السجن والجلد..إبعاد المرأة السودانية عن المشاركة السياسية؟
١١ مارس ٢٠١٩منذ انطلاق الحراك الشعبي في السودان، والذي بدأ بالتظاهر ضد ارتفاع أسعار الخبز وتوسع إلى المطالبة بإسقاط نظام عمر البشير، حرصت النساء السودانيات على النزول إلى الشارع. غير أنه تم مؤخراً احتجاز نساء بتهمة مشاركتهن في احتجاجات ضد الحكومة، وحُكم على تسع منهن يوم السبت (التاسع من آذار/ مارس 2019) بالجلد عشرين جلدة والسجن شهراً، كما قال التحالف الديمقراطي للمحامين. جاء ذلك بعد يوم واحد من توجيه الرئيس عمر البشير بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أمراً بالإفراج عن جميع النساء المحتجزات.
وأعلن البشير حالة الطوارئ الشهر الماضي، ما نتج عنه سلسلة إجراءات بينها إنشاء محاكم طوارئ في أنحاء البلاد، مثل المحكمة الموجودة في الخرطوم والتي أدانت النساء التسع. وبعد أسبوع من توقيفها خلال مظاهرة مضادة للحكومة، حكمت محكمة سودانية الأحد (العاشر من آذار/ مارس 2019) بالسجن على مريم الصادق المهدي، ابنة رئيس حزب الأمة المعارض ونائبة رئيس الحزب، وذلك بعد رفضها دفع غرامة مالية.
و كانت المهدي قد عبرت عبر صفحتها على "فيسبوك" عن عدم رغبتها في دفع الغرامة وكتبت: "سلامات. قررت أنني لن أدفع أي غرامة، إذاً نتلاقى في ساعة خير بعد ثلاثة أسابيع".
منذ بدء الاحتجاجات في السودان، تسجل النساء السودانيات حضوراً فاعلاً في الشارع، بحسب ما تظهره بعض مقاطع الفيديو والصور التي نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي. وعن دور المرأة السودانية في الاحتجاجات الحالية، تقول الناشطة الحقوقية السودانية إيمان، التي فضلت الاكتفاء بذكر اسمها الأول، لـDW عربية إن "الدور الذي تلعبه المرأة خلال الاحتجاجات دور قيادي ومتساو مع دور الرجل. فمنذ فترة المطالبة برحيل المستعمر واستقلال السودان وتظاهرات عامي 1964 و1985، والتظاهرات خلال فترة حكم البشير، أبرزها عام 2013 بسبب رفع الدعم عن الخبز والوقود، طغت فيها مشاركة المرأة على الرجل". وأضافت: "كما تشارك النساء في السودان من غير المشاركة في الاحتجاجات، من خلال تقديمهن الدعم المعنوي والمادي للمحتجين في الشارع".
الجلد للنساء الثائرات
للمرأة السودانية تاريخ نضالي حافل مصحوب بمعاناة طويلة مع سياسات القمع والاضطهاد بسبب دورها الفاعل في الحياة السياسية للبلاد، حتى قبل الحكومة الحالية، كما ترى الناشطة السودانية إيمان، التي تابعت بالقول: "حتى في ظل الحكومات الدكتاتورية السابقة ومنذ الاستقلال، خرجت النساء مع الرجال جنباً إلى جنب للمطالبة بالحقوق الأساسية للمواطنين. لكن الجديد مع الحكم العسكري الحالي هو ممارسته سياسة قمع موجهة ضد النساء بالأخص".
وتحدّثت الناشطة الحقوقية السودانية عن قوانين فضفاضة يمكن تفسيرها حسب ما يناسب مطبقها. هذه القوانين سُنت فقط من أجل قمع المرأة، مثل ما يسمى بقانون "النظام العام"، الذي يحد من حرية النساء في السودان. لكن على مدار الثلاثين سنة الماضية من حكم البشير، تعرضت نساء كثر للجلد، كما تقول إيمان، وذلك إما "بسبب ملابسهن أو تواجدهن في أماكن مختلطة أو عامة في أوقات متأخرة بدون مرجعية قانونية، وبعضهن بسبب اتهامهن بشرب أو بيع الخمر. عقوبة الجلد عقوبة تمارس ضمن نطاق محدود، لكن الطرف المستهدف يكون غالباً الفئة الضعيفة، وهي النساء".
