السينما الفلسطينية تشهد ولادة جديدة
٤ مايو ٢٠٠٥عرفت السنوات القليلة الماضية حضورا قويا لأفلام تسجيلية وروائية وضعت الصراع العربي الإسرائيلي في خضم اهتمامها ولم يخلُ مهرجان دولي واحد وخاصة المهرجانات الأوروبية من تقديم أفلام تتناول هذا الصراع وتأثيره على حياة الفلسطينيين. وفي حين كان التمثيل العربي ضعيفا في آخر مهرجانيين نظما في بداية العام الجاري هما مهرجان برلين السينمائي "برليناله" ومهرجان روتردام في هولندا، حصدت أفلام فلسطينية وأخرى عن القضية الفلسطينية استحسان نقاد السينما وجوائز قيمة وظهرت أسماء مخرجين شباب لم يعرفها عشاق السينما من قبل، مثل هاني أبو أسعد (عرس رنا) و(الجنة الآن) وتوفيق أبو وائل (عطش) ورشيد مشهراوي (أخي عرفات). ويرى مراقبو الحركة السينمائية أن صناع السينما الفلسطينيين تتوفر لديهم مقومات أفضل من غيرهم من الزملاء العرب، وذلك لتوفر قصص وحكايات ومواضيع كثيرة وناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين على أثر عن هذا الاحتلال.
جماعة السينما الفلسطينية
وبغض النظر عن خصوصية الوضع الفلسطيني وتوفر مواضيع تستحق المعالجة السينمائية لها، غير أن هناك تجربة غنية للسينما الفلسطينية، سواء السينما التي نشأت في إطار منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1967 في المنفى أو تلك التي نشأت في فلسطين في الثمانينيات من القرن الماضي. ونظرا لأهمية الفن السابع وصعوبته في الوقت ذاته وعدم وجود جهة فلسطينية معينة تعتني بهذا النشاط، تأسست في بيروت في عام 1973 جماعة السينما الفلسطينية بشرط إعادة تأسيس الجماعة مجددا في فلسطين. وبالفعل شهد عام 2003 أعادة تأسيس "جماعة السينما الفلسطينية" وتسجيلها رسميا كمؤسسة غير ربحية ومستقلة ماديا وإداريا ويكون مقرها رام الله. ووفقا لبرنامج الجماعة فإن المبادرة "تهدف إلى سد الفراغ الحاصل ومتابعة المسيرة السينمائية الفلسطينية على أسس واقعية والاعتماد على التطور التكنولوجي في مجال الفنون السمعية والبصرية." ويرى المسؤولون عن الجماعة أنفسهم "كجزء من الحركة الثقافية التقدمية العربية والعالمية التي تؤمن بحق الشعوب بالحرية والديمقراطية والمساواة وحق الشعوب في تقرير المصير."
"عطش" الفلسطينيين للحرية والحياة
لفت فيلم المخرج الفلسطيني الشاب توفيق أبو وائل "عطش" انتباه النقاد السينمائيين وعشاق السينما. صحيح أن المخرج (29 عاما) سبق له وأن أخرج أفلاما روائية وتسجيلية قصيرة مثل "يوميات عاهر" و"بانتظار صلاح الدين" و"الرابع عشر"، ولكن فيلمه "عطش" جاء لينقل المخرج الذي ولد في مدينة أم الفحم إلى دائرة الضوء، فقد حصل في مهرجان "كان" السينمائي الأخير على جائزة الكاميرا الذهبية وعلى جائزة التحكيم في مهرجان السينما العربية الأخير والذي نظم في العاصمة الفرنسية. وبالرغم من حداثة عمر المخرج الشاب، إلا أنه أصاب في أفلامه الأولى عصب الوقت وتطرق فيها إلى مسائل حساسة وجريئة وفي بعض الأحيان محرمة مثل الاغتصاب. ففي فلمه "يوميات عاهر" جاء اغتصاب الجندي الإسرائيلي للأم إشارة إلى اغتصاب الأرض. وفي فيلمه الأخير "عطش" يتناول أبو وائل مشكلة الاغتصاب من جديد، ولكن في هذه المرة يغتصب رجل لا يتعرف عليه المشاهد إلا من خلال صورة احتفظت بها ابنة أبو شكري المُغتصبة جميلة في صندوق أسرارها. ويسرد الفيلم الذي حصد منذ بدء عرضه في دور السينما الألمانية انتباه نقاد السينما في ألمانيا قصة عائلة أبو شكري (رب العائلة أبو شكري، ابنته البكر جميلة، البنت الصغرى حليمة، الابن شكري، وأم شكري) التي انزوت على نفسها في واد بالقرب من مدينة أم الفحم مسقط رأس المخرج. ولم يأت انزواء العائلة في هذا الوادي الموحش إلا نتيجة حادثة الاغتصاب التي تعرضت له ابنة أبو شكري جميلة. ولكن أبو شكري رفض قتل ابنته تمشيا مع العادات والتقاليد ورحل مع عائلته إلى الوادي الذي سبق للجيش الإسرائيلي وأن استخدمه لإجراء تدريبات على حرب الشوارع. ورغم أن الفيلم يتطرق إلى مشكلة اجتماعية تقتصر أبعادها وتبعاتها على عائلة فلسطينية، غير أن المخرج نجح بلا شك في نقل البعد السياسي لهذه المشكلة وجعل نموذج هذه الأسرة رمزا لشعب بأكمله.
"ينقصنا جهة تقدم لنا يد المساعدة"
وفي مقابلة خص بها المخرج توفيق أبو وائل موقعنا "دويشه فيله" قال المخرج الشاب إن السينما الفلسطينية "تعيش في الوقت الحاضر ولادة جديدة". وأضاف المخرج إن هذه الانطلاقة الجديدة مستمرة وبدأت بعدة مخرجين مثل إيلي سليمان وهاني أبو أسعد، ولكن هناك جيل جديد من المخرجين والممثلين الفلسطينيين الذين كشفوا في الآونة الأخيرة عن قدراتهم التمثيلية والإخراجية. وعزا أبو وائل هذه الظاهرة للحاجة الماسة للفلسطينيين لاستخدام الفن السينمائي كأداة للتعبير عن معاناتهم والوضع الخاص الذي يعيشون فيه. أما بخصوص جهة داعمة تأخذ على عاتقها مهمة تقديم يد المساعدة لمخرجين شباب، قال أبو وائل إن المشكلة الأساسية التي تواجه جيل السينمائيين الفلسطينيين الشاب هو "عدم وجود جهة، سواء فلسطينية أو عربية تتبناه وتقدم له العون والمساعدة" ولهذا فإنهم يضطرون إلى اللجوء إلى جهات أوروبية وإسرائيلية من أجل الحصول على تمويل لفيلم ما. وناشد أبو وائل زملاءه العرب بعدم الاعتقاد أن المخرجين السينمائيين الفلسطينيين يسعون إلى التطبيع مع إسرائيل، مشيرا إلى أنهم يضطرون "إلى التسول" من جهات أجنبية أو إسرائيلية للحصول على تمويل أفلامهم ومشاريعهم السينمائية.
ناصر جبارة