السعودية وإيران.. ماذا سيربح الشرق الأوسط من مصالحة الخصمين؟
٣٠ أبريل ٢٠٢١تصالح مع قطر، تبادل رسائل ودية مع تركيا، والآن غزل متبادل مع إيران. يظهر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مرحلة جديدة من العلاقة مع جيرانه والقوى الإقليمية، عنوانها تقليل التوتر والبحث عن المصالح المشتركة. الأمر يتعلق هذه المرة بقوتين إسلاميتين وقفتا على طرف النقيض وتبادلا عبارات العداء ودارت بينهما حروب بالوكالة في أكثر من بلد، ما يجعل إمكانية الصلح بينهما حدثًا لا يمر مرور الكرام.
كان تصريحًا لافتًا من محمد بن سلمان عندما قال في مقابلة صحفية "إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها"، ثم أضاف: "نريد أن تكون إيران مزدهرة، لدينا مصالح معها ولديهم مصالح معنا"، رغم أنه استدرك القول بوجود "تصرفات سلبية لإيران في البرنامج النووي والصواريخ الباليستية ودعم ميليشيات خارجة عن القانون"، في إشارته للحوثيين، لكنه مع ذلك استطرد بأنه يتم العمل لإيجاد حلول للإشكاليات وتجاوزها.
تصريحات بن سلمان أكدت ما نقلته صحيفة الفاينانشال تايمز قبل أيام عندما ذكرت أن "مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات"، وأن الجولة الأولى من المحادثات جرت في بغداد يوم التاسع من أبريل/نيسان.
"واضح أن الاجتماعات التي جرت في بغداد كانت إيجابية وتعبر عن رغبة الطرفين في كسر الحواجز بينهما" يقول المحلل اللبناني أمين قمورية لـ DWعربية. الرد الإيراني على تصريحات بن سلمان جاء ليؤكد حسن النية، إذ صرحت الخارجية الإيرانية بأن الطرفين يمكنهما "وضع خلافاتهما السابقة جانبًا وبدء فصل جديد من التفاعل والتعاون من خلال الحوار البناء".
هل هناك إمكانية حقيقية للصلح؟
قُطعت شعرة معاوية بين الطرفين عام 2016 عندما أعلنت الرياض قطع علاقاتها مع طهران بعد هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية ردًا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
يعود الخلاف الكبير إلى التوجه الديني بين مملكة سعودية تتزعم الإسلام السني وجمهورية إيرانية تتزعم الإسلام الشيعي، خصوصا منذ اتباعهما استراتيجية نشر نمط التدين السائد فيهما. احتك الطرفان أكثر من مرة مؤخرًا، منذ أحداث الربيع العربي إلى الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين، وما تعتبره السعودية تشجيعًا إيرانيًا للحركات الشيعية في الخليج، ووصل التوتر حد اتهام طهران للرياض بمنع الإيرانيين من أداء الفريضة.
لذلك هناك من يرى أن الصلح صعب بسبب هذه الخلافات العميقة. جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب، يرى أنه "من الصعب جدًا أن تتحول العلاقة ما بين السعودية وإيران من الخصومة إلى الصداقة"، لأن المشكلة حسب قوله "لا تتحدد بالاختلاف في المصالح السياسية والاقتصادية بقدر ما يمكن وصفه بصراع إيديولوجي بينهما"، متحدثا لـDW عربية عن أن هناك "تسابقًا كبيرًا على النفوذ والسيطرة بينهما، خصوصًا منذ تراجع دول في المنطقة كالعراق".
لغة المصالح أقوى
ومع ذلك فلغة المصالح تجبر الفرقاء على التقارب، خصوصًا عندما يتبين أن الإمعان في العداء يعود سلبًا على البلدين. الظرفية الحالية تختلف كثيرًا مع وجود رئيس أمريكي، هو جو بايدن، يدفع نحو تحقيق تقدم في الملف النووي عكس سلفه دونالد ترامب الذي كان يحرّض دول المنطقة أكثر على مقاطعة إيران. يتحدث جاسم هنا عن أن إدارة بايدن تظهر كما لو أنها تخلت عن حلفائها في الخليج، بالتوازي مع الرهان على مهادنة ايران.
دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني في آخر أسابيع ولايته نحو إحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة حتى ينهي صداع رأس حقيقي عانت منه بلاده سياسيا واقتصاديا. ويرى قمورية أن التقدم الحاصل في الملف النووي الإيراني جعل السعودية تفكر في تلطيف الأجواء حتى لا تجد نفسها خارج الاتفاق.
لكن أكبر سبب للتقارب المحتمل بين الخصمين، هو حرب اليمن حسب قول قمورية: "الحرب صارت عبئًا على السعودية خصوصًا مع استمرار التهديد الحوثي على حدودها والضغط الأمريكي عليها لوقف إطلاق النار. الرياض تأكدت أنه من المستحيل حلّ هذه الحرب عسكريًا".
ويضيف قمورية أن مجيء بايدن وضع ضغوطًا كبيرة على الرياض خصوصًا مع إثارة إدارته لقضية مقتل جمال خاشقجي، ما جعل محمد بن سلمان يفكر في تقديم تنازلات وإعادة ترتيب المواقف، خصوصًا أن الدور الإقليمي للسعودية بين القوى الإسلامية تراجع في السنوات الأخيرة لصالح إيران وتركيا.
إيران بدورها تحتاج للمصالحة، إذ تدرك أن علاقة مثمرة مع السعودية تعني علاقات أفضل مع المحيط العربي. نجحت إيران في مخططاتها الإقليمية كاستمرار نظام الأسد وسيطرة الحوثيين على صنعاء وتقوي نفوذها في العراق ولبنان، لكن ذلك أتى بتكلفة باهظة ضاعفت من أعدائها في المنطقة وفاقم من التوتر مع الولايات المتحدة.
"السعودية تريد انسحابًا من اليمن يحفظ ماء الوجه، وايران تريد رفع العقوبات الاميركية والعودة الى الاتفاق النووي" يتحدث جاسم عن مصلحة الطرفين، مبرزًا أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف للعراق، يبعث برسالة أن طهران تريد اعتماد الدبلوماسية بدل سياسة الميدان، وإن كان هذا التوجه مرحلي وليس استراتيجيًا وفق قوله.
التقارب يساهم في الاستقرار
بعد المصالحة السعودية- القطرية، وإشارات المصالحة المصرية-التركية، والتطبيع بين بلدان عربية وإسرائيل، يظهر الوضع في الشرق الأوسط أقل توترًا ممّا كان عليه في السنوات السابقة. ويشير جاسم محمد إلى أن الطرفين لديهما حضور بشكل مباشر أو غير مباشر في كافة الصراعات الإقليمية وأيّ مصالحة ستكون بالتأكيد إيجابية.
يقول قمورية إن أكبر ملف سيتأثر إيجابيًا هو الملف اليمني، ويمكن للصلح بين الجانبين أن يدفع إلى إنهاء الحرب بشكل سلمي. الملف الثاني حسب قمورية هو اللبناني، إذ يمكن للجانبين المساهمة في حلّ الأزمة السياسية (توجد قوى سياسية في البلد موالية لواحد من الطرفين وهناك من يأتمر بأوامره كحزب الله)، ويمكن للتأثير أن يصل حد ّ الأزمة السورية وكذلك الوضع في العراق وفق تأكيدات المحلل.
كما سيربح العالم الإسلامي من هذا الصلح تخفيف التقاطب السني-الشيعي الذي كان أحد أسباب احتدام المعارك في سوريا وتردي الوضع الأمني في العراق واندلاع الأزمة اليمنية. لكن ذلك رهين بصعود أجيال جديدة في الدولتين تتخلى أو تقلل من حدة المشاريع القائمة على المذهب.
تظهر الصورة أكثر وردية في السعودية التي شرعت منذ مدة في التخلص من العباءة الوهابية المتشددة في إطار رؤية محمد بن سلمان، بينما لم تقدم إيران إشارات إيجابية كثيرة في هذا الصدد، ما قد يجعل تخفيف النزاعات السياسية بين القوتين الإسلاميين على كف عفريت ما لم يكن المدخل لذلك دينيًا كذلك.
إسماعيل عزام/و.ب