العراق: هل التهديد بإغلاق السفارة الأمريكية جدي أم مناورة؟
١ أكتوبر ٢٠٢٠تثير التحركات الأمريكية الأخيرة، والتهديد بتقليص وجودها الدبلوماسي في بغداد مخاوف القيادة العراقية التي أعربت عن استيائها إزاء تهديد واشنطن بغلق سفارتها وسحب قواتها من العراق على خلفية التعرّض إلى هجمات، واصفة هذا القرار في حال حدوثه بـ "الخطير". وكانت مصادر حكومية عراقية قد أكدت أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هدد بإغلاق السفارة في مكالمة هاتفية قبل أسبوع مع الرئيس برهم صالح. كما أعلن وزير الخارجية فؤاد حسين، أمس الأربعاء (30 سبتمبر/ أيلول)، عن اتخاذ الحكومة إجراءات لحماية البعثات الدبلوماسية، مؤكداً أن انسحاب السفارة الأمريكية يعطي إشارات خاطئة للشعب العراقي. وقال الوزير العراقي إن حكومة بلاده "غير سعيدة بالقرار الأميركي"، وأنه "لا يصب في مصلحة بغداد".
تقوية النفوذ الإيراني
وتخشى بغداد من أن أي تحرك من جانب الولايات المتحدة لتقليص وجودها الدبلوماسي في بلد لها فيه خمسة آلاف جندي سيُعد وعلى نطاق واسع في المنطقة تصعيدا لمواجهتها مع إيران التي تحملها واشنطن مسؤولية هجمات بالصواريخ والقنابل، خاصة أن هذه التحركات العسكرية الأخيرة تأتي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومنذ أشهر تتعرض "المنطقة الخضراء" (تضم مقرات حكومية وبعثات سفارات أجنبية) في بغداد إلى جانب القواعد العسكرية التي تستضيف قوات التحالف الدولي، والأرتال التي تنقل معدات لوجستية إلى قصف صاروخي، وهجمات بعبوات ناسفة من قبل جهات لاتزال مجهولة.
وتتهم واشنطن، فصائل شيعية تتلقى الدعم والتمويل من إيران بينها "كتائب حزب الله" العراقي، بالوقوف وراء الهجمات. وتطالب الفصائل والقوى السياسية المقربة من إيران بخروج القوات الأمريكية من البلاد استجابة لقرار اتخذه البرلمان العراقي.
وصوت البرلمان في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، بالأغلبية لمصلحة إنهاء التواجد العسكري الأجنبي في البلاد، وذلك بعد ثلاثة أيام على مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، في غارة جوية أمريكية قرب مطار بغداد. وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد وجه نداء له عبر موقع تويتر قال فيه بأنه "لن يسمح أن يكون العراق مستعمرة أجنبية".
التأثير على صورة الولايات المتحدة
وحذر كبار أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الأمريكيين الرئيسيين من مغبة اغلاق السفارة الأمريكية في بغداد معربين عن قلقهم الكبير إزاء هذه الخطوة. وأكد عضوا لجنة الشرق الأوسط بمجلس الشيوخ ميت رومني وكريس ميرفي، الأربعاء من أن سحب الموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين من شأنه أن "يقوض العلاقات الأمريكية العراقية لصالح النفوذ الإيراني الخبيث".
وقال العضوان إنهما "قلقان للغاية"، بينما حذرا من أن حلفاء الولايات المتحدة قد يتبعون واشنطن في الخروج من سفارتهم في بغداد، مما سيلحق المزيد من الضرر بالعراق. وقد يشكّل هكذا انسحاب في حال حصوله ضربة شديدة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي لم يمضِ شهران بعد على زيارته إلى واشنطن ولقائه الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض.
وبدا أنّ وتيرة الهجمات تسارعت عقب زيارة الكاظمي إلى واشنطن في آب/ أغسطس الماضي. واستهدفت الهجمات بالإضافة إلى السفارة الأميركية، قواعد عسكرية وقوافل لوجستية لشركات محلية تعمل لحساب الجيش الأميركي وحلفائه في التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية".
