العدالة الاجتماعية أبرز تحديات الاقتصاد الأوروبي
١٢ أغسطس ٢٠١٣"إنه الاقتصاد أيها الغبي"، هذه الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أثناء حملته الانتخابية عام 1992، ليعبر بها عن أهمية الاقتصاد في عالم السياسية. وهو ما أكدته المستشارة الألمانية ميركل، التي حضرت دورة هذا العام للحفل السنوي لرابطة الصناع الألمان، احتفاء بالصناعة الألمانية. ميركل تشارك في الاحتفالات سنويا، وتلقي كلمة فيها، وهذا العام عمدت إلى تقديم شكرها إلى الشركات الأوروبية، "لما تقدمه من خدمة لرخاء ألمانيا وأوروبا".
المعارضة بدورها، اغتنمت أيضا فرصة المشاركة في هذه المناسبة، خاصة وأن ثلاثة أشهر فقط تفصلها عن موعد الانتخابات البرلمانية الألمانية. وعمد كل ممثلي الأحزاب الألمانية المعارضة إلى تثمين جهود الشركات الألمانية للرفع من مستوى الاقتصاد الأوروبي، كما أوضح بيتر شتاينبروك زعيم الحزب الاجتماعي الديموقراطي، ومرشحه في الانتخابات البرلمانية القادمة حيث قال إن "ألمانيا هي قاطرة اللاقتصاد الأوروبي، ولذلك سأعتمد سياسية تركز على تأمين ودعم الإنتاج الصناعي".
أما على المستوى الوطني، فتساهم الصناعة في ألمانيا في الرخاء بمستوى الربع. فالشركات المنظمة تحت لواء رابطة الصناع الألمان BDI تشغل أكثر من ثمانية مليون عامل، وهذا ما يجعل رئيس الرابطة أولريش غريلو يقول "الصناعة وحدها هي التي أنقذت ألمانيا من الأزمة المالية التي عصفت بأوروبا. وهذا هو النهج الذي اتبعه البلد منذ 150 عاما"، مشيرا إلى أن "كل ضعف يحصل في أوروبا يرتبط بوضع البنية الصناعية، وهو ما يرادفه ارتفاع مأساوي في عدد العاطلين عن العمل واختلال مجتمعي".
نقاط قوة الصناعة الألمانية
وفي حقيقة الأمر لا تلعب الصناعة دورا محوريا في اقتصاد الدول الأوروبية عدا في ألمانيا. ففي بريطانيا على سبيل المثال، لم يعد هذا القطاع يساهم سوى بـ 11 الى 12بالمائة من الإنتاج العام. أما في إيطاليا، حيث القطاع الصناعي يحظى بأهمية أكبر، فإن الشركات الإيطالية لا تستطيع مجاراة النجاح الذي تحققه الشركات الألمانية. ويعود السبب في ذلك إلى أن تألق الصناعة الألمانية مرتبط بثلاث نقاط رئيسية:
الأولى تكمن في أن القطاع الصناعي تديره الشركات المتوسطة، التي يعرفها السجل المعتمد داخل ألمانيا، بأنها مؤسسات تشغل خمسمائة عامل على الأقل، وعائداتها لا تزيد عن خمسين مليون يورو سنويا.
إضافة إلى ذلك، يتم تنفيذ عملية الإنتاج بجميع مراحلها في البلاد، بدءا من توفير المواد الأولية إلى غاية المراحل الأخيرة لتصنيع المنتوج. أما النقطة الأخيرة فتكمن في أن الشركات المتوسطة، تمتلكها عائلات لها تقاليد عريقة في مجال الإنتاج الصناعي، وتشير الأرقام إلى أن أربع شركات من بين خمسة تديرها تلك العائلات.
ثمرة لسلسة من الإصلاحات
في عام 2009 عصفت الأزمة الاقتصادية بالنمو الاقتصادي في ألمانيا، كما كان الشأن في باقي الدول الصناعية الأخرى. لكن برلين احتاجت لسنتين لتحقق من جديد معدل النمو الاقتصادي المسجل قبل الأزمة. وذلك حين بلغت نسبة النمو عام 2010 4,2 بالمائة. وفي هذا العام تصدرت ألمانيا قائمة الدول الأوروبية بأعلى نسبة نمو، حتى ولو تعلق الأمر بـ0,5 بالمائة فقط.
وإذا كانت ألمانيا بداية التسعينيات قد وصفت بـ"رجل أوروبا" المريض، فإن الإصلاحات التي قامت بها حكومة المستشار السابق غيرهارد شرودر، والتي طالت قطاع التشغيل والمساعدات الاجتماعية والدعم الحكومي للقطاع الزراعي، وغيرها، دفعت بألمانيا لتستعيد قوتها وعافيتها. بيد أن المراقبين للوضع يرون أنه بعد التحالف الحكومي الجديد بين الحزب المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل والحزب اليبرالي تراجع النهج الإصلاحي بقوة، وتم التركيز أثناء مراحل الأزمة على تقليص الخسائر بقدر المستطاع. فبقيت المشاكل التي تواجهها ألمانيا تشبه المشاكل المطروحة في باقي الدول الأوروبية. ويرتبط الأمر في رأي الشركات بالبيوقراطية الجامدة والنقص القائم في العمالة المتخصصة، وتكاليف المواد الطبيعية والطاقة. أما من وجهة نظر الساسة، فالتحديات تكمن في توفير الطاقة، وفي انعكاسات التحول الديموغرافي في المجتمعات الأوروبية والتقليص من الديون السيادية وتقنين أسواق المال.
العدالة الاجتماعية
وأمام تردي الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بشكل عام، بات المطلب نحو عدالة اجتماعية أكثر إلحاحا من ذي قبل. وهو المطلب ذاته الذي من المنتظر أن يفرض نفسه في الانتخابات الألمانية القادمة. خاصة وأن التقرير الأخير لمكتب الشغل الفيديرالي الألماني أثبت أن بين أربعة عمال يحصل واحد منهم على أجر متدن لا يكفي لتوفير عيشه، ومن ثمة فهو مجبر على أخذ مساعدات اجتماعية رغم قيامه بعمل يومي.
وهذا ما دفع برئيس رابطة الصناع الألمان إلى دق أجراس الخطر، والتحذير من أن العدالة الاجتماعية لا يمكن لها أن تتحقق إلا بموازاة مع النمو الاقتصادي، عبر استثمارات جدية في قطاعات التعليم، والبنى التحتية والطاقة، مضيفا أن ألمانيا تعد قدوة لأوروبا، ولا يمكننا الإستمرار في ذلك، إلا إذا ما نهجنا خطط المستقبل في مسار صحيح".