ألمانيا: التمييز العنصري يصعَب حصول الأجانب على سكن لائق!
١٥ نوفمبر ٢٠١٣"لا نأجر للأجانب!"- هكذا كان جواب أحد المؤجرين على أيسغول آكار، التي كانت تبحث آنذاك عن شقة للإيجار. ولقد هاجرت أيسغول إلى ألمانيا قبل أكثر من 30 سنة قادمة من تركيا، وهي تعيش الآن في مدينة بون في ولاية شمال الراين وستفاليا، حيث تتركز نسبة كبيرة من الأجانب. وتؤكد أيسغول على ارتباطها الوثيق بألمانيا وحبها الكبير لهذا البلد. غير أن تجاربها في البحث عن منزل أو شقة جديدة لم تخلو من المصاعب والعراقيل والأحكام المسبقة. وفي هذا الصدد تقول أيسغول:" لقد غيرت السكن ثلاث مرات في ألمانيا. وعشت تجارب سيئة في كل مرة كنت أبحث فيها عن شقة جديدة. فمن وجهة نظر المؤجرين لم أكن الشخص المناسب: لأن لدي اسما أجنبيا ولكنة مغايرة وظهورا مختلف".
تجارب أيسغول أكار القاسية في رحلة بحثها عن سكن لائق لا تشكل استثناءا داخل سوق السكن الألماني، فالغالبية العظمى من الأجانب والمهاجرين تشعر بالتمييز العنصري عند البحث على سكن جديد في ألمانيا. وهذا ما يؤكده استطلاع الرأي، الذي أجراه مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج قبل عامين، معتمدا في ذلك على آراء حوالي 10 آلاف من السكان من أصول أجنبية.
المسلمون والأفارقة السود أكثر عرضة للتمييز
ووفقا لمكتب الإحصاءات الاتحادي، يعيش أكثر من نصف سكان ألمانيا في مساكن مستأجرة. وفي المدن الألمانية الكبرى مثل برلين وهامبورغ تصل هذه النسبة إلى حوالي 80 في المائة. وهو ما يجعل العثور على سكن لائق للإيجار وبأسعار معقولة مهمة صعبة للغاية في هذه المراكز الحضرية. وغالبا ما يجد المؤجر نفسه أمام سيل من الطلبات والمتقدمين، الذين يختار منهم "الأنسب" حسب شروطه وتصوراته الخاصة. وهو ما يجعل حظوظ ذوي الدخل المنخفض والأمهات العزب والعاطلين والطلبة، جد ضعيفة. وعلاوة على ذلك فإن الأحكام المسبقة والتحيز العنصري قد تكون أيضا من بين أهم الأسباب، التي تحول دون حصول بعض المهاجرين أو السكان ذوي الأصول الأجنبية على سكن.
وتعتبر النساء المسلمات، اللواتي يرتدين الحجاب والأفارقة السود، الفئة الأكثر عرضة للتميز العنصري في هذا المجال. وهو ما تؤكده بيرته فايس من مركز Basis&Woge للإرشاد، حيث تقول: "عندما يأتي أناس من هاتين المجموعتين لزيارة إحدى الشقق المعروضة، غالبا ما يكون رد المؤجر: أنا آسف، الشقة تم تأجيرها".
ويعمل مركز Basis&Woge في مدينة هامبورغ على تقديم المساعدة لضحايا التمييز. ويقدر مركز الإرشاد نسبة المشتكين من التمييز في مجال السكن بحوالي 20 في المائة. ويقوم المركز في مثل هذه الحالات بتقديم النصائح والإرشادات القانونية، خاصة و أن القانون في ألمانيا يدافع عن المستهدفين بكل أشكال التمييز، كما تؤكد كريستينه لودرز، رئيسة وكالة مكافحة التمييز في مقابلتها مع DW، مشددة على أنه:" لا يجوز في ألمانيا التمييز ضد أي أحد بسبب أصله أو عرقه أو جنسه. هذا ما ينظمه قانون المساواة العامة في المعاملات، الذي ينطبق على مجال السكن أيضا". إلا أن لودرز تعترف من جهة أخرى ، أنه غالبا ما يصعب إثبات وقوع التمييز، لأن المؤجر عادة ما يعطي أسبابا أخرى للرفض.
الاسم العائلي قد يكون سببا للإقصاء
وبدورها لم تكن أيسغول واثقة من الأسباب الحقيقية لعدم حصولها على سكن بسهولة، فربما لم يكن ذلك بسبب التمييز. إلا أن جميع شكوكها تبددت بعد ما قامت صحبة ابنها باختبار إحدى المؤجرين: وتشرح أيسغول هذا الاختبار قائلة: "بعد ما حصلت مرة أخرى على الرفض عبر الهاتف قمت برهان مع ابني، الذي يتحدث الألمانية بطلاقة وبدون لكنة. بعد بضع دقائق اتصل ابني هاتفيا بنفس الرقم ، ولكن تحت اسم مستعار"السيد شولتز ". وبالفعل المؤجر أخبره بأن الشقة خالية ويمكن أن يحدد موعدا لمعاينتها".
وتقول بيرته فايس من مركز Basis&Woge للإرشاد عن هذا "الاختبار": "إن الهدف منه هو إظهار أن المتقدمين من أصول أجنبية يتم التعامل معهم بشكل مختلف ". وعند وجود مثل هذه الأدلة، يمكن بعدها اتخاذ إجراءات قانونية. هذا على الأقل من الناحية النظرية.
حظوظ ضئيلة أمام المحكمة
ولكن الأمر يختلف على أرض الواقع، حيث يصل عدد قليل جدا من الحالات إلى المحكمة، رغم الموقف القانوني الواضح ودعم منظمات مكافحة التمييز. وهو ما يؤكده المحامي سيباستيان بوش، الذي سبق له أن دافع أمام المحكمة عن العديد من ضحايا التمييز في مجال السكن. ويضيف بوش في مقابلته مع DW:"المشكلة الأساسية تكمن في أن مثل هذه الإجراءات القانونية تطول لعدة أشهر، وهذا يعني أنه حتى لو تم الحكم لصالح المتضررين بالحصول على الشقة، إلا أن ذلك سيكون متأخرا جدا بالنسبة لهم".
وحتى أيسغول أكار لم ترغب في اللجوء إلى القضاء، لأن ذلك من شأنه أن يأخذ منها الكثير من الجهد والوقت. إلا أنها تمكنت في نهاية المطاف من العثور على منزل جديد، تشعر فيه بالكثير من بالراحة، على حد تعبيرها. ولكن موقفها من المؤجرين الألمان يبقى سلبيا، خاصة وأن الشقة التي تعيش فيها الآن يملكها إسباني.