العراق- ضحايا غارات أمريكية في الموصل ينتظرون صرف تعويضات
٧ يوليو ٢٠٢١في 17 آذار/مارس 2017، كانتقوات مكافحة الجهاديين تتقدّم في الموصلفي شمال العراق مزهوةً بانتصاراتها ضد تنظيم داعش، لكن ملامح النصر ترافقت مع مقتل أكثر من 100 مدني في قصف جوي نفذته طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. حتى اليوم، لا يزال ذوو هؤلاء الضحايا يطالبون بتفسيرات وتعويضات.
ويقرّ التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش بقتل أكثر من ألف مدني في سوريا والعراق خلال حربه التي دامت سبع سنوات ضدّ التنظيم. وقال التحالف لوكالة فرانس برس إن تعويضات دُفعت لـ14 عائلة فقط.
آلية غامضة للتعويضات
وحتى اليوم، اصطدم ضحايا قصف التحالف الدولي وعائلاتهم بنظام معقّد وغامض للتعويضات يبدو وكأنه أعدّ لمنع وصولهم إليها. فبعد أربع سنوات على عمليات القصف في الموصل، لا يزال عبدالله خليل الذي نجا وابنه بأعجوبة من الموت - رغم أنه فقد ساقه ولا تزال آثار الحروق ظاهرة على جسده - ينتظر تعويضاً عن الأذى الذي تعرض له أو حتى مجرد تفسير لكيفية الحصول عليه.
وتقول سارة هوليوينسكي من منظمة هيومن رايتس ووتش: "لا يمكنني أن أتخيل كيف يكون وقع الأمر على عراقية فقدت أمها أو زوجها، وتحاول أن تفهم كيف تحصل على تعويض"، مضيفةً: "رغم خبراتنا، نكاد لا نفهم تماماً كيفية" التقدم بطلب عبر آلية التعويض.
وتشير أيضاً إلى صعوبة "العثور على مسؤول أمريكي يقرّ بأن قصفاً من طائراته هو المسؤول عن الواقعة"، إذ خلافاً للعمليات العسكرية الأخرى التي شارك فيها الغرب في العالم، لم يكن يوجد خلال الحرب ضد تنظيم داعش في العراق والتي لعبت الضربات الجوية دوراً حاسماً فيها، قياديون على الأرض يهتمون بدفع "ثمن الدم" للعائلات المفجوعة.
صدمة هائلة
شكّلت الحادثة صدمة كبيرة بالنسبة للعراقيين، لكنها سرعان ما تلاشت في الفوضى السائدة حينها. وخلال 72 ساعة فقط، قبل هذه الضربة وبعدها وبالتزامن معها، فقد مئات المدنيين الآخرين حياتهم في الموصل.
وفي خضم تلك الفوضى، كان يصعب تحديد مصدر الضربات. ففي المدينة البالغ عدد سكانها مليوني نسمة، تحوّل آلاف المدنيين إلى دروع بشرية خلال المعارك بين القوات العراقية ومقاتلي تنظيم داعش على الأرض، فيما كان قصف التحالف يتواصل دون هوادة.
في 17 آذار/مارس 2017، أي بعد خمسة أشهر من إطلاق معركة تحرير الموصل، كانت القوات العراقية تحاول التقدم في أزقة المدينة القديمة الضيقة. أمامها غرباً حيث يقع حي الموصل الجديدة الذي يضمّ سكك حديد وصوامع نفط، كان الرصاص ينهال على القوات العراقية على ما يبدو من قناصين متمركزين في مكان مرتفع.
طلب حينها الجيش العراقي الذي كان غارقاً في واحدة من أعقد حروب الشوارع في التاريخ الحديث، إسناداً جوياً من التحالف الدولي الذي يضم 80 دولة وتقوده الولايات المتحدة، من أجل القضاء على الجهاديين في "عاصمتهم". فأُرسلت طائرات أمريكية أسقطت قنبلة موجهة. لكن لعل معلومة هامة فاتت مهندسي العمليات، وهي وجود عشرات المدنيين المختبئين في ملاجئ المبنى المستهدف معولين على وجود مستشفى الرحمة وطريق مزدحم على مقربة من المكان، لمنع الطيران الدولي من قصف المنطقة.
تحقيقات أمريكية
بعد الاستنكار الدولي الكبير الذي أثارته الحادثة، أرسل الأمريكيون، في سابقة، محققين على الأرض، لمعرفة ما حصل. وأقر الأمريكيون في أيار/مايو 2017، بمقتل 105 مدنيين، فيما اعتبر 36 آخرون بعداد المفقودين، على أمل أنهم تمكنوا من الفرار. وفي المحصلة، استنتج التحقيق أن المبنى انهار نتيجة متفجرات وضعها تنظيم داعش بين طوابقه، غير أن إفادات الناجين والشهود في الموصل تفيد بأن لا متفجرات كانت مخزنة في المبنى.
ويقول مدير منظمة "ايروورز" في لندن، كريس وودز: "من أجل قناصين اثنين على سطح، أطلقوا قنبلة بوزن 220 كلغ، كان ذلك خطأ". ويوضح لفرانس برس: "لا ينبغي استخدام متفجرات ذات مدى واسع النطاق في منطقة سكنية بدون الأخذ بالاعتبار المخاطر الجمّة التي قد يتعرض لها المدنيون: هذا ما حصل في الموصل الجديدة".
ويستذكر مدير الطب العدلي في دائرة صحة محافظة نينوى، حسن واثق، الكارثة. ويروي لفرانس برس "أجلى الدفاع المدني 152 جثة" من ركام المبنى حيث كان خليل ومن مبان أخرى محيطة. ويضيف "استمر العمل بعد ذلك ما بين 10 إلى 15 يوماً. كنا ننتشل قرابة 100 جثة في اليوم"، فيما كان القصف متواصلاً.
"الحرب الأكثر دقّة في التاريخ"
حينها، لم يكن قد مضى على تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة سوى شهرين، وكان تعهد بأنه سيقصف تنظيم الدولة الإسلامية حتى القضاء عليه. ويرى كثر أنه أعطى بذلك حرية التصرف لعسكرييه الذين أكّدوا أنهم يخوضون "الحرب الأكثر دقّة في التاريخ". لكن ما حصل في الموصل الجديدة يصعب إنكاره. اعترف البنتاغون فوراً بالمسؤولية.
ويرجع مدير منظمة "مركز من أجل المدنين في النزاع" غير الحكومية الأمريكية دانييل ماهانتي السبب في عدم وجود تعويضات إلى أن الجيش الأمريكي و"رغم إقراره بالخطأ... لم يضع قط أي نظام يسمح للعائلات بتقديم طلب تعويضات". ويضيف الخبير العسكري أن واشنطن "لا ترغب بوضع سياسة ستفتح الباب لاحقاً لعدد هائل من الشكاوى التي لن تتمكن من التعامل معها لاحقاً".
من 2014 وحتى 15 شباط/فبراير 2017، كان التحالف يعلن يوميا أسماء الدول التي تقوم بشنّ الغارات. بعد ذلك التاريخ، لم يعد التحالف يعلن عن تلك التفاصيل، فيما بدأ عدد الضحايا المدنيين بالارتفاع. وفي الموصل الجديدة، أقر الأمريكيون بمسؤوليتهم عن الضربات.
غير أن الناطق باسم التحالف الدولي الكولونيل الأميركي واين ماروتو أوضح لفرانس برس أن "القانون الأمريكي وقانون الحرب لا يلزمان الولايات المتحدة بتقديم تعويضات لجرحى أو عن أضرار تسببت بها عمليات قتالية قانونية". وأضاف أنه لتلك الأسباب "ومنذ 13 آذار/مارس 2015، دفع التحالف خمس دفعات تعويضاً عن "خسارة مدنية" ويجري العمل على دفع السادسة، بالإضافة إلى ثماني دفعات لقاء "تعزية" في العراق.
العراق ليس كالدول الأخرى
خارج العراق، وضع الجيش الأمريكي آليات تسمح بالوصول الى تعويضات. ففي الصومال حيث أحصت منظمة "ايروورز" سقوط مئة مدني خلال 14 عاماً، نشرت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) على الصفحة الرئيسية لموقعها الإلكتروني، رابطاً لاستمارة وعنوانا بريديا لتسجيل الضحايا المدنيين من خلالهما.
ولا وجود لأي استمارة أو عنوان مماثل على موقع "سنتكوم"، القيادة المركزية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل يبرز فقط بيان صحفي يعود لتاريخ 17 آذار/مارس 2017 يتحدّث عن "أربع ضربات" في الموصل دمّرت سيارات وأسلحة ومبنى "كان يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية"، وأفادت فرانس برس في ذلك اليوم أن القوات العراقية استعادت السيطرة على مسجد وسوق في الموصل القديمة.
وبعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ، تحررت المدينة وهزم التنظيم. ولا يزال الكثير من العراقيين يحاولون التأقلم مع خساراتهم وإصاباتهم. وحتى الآن، يواجهون صعوبةً في ذلك.
ع.ح./ع.ش. (أ ف ب)