الربيع اللبناني لم يزهر بعد..وشبابه في خريف طويل
٢٤ فبراير ٢٠١٢كغيرها من الناشطين المستقلين الذين يحلمون بوطن يتساوى فيه الجميع بلا تمييز بين مواطن وآخر بحسب الطائفة أو الدين، حملت برناديت ضو خلال التحركات التي واكبت حملة "إسقاط النظام الطائفي"، قوس قزح يعمد رمزياً كل من يمر من تحته لينقله من الطائفية إلى العلمانية، وصرخت عالياً منادية "الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي".
"حماسة كبيرة" سيطرت على الناشطة الشابة التي امتلأت أملاً بانطلاق حركة عفوية بدم شبابي جديد غير حزبي وإرادة حقيقية للتغيير. فبدأت نضالها من العالم الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وساهمت في إطلاق الحملة عبر "فيسبوك" و"تويتر"، لينتقل نشاطها اللاحق إلى الشارع حيث شاركت مع مئات المواطنين في كل التحركات الميدانية التي واكبت الحملة.
لم يدم الأمر طويلا، شهران على الأكثر هي كل ما امتلكته من وقت قبل أن يتدنى منسوب الأدرينالين لديها إلى درجاته السفلى ويصيبها مرض الإحباط التي ظنت مخطئة أنها بمنأى عنه. حينها باتت على يقين أن ما عايشته لم يعدو أكثر من حلم بـ"وطن جميل". وربما سيبقى كذلك لوقت طويل. وترد برناديت السبب إلى أن الحملة التي أنشئت بالأصل لنبذ الطائفية وربط العلمانية بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية "أجهضت قبل أن تلد بأي تغيير"، وذلك بعد تسلل القوى السياسية إليها وفرضها رقابة ذاتية وأجندات سياسية مما أفقدها الكثير من جمهورها المستقل.
وقد يكون الشرخ في المواقف بين الناشطين أنفسهم في الحملة سببا أهم بالنسبة إليها، فتتساءل برناديت "كيف ندعم الثورات جميعها من المحيط إلى الخليج ونغض النظر عن الثورة السورية"؟ إذ برأيها أن الحملة عجزت عن بلورة خطاب داعم للثورة السورية كما مواقفها الداعمة لباقي الثورات، الأمر الذي تسبب بحسب وصفها إلى "تعرض الناشطين المستقلين الرافعين لشعارات داعمة للشعب السوري إلى الكثير من القمع والاعتداءات الجسدية من قبل ناشطين سياسيين آخرين في الحملة نفسها".
برناديت كما غيرها من الناشطين الشباب، لا تريد للإحباط أن يكون قدرا لها، لكنها في الوقت عينه تدرك أن طريق الديمقراطية طويل "لا نستطيع أن نقص رأس الحية فيسقط النظام في لبنان"، تقول مشيرة إلى أن النظام الطائفي اللبناني يحول "أهل السياسة إلى مقدسات يمنع المساس بها".
الحرب في الشارع.. ليس في المنزل
لطالما آمنت فرح سلقا أن الحقوق التي تطالب بها هي وغيرها من أبناء جيلها لا يمكن نيلها إلا بتراكم التحركات الميدانية. فرح ناشطة نسوية أيضا، تعمل منذ سنوات على إحقاق قضايا مطلبية من منظار نسوي وأهمها تشريع قانون حماية النساء من العنف الأسري وتجريم الاغتصاب.
لكن ماذا إذا كانت هذه التحركات لا تجدي نفعا؟ لا يبدو السؤال مستساغا لها، إذ برأيها أن "الجلوس في المنزل لن يحدث أي تغيير كذلك". فالشارع بالنسبة إليها هو المكان الأمثل للتغيير، "هذا ما علمتنا إياه الشعوب في ثورة الربيع العربي" تقول فرح. وإذ تعتقد بأنه لا مقارنة بين الظروف المحيطة بالناشطين في لبنان والتي تعتبر أقل مأساوية وقسوة من الظروف المحيطة بالناشطين في سوريا ومصر وليبيا واليمن، فأولئك تعرضوا للاعتداءات والقتل والحروب، تقول "إذا هم أكملوا طريق الحرية والديمقراطية، فلا عذر لنا من أن لا نخطو الخطى ذاتها".
