العلاقات السعودية الإيرانية.. ذوبان جليد أم "محاولات تلطيف"؟
٥ سبتمبر ٢٠١٧أثار موضوع منح إيران تأشيرات الدخول لوفد دبلوماسي سعودي، التساؤلات حول إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مجدداً، بعد حوالي عامين من انقطاعها إثر احتجاجات ضد السعودية نتيجة إعدام رجل الدين الشيعي السعودي المقرب من إيران نمر النمر في بداية العام الماضي.
فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، قبل يومين، أن وفدين دبلوماسيين إيراني وسعودي سيتبادلان الزيارات قريباً من أجل تفقد مقرات البعثات الدبلوماسية، مؤكداً في الوقت نفسه أن الوفد الإيراني حصل قبل أسبوعين على تأشيرة الدخول الى المملكة عبر السفارة السعودية في العاصمة الاردنية عمان، ولكن لم يتم تحديد موعد زيارته الى الرياض.
كما أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد كشف لوكالة الأنباء الطلابية الإيرانية في نهاية الشهر الماضي أن وفوداً دبلوماسية من بلاده والسعودية ستتبادل الزيارات الدبلوماسية قريباً "لكي يستطيع الدبلوماسيون تفقد سفاراتهم وقنصلياتهم".
هذه التصريحات التي تلت المصافحة بين وزيري خارجيتي البلدين، أثارت موجة من التساؤلات حول جدية الطرفين في التقارب والحوار، بالإضافة إلى توقيت إعادة العلاقات الدبلوماسية، في وقت يزداد فيه النفوذ الإيراني في كل من سوريا واليمن.
لا تفاهم استراتيجي
حول إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قال مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد لـDW عربية أنه وبالرغم من أن تقارباً سعودياً إيرانياً سيريح المنطقة، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أنه يستبعد حصول تفاهم استراتيجي جوهري بين الدولتين بسبب الخلافات العميقة بينهما ولأنهما قطبا الصراع الدائر في المنطقة أساساً، وأضاف "القضايا العالقة بين البلدين لا يمكن حلها عن طريق إرجاع السفراء، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، ويتعلق بعدم استعداد السعودية للتخلي عن دورها القيادي في الكتلة الإقليمية التي تعمل أمريكا على حشدها في وجه المد الإيراني في المنطقة، والتي تشمل دولاً أخرى كمصر والأردن وذلك في إطار الخريطة الأمريكية للشرق الأوسط".
من جانبه قال الباحث الألماني والمتخصص بقضايا الخليج سيبستيان زونس لـDW عربية إن تحقيق تقارب بين البلدين سيكون من مصلحة المنطقة بأكملها، وتابع "بدون تعاون حذر بين أهم قوتين في الخليج، لا يمكن حل أية أزمة في المنطقة"، ومع ذلك، فقد استبعد أن يتحقق تقارب كبير بينهما.
سوء فهم "الوسيط"
وكان وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي قد تحدث عن طلب سعودي من العراق للتوسط بين الرياض وطهران، مؤكداً أن إيران تلقت هذا الطلب بشكل إيجابي، ليعود بعدها ويتراجع عن تصريحاته، ما أثار عاصفة من الجدل.
لكن الدكتور مصطفى اللباد استبعد أن تكون الرياض قد استعانت ببغداد من أجل تحقيق تقارب مع إيران، مشيراً إلى أن الأعرجي نفسه قد نفى تصريحاته حول هذا الموضوع وأضاف أن "من الواضح أنه يوجد سوء فهم من الجانب العراقي حول موضوع التقارب بين إيران والسعودية التي تريد فقط تفعيل التناقضات داخل المشهد العراقي الشيعي".
الحوار كوسيلة للضغط
وعن توقيت الخطوات التمهيدية لإعادة العلاقات الدبلوماسية، قال اللباد إن حالة السكون وعدم الوصول لحل في عدة ملفات تتعلق بالجانبين، فرض عليهما اتخاذ بعض الخطوات لإظهار نفسيهما بأنهما راغبان بالسلام الإقليمي، وذلك عن طريق إطلاق مبادرات غير مباشرة للحوار، وتابع "كل طرف يستخدم ورقة الدعوة للحوار من أجل الضغط على الآخر، وهما في النهاية لا يخسران ولا يقدمان أي شيء، سوى بعض التصريحات الإعلامية".