وبحسب صحيفة واشنطن بوست فإن السفارة الأمريكية في العراق أصبحت عبر سنوات من الوجود الأمريكي في العراق واحدة من أكبر المواقع الدبلوماسية في العالم. ورأت الصحيفة الأمريكية أن إخلاء السفارة سيؤدي إلى تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، مؤكدة أن البعثة الأمريكية في بغداد تقدم خدمات لوجستية كبيرة ليس فقط داخل الأراضي العراقية، بل أيضا فيما يخص الوضع السوري.
هروب واشنطن أم عودة المواجهة العسكرية؟
وترى مينا العريبي في صحيفة الشرق الأوسط أن قرار إغلاق السفارة الأمريكية أو التلويح به، يشير إلى أن واشنطن لا تثق بقدرة القوات العراقية التي قامت هي بتدريبها كما يظهر أن المسؤولين الأميركيين لا يرون الوضع الأمني في العراق يتجه نحو الاتجاه الصحيح، بيد أن الكاتبة تستدرك في مقالها المنشور بعنوان "ماذا لو أغلقت واشنطن سفارتها في بغداد؟" أن هذا التلويح الأمريكي بالوقت نفسه قد يبيت نية مفادها ان على واشنطن دراسة إمكانية توسيع خياراتها في مواجهة الميليشيات في العراق. فعندما يدرس الرئيس الأميركي دونالد ترامب خياراته في مواجهة الميليشيات، فهناك دوماً دراسة لاحتمالات الرد العسكري خاصة فيما يتعلق بقضية تعرض السفارة الأمريكية للخطر وسبل مواجهتها.
وكانت الوكالة الفرنسية للأنباء قد نقلت أقوال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي أشار إلى أن هناك مخاوف أمريكية من إعادة سيناريو الاعتداء على السفارة الأمريكية في بنغازي والذي أفضى إلى مقتل السفير الأمريكي في ليبيا بالإضافة إلى 3 أمريكيين آخرين. وأشار الوزير العراقي إلى أن "البعض في واشنطن يستحضر بنغازي عام 2012". وقال الوزير حسين: "واهم من يتصور تحقيق الانتصار بانسحاب السفارة الأمريكية من بغداد"، وهو ما اعتبره بعض المراقبين خطابا موجها إلى إيران.
عزلة بغداد في حال الانسحاب
من جهته ربط موقع ان تي فاو/ ntv الإخباري الألماني بين تهديدات وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد وعزلة مرتقبة للحكومة العراقية، وأشار إلى أن إغلاق السفارة قد يؤدي إلى سحب حلفاء الولايات المتحدة لدبلوماسييهم من بغداد أيضا، الأمر الذي من شأنه أن يضر العراق أكثر، ويزيد من عزلته. ويخشى العراق أن يتبع سحب الدبلوماسيين عمل عسكري سريع يستهدف القوات التي ترى واشنطن أنها مسؤولة عن الهجمات.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن أحد الدبلوماسيين الغربيين إن الإدارة الأمريكية "لا تريد أن تكون خياراتها محدودة" في إضعاف إيران أو الفصائل الموالية للجمهورية الإسلامية في العراق. وسئل الدبلوماسي عما إذا كانت واشنطن سترد بتدابير اقتصادية أم بعمل عسكري فقال "ضربات".
وردا على سؤال عن خطط الانسحاب من العراق، قالت وزارة الخارجية الأمريكية "نحن لا نعلق على محادثات الوزير الدبلوماسية الخاصة مع القيادات الأجنبية، وأن إطلاق فصائل مدعومة من إيران صواريخ على سفارتنا يمثل خطرا ليس علينا فحسب بل على حكومة العراق". وقال الجيش الأمريكي في وقت سابق هذا الشهر إنه سيقلص وجوده في العراق من 5200 إلى 3000 جندي.
الكاتب: علاء جمعة