العراق والسعودية: خلاف مذهبي أم سياسي ؟
٣١ يناير ٢٠١٤لم يعد الصراع السياسي في الشرق الأوسط يساريا يمينيا، أو تقدميا رجعيا، أو قوميا شيوعيا ، بل أصبح شيعيا سنيا، إسلاميا يهوديا، إسلاميا مسيحيا، وتلاشت مكونات المشهد السياسي في الدولة المدنية الحديثة لصالح التمسك حتى الموت بالمذهب وإحياء العشائرية باعتبارها قوى يمكن تسليحها لزجها في المعترك الساخن دائما.
وفق هذا التوصيف، تتخذ المملكة العربية السعودية مواقف سياسية من دول وأنظمة حكم بناء على انتماءاتها المذهبية والعشائرية، ويصدق هذا بشكل خاص على العراق وسوريا والبحرين واليمن.
خلال هذا الأسبوع شن عبد الله العسكر عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي هجوما حادا على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في إعقاب تداعيات مباراة ودية لكرة القدم بين البلدين فاز فيها العراق. العسكر وصف المالكي بأنّه "طائفي ومرتهن لإيران".
" منشأ الصراعات هو العقيدة الوهابية التي لا تسمح للآخر أن يعيش معها"
ويمكن اعتبار هذا الموقف حلقة في موضوع علاقة العراق بالسعودية التي تطورت سلبيا بعد التغيير الذي حدث في العراق في 9 نيسان 2003. فالسعودية في أغلب مستويات القيادة فيها تصف حكومة العراق بأنها صفوية تأتمر بأمر إيران، فيما حكومة العراق تتهم السعودية بأنها وهابية معادية لشيعة العراق، ورفضت المملكة حتى الآن إعادة فتح سفارتها في العراق، كما رفض العاهل السعودي استقبال رئيس الوزراء العراقي في الرياض.
تاريخ العلاقة بين البلدين يكشف أنّ أنظمة سعودية متعاقبة قد استهدفت على مدى عشرات السنين مدينتي كربلاء والنجف، وغزتهما ودمرت الأضرحة المقدسة فيهما، بل وقتلت ألوفا من سكان كربلاء وسبت أهلها وأخذت من نسائهم سبايا ومن رجالهم أسرى، هل تسعى المملكة إلى إحياء هذه الذاكرة ؟
جوابا على هذا السؤال اعتبر غانم جواد المستشار الثقافي في مؤسسة الحوار الإنساني ومقرها لندن، في حديثه لمجلة العراق اليوم من DW عربية، أنّ الإشارة لوقائع التاريخ تثير أزمات وتؤجج الأحقاد والشجون ما بين أبناء العراق وبين أبناء السعودية. وأكد جواد أن تاريخ العلاقة بين البلدين مشحون بالصراعات الدموية " ومنشأ الصراعات هو العقيدة الوهابية التي لا تسمح للآخر أن يعيش معها، وكانت تعتبر الشيعة فئة كافرة يجب إبادتها ومحاربتها، وحصل هذا تحت تأثير الانتصارات التي حققوها في شبه الجزيرة العربية في القرن 19" .
كثيرون يرون أنّ من أسباب عدم استقرار العراق وعدم نجاح التجربة الديمقراطية فيه هو النظام الوهابي السعودي، و كثيرون يرون أن السعودية وإيران تحاربان بعضهما بالنيابة فوق أرض العراق.
"الطائفية هي منتج سياسي وليست منتجا دينيا"
أهل العراق منقسمون، فالنخب السنية وقاعدتها كما هو معلن يرون أن إسقاط نظام صدام حسين، قد سلبهم السلطة التي كانت تاريخيا في أيديهم، وبهذا يرون في السعودية مدافعا عن مصالحهم قد يعيدهم إلى أعلى هرم السلطة.
غانم جواد اعتبر أن اختلاف المذاهب ثابت وأسبابه فقهية وتاريخية، لكنه وصف ما يجري في البلدان العربية والعراق بالقول" إنه احتراب طائفي تحت اسم الدفاع عن السنة والدفاع عن الشيعة، وقد اتخذ منحى كبيرا وكهّرب الوضع السياسي الحالي".
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، شارك من عمّان في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية وأعتبر أن التخندق الطائفي بات واضحا بعد ما يسمى "بربيع الثورات العربية" ، وبات عنصرا حاسما في موضعة الصراع بين الدول ( التي تدافع عن السنة وتلك التي تدافع عن الشيعة) .
وذهب أبو هنية إلى " أنّ الصراع ليس جديدا ، بل كان موجودا، ولكن هناك استثمار لقضية الطائفية اليوم ، والطائفية هي منتج سياسي وليست منتجا دينيا بالأساس".
