أسود ومجعد وبشرته داكنة، مما يشير إلى انحداره من أصول أجنبية.
لحسن الحظ تدخلت الشرطة في الوقت المناسب لتحول دون حدوث كارثة أكبر. إنها تجربة تظل عالقة في ذهن ناصر.
ارتفاع درجة معاداة السامية والإسلام
يرتبط مثل هذا النوع من أعمال العنف عادة بأحكام مسبقة، ولذلك فهي تخضع منذ ستينات القرن الماضي عند التحقيقات في الولايات المتحدة لما يسمى لدى الخبراء ب"جرائم الكراهية". يبدو هذا النوع من الجرائم في أشكالا كثيرة بدءا بالتحرش اللفظي والإساءة والتحريض ووصولا إلى أعمال القتل كما يوضح ميشائيل فينغرله ، الباحث المتخصص في هذا الموضوع بجامعة غوته في فرانكفورت. غالبا يكون ضحايا هذا النوع من الجرائم من منتمين لجماعات اجتماعية معينة مثل المهاجرين أو اليهود أو المسلمين أو المثليين جنسيا أو المشردين أو المعاقين أو من يتبنون أساليب حياة لم يعتدها المجتمع. حتى أعمال العنف التي تستهدف الأثرياء أو موظفي البنوك الكبار تندرج أيضا تحت هذا النوع من الجرائم إذا كانت الأحكام المسبقة خلف دوافعها.
لا توجد في ألمانيا بيانات محددة حول عدد "جرائم الكراهية" إذ أن إحصائيات الجرائم تتعامل مع "أعمال العنف ذات الدافع السياسي" غير أن هناك دراسات مستقلة تقوم بها مؤسسات مثل برتلسمان تشير إلى انتشار ظواهر معاداة السامية ومعاداة الإسلام والأجانب في ألمانيا، في حين لا توجد بيانات تشير بوضوح إلى مستوى عدد جرائم الكراهية الناتجة عن انتشار هذا السلوك.
تراجع الثقة في الشرطة والقضاء
في الولايات المتحدة وفي بعض دول الاتحاد الأوروبي يتم رصد الجرائم التي تمت بدافع الكراهية، مما يسهل رصد مستوى زيادتها أو تراجعها. وتوضح كارولينا بونيس ، الباحثة في فريق فينغرله أنه "يمكن في إنجلترا تسجيل جريمة في مستندات الشرطة تحت عنوان /جريمة كراهية/ ، أي وصف الدافع الذي حرك الجاني". ويمكن للقضاة في بريطانيا إيقاع عقوبات أكثر صرامة إذا تأكدوا من أن الأحكام المسبقة كانت خلف الدافع وراء الجريمة. وقد أجرى فينغرله وفريقه البحثي لقاءات بمجموعة من ضحايا جرائم الكراهية ضمن مشروع بحثي تحت شعار " عندما يصطدم القانون بالكراهية". وعن هذه المقابلات تقول بونيس:"نهتم بمعرفة احتياجات المتضررين والتعرف على ما ينتظروه من دعم من القوانين والمؤسسات والمجتمعات".
وأوضحت النتائج أن أول صدمة يتلقاها الضحية بعد تعرضه للعنف تكمن في تعامل الشرطة معه كما يوضح فينغرله:"استقبال مثل هؤلاء الضحايا في أقسام الشرطة يتسم غالبا بمناخ بارد وبعدم موقف متفهم في معظم الأحيان". وقال الكثير من الضحايا الذين تم سؤالهم إن رجال الشرطة لم يأخذوا شكواهم مأخذ الجد وقاموا بالتمييز ضدهم. ولا تؤثر هذه الجرائم عادة على الضحايا فحسب، بل تمتد أيضا لأشخاص آخرين كما حدث على سبيل المثال مع جرائم مجموعة "إن إس يو" النازية التي تركت أثرها على الكثير ممن ينحدرون من أصول مهاجرة. وتسببت الطريقة الهشة في تعامل الشرطة مع مثل تلك الجماعات في تراجع الثقة في قطاعي الشرطة والقضاء بوجه عام، بحسب الخبير.
حاجة ملحة لبنك معلومات
يدعو فينغرله إلى إنشاء سجل في ألمانيا يرصد جرائم الكراهية كوسيلة للتصدي لها ويقول:"نحن بحاجة لبنك معلومات يرصد مثل هذه الوقائع يتم تصنيفه حسب المجموعات المستهدفة ووفقا لمعدلات التكرار". ومن الواضح أن هذه القضية أضحت محل اهتمام متزايد إذ تم طرحها للنقاش خلال مؤتمر الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الذي استضافته العاصمة فيلنيوس في الثاني عشر والثالث عشر من تشرين ثان/نوفمبر الجاري. وتتركز المناقشات على سبل مكافحة جرائم الكراهية في أوروبا وإقرار حقوق الضحايا، كما قال كريم مصطفى ممثل المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا.
ويوضح خبير الشؤون الاجتماعية أنه" يتعين تصنيف معاداة الإسلام كعمل يستوجب العقوبة، حيث لا يحق أن نظل في ألمانيا في مثل هذه المكانة المتوسطة فيما يتعلق برصد البيانات". غير أن كريم مصطفى يرى أن جرائم الكراهية لا تمثل إلا قمة جبل الجليد ويوضح قائلا: "لدينا مشكلة كبيرة فيما يتعلق التمييز العنصري في الحياة اليومية، لاسيما في مجالات التعليم والبحث عن السكن وفي سوق العمل". وأشار في هذا السياق إلى المشكلات الكبيرة التي تواجه المواطنين المسلمين وغيرهم من الأقليات. واعتبر المتحدث أن الاعتراف بوجود هذه المشكلات وأن البحث عن طرق لحلها من أهم الأهداف التي يجب التوصل إليها في ألمانيا.