عقوبة السجن والجلد بحق النساء فتحت باب النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول وضع المرأة السودانية وحجم القمع والاضطهاد الذي تتعرض له، خاصة فيما يتعلق بدورها السياسي. غير أن النقاش الداخلي على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن وصفه بـ"الخجول"، وذلك بسبب حجب السلطات السودانية لمواقع التواصل الاجتماعي لأن المتظاهرين يستخدمونها في تنسيق أنشطتهم الاحتجاجية. وبحسب البيانات التي حصلت عليها منظمة "نتبلوكس"، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن الحقوق الرقمية، فإن هناك أدلة على وجود "نظام رقابة واسع النطاق على الإنترنت" في السودان.
أغلب ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي أدانت قرار السجن والجلد بحق النساء السودانيات واعتبرته "فضيحة". كما كتبت الصحفية السودانية المقيمة في الإمارات العربية المتحدة، رفيدة ياسين، تغريدة على حسابها في موقع "تويتر" أدانت فيها الأحكام الصادرة بحق النساء المتظاهرات "بسلمية" وكذلك حكم البشير، الذي لا تسود فيه سوى "ثقافة الجلد".
وفي تغريدة أخرى تضمنت استطلاعاً للرأي حول عقوبة الجلد في المدرسة، أجابت إحدى المغردات أنها لم يسبق لها التعرض للجلد في المدرسة، لأنها درست خارج السودان، ولكنها تعرضت للجلد عند مشاركتها في احتجاجات داخل السودان.
يشار إلى أن الحضور اللافت للمرأة السودانية خلال المظاهرات الأخيرة لاقى الدعم من بلدان عربية أخرى، منها لبنان والجزائر، التي تشهد بددورها احتجاجات ضد الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وأطلق نشطاء هاشتاغ #مدن_السودان_تنتفض للتعبير عن دعهم للحراك السوداني وللمرأة السودانية.
تخويف السودانيات
بالإضافة إلى الاعتداءات التي تعرضت وتتعرض لها النساء السودانيات أثناء خروجهن للشارع من أجل المطالبة بحقوقهن والتعبير عن رفضهن للقمع والاضطهاد الموجه ضدهن، شهدت دول عربية أخرى اعتداءات مماثلة وقعت بحق نساء، أبرزها كانت في مصر خلال احتجاجات ميدان التحرير منذ عام 2011، حيث تعرضت نساء للعنف الجسدي والجنسي من قبل قوات الجيش.
وترى الناشطة الحقوقية إيمان أن السبب الرئيسي وراء هذا التطاول على النساء في الشارع هو محاولة من الحكومات القمعية عامة، والحكومة السودانية بصفة خاصة، لقمع دور المرأة الريادي والفاعل في المجتمع السوداني. وأشارت إيمان إلى أن "تعليم المرأة ومنحها حقوقها يشكل خطراً على الحكومات القمعية. لذلك تحاول الحد من دورها من خلال استخدام القيود المجتمعية والأبوية. حتى التحرش والممارسات التي تتعرض لها المحتجات والمعتقلات هو جزء من التخويف تستخدمه المجتمعات القمعية للسيطرة على النساء وإبقائهن داخل البيوت".
في المقابل، رأى فيليب جان، رئيس فرع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في الخرطوم "أن النساء قادت بقوة الاحتجاجات في الخرطوم، لأن صرختهن مسموعة في الاحتجاجات حول العالم بشكل عام، كما تظهر قوات الأمن في السودان الآن قدراً كبيراً من ضبط النفس بالأخص تجاه النساء".
الكاتبة: إيمان ملوك