" السعودية حالها حال إيران تتهرب من الإصلاح السياسي واستحقاقات عمليات انتقال ديمقراطي "
ويبدو ظاهر المشهد اليوم أنّ السعودية تحمل راية الإسلام السياسي السني، وهي تعادي الإسلام السياسي الشيعي في العراق، لكن الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية رفض هذا الوصف معتبرا أنّ"السعودية تعرّف أمنها القومي لجهتين أساسيتين، هما إيران والإخوان، وكما نعلم فإن الإخوان هي الجماعة التي تمثل الإسلام السياسي الأكثر انتشارا في الشرق الأوسط والمنطقة ". وذهب أبو هنية إلى القول إن "السعودية تخشى من الإسلام السياسي أكثر من خشيتها من البعد الإيراني". وخلص إلى القول " السعودية حالها حال إيران ونظم خليجية أخرى تستثمر الهويات الفرعية ومنها الطائفية لشرعنة سلطة الاستبداد والقهر ، وهي بالتالي تحاول أن تتهرب من الإصلاح السياسي واستحقاقات عمليات انتقال ديمقراطي بالتذرع بوجود نوع من الخطر يهدد الهوية المتخيلة للنظام السياسي القائم".
وأكد أبو هنية أن النظم الاستبدادية تسعى إلى تقسيم المجتمعات على أسس طائفية أو إثنية/عرقية أو دينية أو قبلية لتخلق أخطارا تهرب بها من العودة إلى هوية وطنية جامعة تعرّف الإنسان على أساس المواطنة.
" الخطابات السياسية، لم تعد تقوم على أسس جيو سياسية "
في الجانب الآخر، ترى الأحزاب الشيعية ومعها قاعدتها في العراق أنّ الزلزال الأمريكي عام 2003 قد أعاد السلطة إليهم باعتبارهم الأكثرية في العراق، وهم يجدون في إيران - رغم الخلاف معها - حليفا يدعمهم ضد الهجمة الوهابية عليهم. وفي هذا السياق أشار غانم جواد إلى أن "حقيقة الصراع هي أنه سياسي، يدور حول من يتحكم بالمنطقة ويحدد نفوذه فيها ، والدافع ليس طائفيا، فالصراع الطائفي هو شعار يغطى به الصراع السياسي".
من جانبه، رسم أبو هنية المشهد بطريقة أخرى مؤكدا وجود "اصطفاف وحلف ذي شكل طائفي شيعي في هذه المنطقة، تقوده وتصعّده إيران ، في الجهة الأخرى هناك وجه يقابل هذا الائتلاف باسم السنة، ومن هنا شاهدنا تغير الخطابات السياسية، والتي لم تعد تقوم على أسس جيو سياسية، بل باتت الأمور تسير على أسس ذات طبيعة طائفية".
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية استعرض تاريخ السعودية في دولتيها الأولى في القرن الثامن العشر والتي قامت على يد محمد بن عبد الوهاب والثانية بالتحالف مع آل سعود، مبينا " أن الدولتين قامتا فعلا على ما يسمى بالسلفية الوهابية ، لكننا يجب أن نعي أن العالم السني منقسم إلى 7 سلفيات كبرى".
السلفيات وعلاقتها بالوهابية
في معرض توضيحه للنسيج الديني والسياسي في المملكة العربية السعودية شرح حسن أبو هنية تاريخ السلفيات وعلاقتها بالنظام السعودي :
السلفية التاريخية التي تشكلت تاريخيا مع أهل الحديث انتهاء بالإمام أحمد بن حنبل ووصولا إلى ابن تيمية.
السلفية الوهابية التي نشأت مع محمد بن عبد الوهاب وتحالفه مع آل سعود.
السلفية الإصلاحية على يد محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا.
السلفية الوطنية التي نشأت على يد عبد الحميد البريس.
السلفية الحركية على يد الإخوان المسلمين وسيد قطب.
السلفية الجهادية مع مدرسة محمد عبد السلام فرج والحركات الجهادية ومنها القاعدة.
وختم أبو هنية استعراضه التاريخي بالإشارة إلى أن السعودية نفسها قد دخلت في صراع مميت مع ما يسمى السلفية الجهادية ممثلة بتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب ولا تزال تعاني من هذا الصراع، مجزّئا المشهد بالقول" هناك صراع على تمثيل الإسلام في داخل العالم السني، وكذلك صراع على تمثيل الشيعة في داخل العالم الإسلامي" ، وبذلك تكون هناك صراعات سنية - سنية وصراعات شيعية - شيعية.