في الاعتصام الأخير الذي نظمته فرح ورفاقها من مجموعة نسوية تحت شعار "لا للاغتصاب"، نزلن إلى الشارع، صرخن، هتفن وطالبن بالحق وهن يعرفن أن مطلبهن لن يتحقق اليوم أو غدا. ولكنها الحرب بالنسبة إليهن "وفي الحرب لا مكان للاستسلام بل النضال حتى تحقيق كل المطالب" تقول بشغف.
تعتبر فرح أن إمكانية التغيير ممكنة إذ تشير إلى أنه منذ ثلاث سنوات مثلا، لم يكن موضوع العنف الأسري أساسيا في النقاش العام والإعلامي، لكنه تحول الآن إلى نقاش يومي، برأيها. وتكمن أداة التغيير والضغط بالنسبة إليها في تخلي الشباب اللبناني بالدرجة الأولى عن إحباطه وعجزه "فالتغيير لا يحصل بلمسة سحرية بل يحتاج إلى مخاض طويل من النضالات".
متى تعود بيروت "ست الدنيا"
تعد نضال أيوب الصحافية والناشطة الحقوقية من بين الأكثر مشاركة في دعم الثورات العربية وأهمها الثورة السورية. لذا لا تفوت الفتاة العشرينية فرصة للاعتصام أمام سفارات الأنظمة العربية في بيروت أو في أماكن أخرى تنديدا بأنظمتها ودعما لانتفاضة الشعوب العربية. ببساطة، تعتبر أن تضامنها الرمزي مع هذه الشعوب وأولها الشعب السوري هو بمثابة "رد جميل" بعدما وقف بدوره جنبا إلى جنب مع النازحين اللبنانيين الهاربين إلى سوريا من جحيم حرب تموز العام 2006.
لكن اعتصامها في بيروت مع من يقتلون يوميا في سوريا، جعلها تصطدم بقناع مزيف تلبسه العاصمة البيروتية. قناعتها الراسخة قبلا تمحورت حول اعتقادها بأن "بيروت هي ست الدنيا". لكن الواقع الأمني والسياسي فضح نفسه أمامها، إذ تقول "فيما يتزايد عدد الشعوب الثائرة يوميا، ما زال لبنان ينقسم في تأييد بعضها ومهاجمة بعضها الآخر".
"ما نعيشه كذبة كبيرة"، تكرر نضال هذه الكلمات بوجع لا يعرفه إلا من هم عرضة مثلها للتهديد والاعتداءات الجسدية من قبل "شبيحة النظام الأمني اللبناني والسوري" كما تصفهم.
"لسنا في بلد ديمقراطي"، تقول نضال جازمة إذ أن دعم الثورة السورية بات برأيها بمثابة "تابو" يحرم المساس به. هذا ما جعلها هي وناشطين آخرين كثر يستمرون بالتحركات الداعمة من أجل الشعب السوري، تحركات تحمل في مضمونها بعدا آخر مفاده بأن لكل شخص الحق في حرية التعبير في لبنان.
وتقول نضال "من خلال اعتصاماتنا المطالبة بتحقيق الديمقراطية في سوريا، نحن أيضا نطالب بتحقيق الديمقراطية في لبنان"، إذ تشير إلى أن النظام الذي يقتل الناس في سوريا هو نفسه الذي يهدد اللبنانيين هنا. فوضع الشعب اللبناني ليس أفضل حالا، برأيها، من وضع الشعوب العربية الرازحة تحت وطأة أنظمتها الديكتاتورية، وتقول "إذا كانت البلدان العربية تحتاج إلى ثورة واحدة، فلبنان يحتاج إلى ثورات".
دارين العمري ـ بيروت
مراجعة: أحمد حسو