العلاقات المصرية الألمانية...المصالح أولا وأخيرا؟
٣٠ أكتوبر ٢٠١٨في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الألمانية، تشدد برلين على أن "ألمانيا ومصر يجمعهما منذ وقت طويل علاقات وطيدة ومتشعبة"، وأن "ألمانيا لا تزال تسعى إلى دعم بناء دولة عصرية وديمقراطية في مصر". ويتابع النص الرسمي المنشور على موقع الخارجية الألمانية، أن الحكومة الفدرالية تتابع عن كثب وضع حقوق الانسان كـ"جزء من سياسة استقرار ناشئة في مصر".
ورغم التطورات التي شهدتها مصر منذ ثورة 25 من يناير إلى غاية اللحظة، والتي أسفرت فصولها الأخيرة عن بسط الجيش سيطرته على السلطة في أكبر دولة في شمال إفريقيا من حيث عدد السكان عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي القادم من ثكناته. رغم ذلك لم تنل عمليات الاعتقال والملاحقات بحق المعارضين وتحذيرات المنظمات الحقوقية الدولية من تردي الوضع الحقوقي، من أهمية مصر بالنسبة لألمانيا. وهذا ما شدد عليه الرئيس الألماني فالتر شتاينماير خلال استقباله للرئيس المصري أمس الاثنين (30 أكتوبر/ تشرين الأول)، مشيدا بدور مصر كـ"ركيزة أساسية للاستقرار" في منطقة الشرق الأوسط.
ملف حقوق الإنسان
تصريحات الرئيس الألماني جميعها أكدت وبوضوح على دور القاهرة الإقليمي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. والأهم من ذلك على دورها في ملف الهجرة غير الشرعية.
وكانت الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى القاهرة في عام 2017 قد وضعت الحجرة الأساس لتعاون مشترك وطيد بين الجانبين بخصوص ملف الهجرة. وقد جاءت تلك الزيارة عقب توقيع تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية الهجرة، في محاولة من ميركل للبحث عن شركاء جدد وفق النموذج التركي.
وتزامنا مع تواجد السيسي في ألمانيا هذا الأسبوع، دعت منظمة العفو الدولية إلى وقفة احتجاجية أمس الاثنين أمام بوابة "براندنبورغ" التاريخية ضد سياسة حقوق الإنسان في مصر. كما ناشدت الحكومة الألمانية التطرق خلال الزيارة الى قضية "انتهاكات" حقوق الإنسان من جانب السلطات المصرية، مطالبة بوقف أعمال كبح جماح المجتمع المدني في مصر. واتهمت المنظمة أيضا النظام المصري باعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص خلال الأعوام الأخيرة بشكل "تعسفي".
غير أن المؤتمر الصحفي الذي جمع الثلاثاء بين الرئيس المصري والمستشارة ميركل لم يتم فيه التطرق على الأقل علنا لهذا الملف. ومع ذلك لا يستبعد دانييل غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة "زينيت" للشرق الأوسط التطرق لهذا الملف، "لكنه لن يكون الملف الأساسي للمشاورات"، يقول الخبير الألماني. والسبب يعود إلى طبيعة الزيارة لكونها "تأتي ضمن حدث إفريقي ألماني وفي إطار البحث عن سياسية إفريقية".
وبالفعل، على المستوى الرسمي، فإن السيسي متواجد في برلين من أجل حضور قمة إفريقية ألمانية تهدف إلى رفع مستوى استثمار القطاع الخاص من أجل أفريقيا، وهي قمة سيحضرها أيضا 11 رئيس حكومة إفريقية إضافة إلى المستشار النمساوي زيباستيان كورتس. وبالتالي وحسب غيرلاخ فإن "الحكومة الألمانية في "وضع أكثر أريحية"، لأن الانتقادات حول الوضع الحقوقي لن تأخذ الحيز الرئيسي من الاهتمامات".
الواقعية السياسية
ومهما اختلف إطار الزيارة اليوم، إلا ما يظل ثابتا أن العلاقات المصرية الألمانية تحكمها معادلات المصالح أكثر من الوضع الحقوقي. فالدور الإقليمي لمصر لن يسمح للدول الغربية بالمخاطرة بالتعاون التقليدي المشترك في القضايا الكبرى بما فيها قضية الشرق الأوسط والهجرة وغيرها.
فيكفي أنها وكما يؤكد الخبير غيرلاخ قد نجحت الأخيرة في دورها كشرطي للحدود الأوروبية، إذ أن القاهرة باتت "تلعب دورا محوريا في مكافحة الهجرة غير الشرعية. فهي تشكل طريق هجرة بالنسبة لدول شرق ووسط شرق إفريقيا". ونجح المصريون بالفعل "في كبح هذه الموجات بتمويلات البلدان الغربية. وفي حقيقة الأمر، فقد تم كبح هذه الموجات بوسائل مثيرة للجدل فعلى سبيل المثال تمّ احتجاز العديد من الأشخاص ومعاملتهم بطريقة سيئة. كما سُجلت أيضا حالات فساد وقضايا تهريب بشر، تورط فيها موظفو الدولة"، يقول غيرلاخ. وفي هذا الإطار، تدخل حاليا الحوافز الاقتصادية والمساعدات المالية الغربية كوسيلة "لضمان الاستقرار في هذا البلد أيّا كان الثمن. كما أن هناك رغبة في منع حدوث اضطرابات اجتماعية، لأن ما يعيشوه الأوروبيون من ضغوطات بسبب قضية الهجرة لا يتحمل المزيد"، يقول غيرلاخ.
أما إقليميا، فيقول الخبير الألماني إنه و"في السابق كانت مصر شريكا يعوّل عليه، فحين كانت الدول الأوروبية تواجه مشكلة في الشرق الأوسط، فإنهم كانوا يتوجهوا للمصريين. وهؤلاء كانوا يتعاملون دبلوماسيا مع الوضع من منطق دولة كبرى. لكن، اليوم، الأمر اختلف، لأن مصر باتت منشغلة بنفسها وأصبحت في وضع لا يسمح لها بإيجاد الحلول". والآن هناك "رغبة لدى الغرب في عودة مصر الى دورها الأول لكي لا يتم الاعتماد فقط على السعودية وإسرائيل، وحتى يُعاد الى القاهرة دورها الدبلوماسي والسياسي لتصبح قوة فاعلة في المنطقة"، يختم رئيس تحرير مجلة "زينيت" المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، دانييل غيرلاخ في حديثه مع DW عربية.
و.ب