الطابع التجاري ما يزال يغلب على علاقات ألمانيا الاقتصادية مع العالم العربي
٢٦ يونيو ٢٠٠٨بدأت اليوم في العاصمة الألمانية برلين أعمال الملتقى الاقتصادي العربي الألماني بحضور أكثر من 900 مشارك من مسئولين ورجال أعمال عرب وألمان. ويتقدم المشاركون في هذا الحدث السنوي، التي تستمر أعماله حتى يوم غد الجمعة وزير الاقتصاد الألماني ميشائيل جلوز، الذي يرعى المؤتمر، ومقبول بن علي سلطان وزير التجارة والصناعة في سلطنة عمان، شريك الملتقى الرئيسي لهذا العام. وستركز محاور الملتقى على التعاون بين الطرفين العربي والألماني في مجالات البنية التحتية ، والطاقة ، والتدريب والتأهيل، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة ونقل التكنولوجيا والخدمات المالية.
ويأتي انعقاد الملتقى في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية تطورات إيجابية متسارعة، خاصة على صعيد الصادرات الألمانية التي بلغت قيمتها خلال العام الماضي 2007 أكثر من 23.3 مليار يورو مقابل حوالي 18.6 مليار يورو خلال عام 2005. مقابل ذلك بلغت قيمة الواردات الألمانية من العالم العربي خلال عام 2007 فقط 10.6 مليار يورو رغم ارتفاع أسعار النفط، مقابل أقل من 10.4 مليار يورو في عام 2005.
أما الاستثمارات الألمانية المباشر في الدول العربية فما تزال محدودة للغاية، إذ لا تقدر قيمتها بأكثر بين 700 إلى أقل من مليار يورو، وهو مبلغ محدود إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاستثمارات الألمانية المباشرة في الخارج تزيد على 500 مليار يورو.
مطلوب الخروج من دائرة التعاون التجاري إلى دائرة الاستثمار المباشر
الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية عبد العزيز المخلافي يرى في تطور التجارة العربية الألمانية المتواصل منذ سنوات نقلة نوعية في هذه العلاقات. غير أن هذا التطور ليس الحالة المثالية التي يطمح إليها الطرفان، لا سيما الطرف العربي، الذي يصبو إلى استثمارات ألمانية مباشرة في الدول العربية بغية تعميق التعاون في مجالات الإنتاج والتسويق ونقل المعارف والخبرات.
ورأى المخلافي في توجه المزيد من الشركات الألمانية مؤخرا للعمل في مختلف القطاعات في الإمارات العربية المتحدة بداية في اتجاه توسيع نطاق التعاون إلى خارج المجال التجاري، وهو أمر يمكن أن يتعمم لاحقا في دول عربية لديها فرصا استثمارية كبيرة وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
أما محمد العرابي، عميد السلك الدبلوماسي العربي وسفير جمهورية مصر العربية في ألمانيا فيرى أن ضعف الاستثمارات الألمانية في العالم العربية يعود إلى تركيزها على الاستثمار في شرق ألمانيا أو ألمانيا الشرقية سابقاً ودول شرق أوربا وشرق آسيا حيث الأسواق واسعة وأعلى نموا مقارنة بالدول العربية. غير أن المخلافي يرى تحديات جديدة تواجه الجميع في مجالي المناخ والطاقة والأغذية وغيرها. هذه التحديات تفرض على الجميع التعاون المشترك للتغلب عليها.
وفي هذا السياق لفت السفير المصري الانتباه إلى أن الشركات الألمانية بدأت تهتم بشكل أكثر من ذي قبل بالأسواق العربية. ويتركز هذا الاهتمام على قطاعات عديدة وفي مقدمتها السياحة والطاقة المتجددة.
هذا الاهتمام المتزايد يلحظه كذلك سليمان السياري، رئيس الشركة السعودية الألمانية للتطوير/ساجيكو والنائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية على صعيد الاهتمام بالاستثمار في السعودية. يقول السياري: "منذ فترة يتزايد عدد الوفود الاقتصادية الألمانية التي تزور المملكة لاستقصاء فرص الاستثمار على أرض الوقع في مجالات الصناعات الكيميائية والمواد الغذائية وغيرها". كما يضيف أن عدد المشاريع، التي تم البدء بتنفيذها بشكل مشترك بين الجانبين، قد ارتفع بشكل كبير.
"المخاطرة ليست مبررا لعدم توجه الاستثمارات الألمانية إلى العالم العربي"
غير أن هناك من يشكك في أن التوجه الجديد سيغير كثيرا على أرض الواقع فيما يتعلق بالاستثمارات الألمانية المباشرة في العالم العربي خلال السنوات القليلة القادمة. ويعود السبب في ذلك حسب مستثمرين ألمان إلى نسبة المخاطرة العالية على الصعيد السياسي وعلى صعيد أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط.
غير أن رجال أعمال عرب على غرار رجل الأعمال السوري البروفسور ممتاز نحاس، لا يرى في وجود مخاطر مبررا كافيا لعدم توجه الاستثمارات الألمانية إلى الدول العربية، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه المخاطر موجودة في جميع الدول بنسب مختلفة. ويرى البروفسور نحاس أن هناك مؤسسات ضمان عربية يمكن التأمين عن طريقها خلالها على الاستثمارات بشكل يجعل نسبة المخاطرة شبه معدومة.
أما جوزيف شلايشر، من مؤسسة دايملر المساهمة، فيرى بأنه يمكن التغلب على ضعف الاستثمارات المباشرة بين الطرفين عن طريق مزيد من الاستثمار في مجال التعليم والتأهيل. فالكفاءات ستشكل "صلة وصل للقيام بنقل التكنولوجيا الألمانية إلى الدول العربية وتبادل الخبرات مع ألمانيا". كما ذكر نحاس في هذا السياق بأنه على الشركات الألمانية القيام بمبادرات لدعم مدارس التأهيل المهني في الدول العربية بغيت تشجيع العلاقات، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل على الأصعدة السياسية والثقافية والعلمية.
وينظم الملتقى منذ انطلاقته في عام 1998 غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية بمساندة سفارات الدول العربية في ألمانيا وبالتعاون مع اتحاد غرف التجارة والصناعة الألماني، والاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، واتحادات غرف التجارة والصناعة في الدول العربية. وقد اعتاد الملتقى على استضافة إحدى الدول العربية شريكا رئيسيا لفعالياته. وقد تم خلال دوراته الماضية استضافة كل من المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، ودولة الكويت والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
إبراهيم محمد