من جانبه قال الباحث الألماني سيبستيان زونس إنه قد يكون التوقيت مرتبطاً بانفراج أزمة الحج بين البلدين، والتي جاءت بعد مشاورات بينهما. وتابع " يمكن تفسير زيارة رجل الدين العراقي الشيعي مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية على أنه مؤشر على اهتمام الرياض من ببناء قنوات جديدة للدخول بشكل غير مباشر في حوار مع إيران".
أما عن تأثير هذا التقارب بين البلدين على الدول الإقليمية الأخرى، أكد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة أن إيران لن تقدم تنازلات كبيرة أو تتخلى عن نفوذها في كل من سوريا واليمن، من دون أن يستبعد أن تتم محاولة "التلطيف" في بعض الملفات، وتابع "قد تقدم إيران بعض التنازلات البسيطة جداً، هذا إن صح تسميتها تنازلات أصلاً".
التأقلم مع الموقف الدولي
ففي الحالة السورية، بحسب اللباد، قد تضطر السعودية للموافقة على بقاء الأسد وخاصة بعد أن فشل حلفاؤها في سوريا من تحقيق انتصارات، مقابل أن توافق إيران على ضم شخصيات مقربة من الرياض في حكومة وحدة وطنية، إن تم تشكيلها، كي تحافظ على قدم لها في سوريا. وأضاف اللباد أن السعودية تحاول أن "تعيد تموضع" موقفها من سوريا لكي ينسجم مع الموقف الدولي والذي يشكل فيه مكافحة الإرهاب أولوية على موضوع رحيل أو بقاء الأسد.
أما سيبستيان زونس فقال إنه من المبكر رؤية تأثير لهذا التقارب، إن حدث، على الحرب في سوريا، لكنه أكد أن المطلوب من الجانبين أن يجدوا وسيلة "لتهدئة الصراع الدامي وليس لتأجيجه".
تلطيف للعلاقات
وبالنسبة لليمن، فقد أكد زونس أنه بالرغم من أن الوضع هناك سيء جداً، فإن حصول تقارب بين قطبي الخليج سيكون له أثر إيجابي على اليمن أيضاً، وأضاف أن "التحالف العسكري السعودي أمام طريق مسدود، وإيران وداعش هما المستفيدان الأكبر، كما أن ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان هو المسؤول كوزير للدفاع عن هذا الفشل، وبالتالي يجب أن يجد حلا".
أما الدكتور مصطفى اللباد فقال إنه بالرغم من أن السعودية تحاول تقليل نفوذ الحوثيين، إلا أنها لن تستطيع اجتثاثهم لأنهم جزء من المجتمع اليمني، ولكنه أشار إلى أنه قد يساهم تقاربها مع إيران في التوصل لاتفاقات وقف إطلاق النار، أو إطلاق حوار وطني، في إطار "محاولات تلطيف العلاقات" بين البلدين.
وقد أثار موضوع التقارب بين الدولتين اهتمام المهتمين بهذا الشأن من رواد مواقع التواصل الإجتماعي.
المغردون لهم رأيهم
فمنهم من قال إن السعودية تريد أن تكون عودة العلاقات تدريجية لعدم "تهييج الجمهور".
فيما يرجع آخر التقارب بين الدولتين لإدراك المسؤولين لعدم جدوى الحملات الإعلامية.
بينما تقول تغريدة أخرى أن الصدع بين الدولتين لن يلتئم بسرعة.
ووصف مغرد آخر إعطاء التأشيرات الدبلوماسية للوفد السعودي بـ"العيدية".
و ربط آخر الموضوع بقطر واصفاً عودة العلاقات بـ"ارتماء السعودية في أحضان إيران".
بينما قال آخر أن هذا التقارب هو حل لحلحلة جميع المشاكل.
محي الدين حسين