السلفية الجهادية: من يعتدي على المتظاهرين في سوريا؟
٢٣ أبريل ٢٠١١منذ ما عرف بـ"غزوة الصناديق" وليس من حديث في مصر سوى الحركة السلفية والتحذير من سيطرتها على الشارع المصري بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير. والحكاية بدأت بتصريح لأحد أقطاب السلفية في مصر هو الشيخ محمد حسين يعقوب. فقد ظهر هذا الشيخ على الملأ، بعد يوم واحد من إقرار التعديلات الدستورية، ليصف الاستفتاء على بعض مواد الدستور المصري بـ"غزوة الصناديق التي حسمت لصالح الإسلاميين وهزم فيها العلمانيون"، على حد قوله. ولم يكتف الشيخ السلفي بذلك بل أضاف قائلا "الناس قالت نعم للدين ولا للعلمانية والمدنية، دي بلدنا واللي مش عاجبه يهاجر".
هذا التصريح وما أثير عن قيام السلفيين في محافظة قنا بمصر بقطع أذن رجل قبطي بحجة أنه يؤجر إحدى شققه لامرأة "سيئة السمعة" أثار الرعب في قلوب المصريين. وأخذ الناس يتساءلون عما جلبته لهم ثورتهم. إلا أن المفكر السوري المعروف برهان غليون يحذر من الحديث عن السلفية وكأنها تيار واحد أو أن كل المسلمين المتدينين سلفيون مطالبا بضبط المصطلح. وحين تُحدد له المقصود بالسلفية بأنه التيار المعروف بالسلفية الجهادية التي انبثق عنها تنظيم القاعدة بفروعه في جزيرة العرب والمغرب الإسلامي، يقول إن هذه الحركة شهدت تراجعا هائلا في السنوات الأخيرة.
الحركة السلفية أقلية في العالم العربي
ويضيف غليون، في حوار مع دويتشه فيله، أن السلفية الجهادية "أقلية صغيرة داخل الحركات الإسلامية أو ما يمكن أن نسميه الإسلام النشط أو الإسلام السياسي". لكن هناك أشكالا مختلفة لبروزهم، حسب مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في السوربون. ففي دولة كمصر أو حتى في تونس، حيث الصراع صار قويا، يبرز هؤلاء "كأقلية نشيطة مثيرة للانتباه وهو ما يدفع وسائل الإعلام إلى تلقف كل ما يصدر عنها؛ وهي بالأساس مثيرة للانتباه بتقاليدها ومطالبها التي لا تنسجم مع مطالب غالبية الجمهور العربي التي تنادي بدولة مدنية وبالديمقراطية في البلدان العربية".
أما الباحث الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية فيرى أن جذور السلفية تمتد إلى الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن تيمية وبعدهما إلى الحركة الوهابية ومن ثم الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده والحركات السلفية التي انتشرت في شمال إفريقيا والتي ارتبطت أيضا بمقاومة الاستعمار. وحسب أبو هنية فإن الحركة السلفية تطورت في السنوات الأخيرة إلى سلفيتين: السلفية التقليدية أو العلمية والسلفية الجهادية. ويضيف أبو هنية، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "السلفية العلمية، أو التقليدية، تكاد تكون جزءا من الأنظمة الأمنية ومن الجهاز الإيديولوجي للدولة. فهي تستخدم في إصدار فتاوى تؤيد الأنظمة الحاكمة وتسبغ الولاء على الحاكم باعتباره من ولاة الأمر".
السلفية الجهادية والحركة الاحتجاجية المناهضة للنظام السوري
أما السلفية الجهادية، التي تطورت إلى تنظيم القاعدة، فهي "تتبنى رؤية طهورية وتقوم إستراتيجيتها على استخدام العنف لتغيير الأنظمة الحاكمة وتكفيرها". ويتفق أبو هنية مع غليون بأن هذه الجماعات (السلفية الجهادية) ورغم حضورها في وسائل الإعلام، فإن حضورها على الأرض ضعيف. فبالرغم مما نشر عن نزول آلاف السلفيين إلى الشارع في الأردن بالسكاكين والسيوف واصطدامهم برجال الأمن وإصابة أكثر من ثمانين عنصر من هؤلاء فإن الباحث الأردني يجزم بأن عدد المنتسبين إلى الحركة السلفية الجهادية في الأردن لا يتعدى ألف شخص. وحين تحدى هؤلاء النظام الأردني فإن الأخير شن حملة عليهم واعتقل معظم رموزهم ومفاتحيهم القيادية.
ويرى أبو هنية أن استخدام السلفية لتخويف الشارع في الداخل أو استجلاب العطف من الخارج إستراتيجية مضمونة للأنظمة التي تواجه حركات احتجاجية، سواء كانت في ليبيا أو في اليمن أو سوريا أو حتى في الأردن. ويسخر برهان غليون من قيام الحكومة السورية باتهام الحركة السلفية بالوقوف وراء أعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات التي تعم منذ أسابيع في عدة مدن سورية. ويضيف غليون أن "النظام السوري يواجه انتفاضة حقيقية من أجل الديمقراطية والحرية في بلد حرم منها وخضع لقوانين الطوارئ لمدة نصف قرن تقريبا". وحاول النظام، والكلام لغليون، في البداية أن يقول إن هناك جماعات مندسة بين المتظاهرين لا يمكن التحقق من هويتها، وبعد ذلك اتهموا جماعات إسلامية مسلحة مدعومة ـ على حد قول النظام السوري ـ من جهات لبنانية بإطلاق النار على المتظاهرين وعلى رجال الأمن في الوقت نفسه.
ويتهم المفكر السوري المعروف حكومة بلاده بأنها وبعد أن "فشلت في جر البلاد إلى فتنة طائفية وبعد أن فشلت أيضا في إقناع الناس بوجود مؤامرة خارجية لجأت إلى اتهام السلفيين، وكأن هؤلاء أتوا من الغيب لمساعدة النظام. لكن هذه الحجة لن تنطلي على أحد، فالشعب السوري لم يسمع من قبل بوجود جماعات سلفية بين ظهرانيه تحمل السلاح وتعتدي على المتظاهرين وضباط الجيش وتمثل بجثثهم". ويؤكد غليون بأن النظام السوري استخدم الحركة السلفية الجهادية اللبنانية لأغراض سياسية خصوصا في العراق بعد الغزو الأمريكي؛ وهو "يحاول الآن أن يروع السوريين من خلال الادعاء بوجود حركة سلفية جهادية قوية في سوريا وهو ما يجافي الواقع".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي