العلاقات الاقتصادية الألمانية الخليجية على طريق الشراكة الاستراتيجية
٨ نوفمبر ٢٠٠٦أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي الست أهم شريك تجاري للاقتصاد الألماني في منطقة الشرق الأوسط بعدما تبوأت إيران وتركيا هذا الدور سابقا. وقلما تطورت العلاقات التجارية بين ألمانيا ودول أخرى كما تطورت بينها وبين دول المجلس خلال السنوات الخمس الماضية، هذا ما تفيد به المعطيات الإحصائية التي تشير إلى ازدياد التبادل التجاري بين الطرفين بنسبة زادت على 48 بالمئة خلال الفترة المذكورة. وفي هذا السياق صرح برند بفافنباخ، وكيل وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية إن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت أهم من أسواق بلدان آسيان بالنسبة للاقتصاد الألماني. وقال بفافنباخ إن الصادرات الألمانية إلى هذه الدول وصلت إلى نحو 11 مليار يورو خلال العام الماضي لتزيد بأكثر من 1.5 مليار يورو عن مثيلتها إلى منطقة آسيا. وأضاف في كلمة أمام المشاركين في ندوة عقدت أمس في برلين حول تنمية التعاون الاقتصادي بين دول المجلس وألمانيا إن التجارة الألمانية الخليجية شهدت معدلات نمو قياسية خلال السنوات الخمس الماضية، فخلال العام الماضي مثلا نمت بنسبة 22 بالمئة على صعيد الصادرات و12 بالمئة على صعيد الواردات.
آفاق واسعة للاقتصاد الألماني في منطقة الخليج
وأضاف المسؤول الألماني في الندوة التي أقيمت في إطار فعاليات أيام دول مجلس التعاون الخليجي في برلين خلال يومي 8 و 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إن ألمانيا مقبلة على شراكة تتجاوز العلاقات التجارية مع دول المجلس على ضوء منطقة التجارة الحرة الخليجية الأوروبية المشتركة التي يتوقع الاتفاق عليها قبل نهاية العام الجاري. ومما تعنيه هذه الشراكة فتح أسواق الخليج بشكل أوسع أمام الاستثمارات والخدمات الألمانية التي ما تزال محدودة هناك. وفي هذا الإطار سيكون هناك فرصا كبيرة لنقل التكنولوجيا والمعارف الألمانية إليها. ويبرز ذلك بشكل خاص في مجالات البيئة والمياه وباقي قطاعات البنية التحتية التي تحتل ألمانيا موقعا متقدما في صناعة تجهيزاتها على الصعيد العالمي.
على الجانب الخليجي ستعني المنطقة السماح بدخول المنتجات الخليجية غير النفطية، لاسيما منتجات الألمنيوم والبتروكيماويات إلى الأسواق الأوروبية دون فرض رسوم جمركية عليها. وسيكون من نتائج ذلك مزيد من التحسن على صعيد التبادل السلعي بين الطرفين. وفي هذا الإطار سيكون أمام بلدان الخليج فرصة ذهبية لتحسين ميزانها التجاري الخاسر منذ عقود مع بلدان الاتحاد الأوروبي.
منطقة التجارة الخليجية الأوروبية على الأبواب
بعد سنوات من التعثر والركود استمرت منذ عام 1988 وصلت المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى اتفاقية لإقامة منطقة تجارة حرة خليجية أوروبية مشتركة إلى مراحلها النهائية خلال جولات المحادثات المكثفة التي عُقدت منذ أواسط العام الماضي 2005. وقال رئيس بعثة مجلس التعاون الخليجي لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل السفير حمد أحمد عبد العزيز العامر في الندوة المذكورة أعلاه إن جميع الخلافات حلت ولم يبق سوى جزئيات تتعلق بتحرير قطاعات الخدمات والاستثمار والمشتريات الحكومية، إضافة إلى وضع آليات لتطبيق القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرة بشكل أكثر دقة. وتوقع العامر التوصل إلى اتفاق بشأنها خلال جولة المفاوضات القادمة في الرياض قبل نهاية هذا العام. وعلى الجانب الآخر أظهرت دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا استعدادها لإلغاء الرسوم الجمركية عن المنتجات البتروكيمياوية ومنتجات الألمنيوم الخليجية في هذه الجولة. وبذلك سيصبح الباب مفتوحا أمام توقيع اتفاقية المنطقة المذكورة قبل حلول العام القادم. وقال العامر إن دول المجلس تتطلع من خلال الاتفاقية إلى شراكة اقتصادية وسياسية مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن هناك توافق معها حول مجمل القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
ألمانيا تريد شراكة استراتيجية مع دول الخليج
يأتي التقدم الكبير في مفاوضات الشراكة الأوروبية الخليجية على ضوء تزايد المصالح المشتركة بين الطرفين. ولا تقتصر هذه المصالح على الشأن الاقتصادي، وإنما تتجاوزها إلى الأهمية الجيوسياسية والحيوية لمنطقة الخليج بالنسبة إلى أوروبا. ويزيد من هذه الأهمية احتواء منطقة الخليج على أضخم مخزون من الثروة النفطية في العالم. وتشكل هذه الثروة أحد أهم عجلات الاقتصاديات الأوروبية التي تفتقر إلى هذه الثروة في معظمها. كما تشكل حجر الأساس في الاستقرار العالمي على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وقد وعت ألمانيا هذه الأهمية منذ سنوات، وعلى هذا الأساس أعطت حكومة المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر أهمية خاصة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى درجة أنه دعا إلى إقامة شراكة استراتيجية معها. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الألمانية شتاينماير في زيارته الأخيرة إلى عدة دول خليجية عندما أكد على أهمية هذه الدول وفي مقدمتها السعودية في ضمان الاستقرار المذكور. وعلى هذا الأساس دعا إلى تكثيف التعاون الخليجي الأوروبي في المجالات السياسية بهدف التوصل إلى استقرار منطقة الشرق الأوسط من خلال إيجاد حلول دائمة لمشاكلها. وفي هذا السياق سبق للوزير الألماني أن دعا قبل ذلك إلى إقامة منظمة تعاون وأمن شرق أوسطية على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ابراهيم محمد