الحفلات الفنية في السعودية ـ انفتاح ترفيهي أم تلميع سياسي؟
١٦ يوليو ٢٠١٩لم تمض أيام على إعلان مغنية الراب الأمريكية نيكي ميناج انسحابها من حفل مقرر لها في السعودية، دعماً لحقوق المرأة والمثليين، وذلك بعد جدل واسع حول زيارتها، حتى عاد الجدل من جديد حول إقامة حفلات لفرق موسيقية عالمية في المملكة.
ففي نفس الأسبوع الذي أعلنت فيه ميناج إلغاء حفلتها المقررة ضمن فعاليات مهرجان جدة، أقامت فرقة سوبر جونيور الكورية حفلاً موسيقياً في المهرجان نفسه، لتكون أول فرقة كورية تعقد حفلاً موسيقياً من هذا النوع في المملكة.
وبعد استضافة هذه الفرقة الكورية المعروفة في مجال موسيقى K-Pop، وهي موسيقى مصحوبة باستعراضات راقصة، أعلن مدير هيئة الترفيه السعودية أنهم تواصلوا مع فرقة كورية أخرى مشهورة بتقديم النوع الموسيقي نفسه، وهي فرقة BTS. ومن المقرر أن تعقد الفرقة أولى حفلاتها في السعودية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وتثير إقامة هذه الحفلات في السعودية تساؤلات حول غاية قيادة المملكة من ذلك، خصوصاً أنها تأتي مع استمرار انتقادات المنظمات الدولية للرياض بشأن ملفات حقوق الإنسان.
فبعد إلغاء نيكي ميناج لحفلها، أكدت منظمة العفو الدولية في تغريدة لها على أن ذلك "يجب أن يكون تذكيرًا للسلطات بأن تتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان في داخل وخارج البلاد".
غايات سياسية واجتماعية
وتحتجز السعودية ناشطات لاتهامات تتعلق بنشاطهن في مجال حقوق الإنسان والتواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب في قضية لاقت اهتماما عالميا بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول العام الماضي.
وترى سوزانا كولبل، الكاتبة الصحفية في مجلة دير شبيغل الألمانية والمطلعة على الأوضاع في السعودية، أن إقامة الحفلات الموسيقية في السعودية تشير إلى أن المملكة تريد أن تظهر نفسها بصيغة جديدة، وتتابع لـDW: "موسيقى البوب والتجارة والسياسة تتحد هنا".
وتؤكد كوليل أن لإقامة هذه الحفلات في السعودية غايات سياسية واقتصادية بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي، وتوضح: "لهذه الحفلات وظيفة اجتماعية لكي يعيش الشباب كبقية شباب العالم (...) وتسعدهم وترضيهم لينفسوا عن أنفسهم، فلم يكن هناك شيء مسموح به في المملكة".
وتضيف الكاتبة: "لكن لها جوانب سياسية أيضاً وهي إرسال إشارات واضحة بدحر التطرف والتوجه إلى الغرب (...) وهذه الحفلات سياسية لأنها كسرت التقاليد التي كانت ترى الموسيقى شيئاً يستحق الشجب".
ورغم أن ولي العهد السعودي يريد أن يجعل المجتمع منفتحاً، كما ترى كوليل، إلا أنها تشير إلى أن السعودية "لن تنفتح سياسياً"، وتضيف: "من الواضح أن السعودية ستبقى دكتاتورية تصدر قوانين لا يمكن التظاهر ضدها، ومن يعترض عليها يواجه عقوبات كبيرة".
جدل على مواقع التواصل
ويبدي سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي سعادتهم بإقامة حفلات للفرق الموسيقية الكورية في السعودية، ويرجون أن تستمر.
وكتبت ريم في تغريدة على تويتر: "لأول مرة يقام حفل في السعودية لفرقة كورية. ستبقى ذكرى جميلة لن ننساها مع فرقة سوبر جونيور، وإن شاء الله ما توقف عندها ويكون بعدها مشاهير K-Pop وغيرها".
فيما تشير مغردة أخرى إلى أنها لم تكن تتوقع أبداً أن "تصبح السعودية محطة لأكبر فنانين في كوريا"، ومعبرة عن سرورها بذلك.
ويرى البعض أن إقامة حفلات لفرق موسيقية كورية هو من "إنجازات" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، حيث نشر الشاعر على الغامدي مقطع فيديو عما قال إنه لفرقة موسيقية كورية تتمنى زيارة السعودية، وفي الفيديو يظهر أفراد الفرقة وهم يقولون "أحبكم" باللغة العربية.
لكن البعض الآخر يرى أن إقامة حفلات لهذه الفرق في السعودية أمر "مُخزٍ"، مشيراً إلى المكانة الدينية للسعودية. وكتب الكاتب السعودية خالد العسكر في تغريدة: "وصلتني فيديوهات مؤلمة مبكية مضحكة في جدة.. استقبال وتصوير وصراخ بنات وحريم (نساء) جدة من أجل فرقة كورية تغني بالكوري وتصوير سلفي مع الفرقة.. مخزي جداً.. جدة لا تبعد عن مكة والمدينة، وفي الأشهر الحرم.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".
ويتهم بعض السعوديين أعضاء الفرق الكورية بأنهم "متشبهون بالنساء"، وتتحدث إحداهن على تويتر عن أم ضربت ابنتها لأنها تتابع هذه الفرق على هاتفها المحمول.
وترى الكاتبة الصحفية سوزانا كولبل أنه وبالرغم من أنه يمكن القول، بحسب البعض، بأن الفنانين الذين يقدمون عروضاً في السعودية قد يكونون مشاركين في التغطية على تجاوزات حقوق الإنسان فيها، إلا أنها تؤكد أن الفنان يستطيع من خلال الحضور أيضاً أن يظهر موقفه من ذلك.
محيي الدين حسين/نرمين اسماعيل