الميلاد في بيروت..عيد لكل شاب بلا تمييز بين الطوائف
٢٥ ديسمبر ٢٠١١في بلد الثماني عشرة طائفة، يبدو عيد الميلاد في بيروت كأنه عيد لكل اللبنانيين بلا تمييز بين طائفة وأخرى. ينسى الشباب همومهم ومشاكلهم وهواجسهم في تلك الليلة المجيدة. فرحتهم لا توصف، يتجهزون، يبتهجون، ويحتفلون عشية العيد كمناسبة للحب والفرح وتجدد الصداقات. تهان متبادلة، فرح، رقص، وهدايا كثيرة ليتحول عيد الميلاد إلى تقليد اجتماعي وطقس سنوي يضم جميع أطياف الشباب في المجتمع اللبناني.
في ليلة الميلاد، تتلألأ بيروت بحلة العيد وتلبس شوراعها وبيوتها ومحالها زينتها الميلادية، متنافسة فيما بينها لإبراز أنوارها وألوانها وآخر ابتكاراتها. شجرة الميلاد تبدو سيدة الموقف متأهبة دائما أينما حطت الأنظار، يرافقها صوت فيروز في أغنية "ليلة عيد" كأنه يحاول أن يخفف من سرعة المدينة وناسها الذين يبدون على عجلة من أمرهم لاستقبال المناسبة المجيدة بأفضل ما لديهم.
الميلاد طقس سنوي يجمع الشباب اللبناني
ينظم الشباب صفوفهم في التحضير لحفلات ميلادية متنوعة، منهم من تجذبه اللافتات والملصقات التي تعلن عن برنامج سهرة متكامل في الملاهي الليلية والمطاعم، ومنهم من يفضل الحميمية والدفء في منزل العائلة والأصدقاء.
تبدو سلمى، كأنها تعيش سباقا مع الوقت في ليلة الميلاد، فهي لم تنه بعد اللائحة الطويلة لاختيار جميع هدايا المناسبة ليتم تبادلها في حفلة تقام خصيصا في بيوت أحد الأصدقاء. تقول إن "كثرا سيرتادون الحفل المذكور، ولن يقتصر احتفالهم على الرقص والغناء، فتبادل الهدايا يشكل جزءاً أساسياً من عيد الميلاد". تتحرك يداها سريعا بين رفوف المتجر المكتظ بتذكارات الميلاد. تمتلئ سلتها بالهدايا، فتتنفس الصعداء من إنجاز مهمتها الصعبة. يحل الليل وتجتمع سلمى مع أصدقائها حول شجرة الميلاد يتشاركون معاً هذه المناسبة بفرح. منذ سنوات قليلة فقط، بدأت سلمى، المسلمة، بالاحتفال بهذه المناسبة بحكم وجودها في جامعة يدرس فيها طلاب من كل الأديان، مما ولد لديها شعورا بأن عيد الميلاد هو عيد للجميع بغض النظر عن الاختلاف في الأديان. وتقول سلمى "أنتظر هذه الليلة سنويا لأني أشعر بسعادة ودفء حقيقيين قلما أشعر بهما في مناسبات أخرى".
يوافقها رامي من الدين نفسه الرأي، إذ يقول، إنه يحتفي بليلة الميلاد كأنها مناسبة شخصية له خاصة أنه يعيش في منطقة مختلطة من المسلمين والمسيحيين، كما أن جيرانه في المبنى نفسه ينتمون إلى الدين المسيحي. ومع مجيء الميلاد وتزيين الحي الذي يعيش فيه بملائكة تنفخ أبواقاً مبشرة بحلول العيد، تجاورها الأشجار المزينة والمضاءة بالألوان والأجراس، تدخل فرحة العيد تلقائيا وبطريقة غير إرادية إلى داخله. يقول رامي "أشعر بغيرة وحزن إذا حلت ليلة الميلاد بدون أن أشارك في المناسبة". ويقوم رامي في شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام بتزيين شجرة الميلاد ووضعها في منزل والديه لكي يشعر أن فرحة الميلاد هي حق للجميع بلا استثناء. كما يلبي دعوة جيرانه لإحياء الليلة المجيدة في منزلهم حيث يجتمعون على مأدبة العشاء، ويقومون بالصلاة معا وترتيل الأغاني الدينية ويترافقون فيما بعد للمشاركة في قداس العيد في الكنيسة المجاورة. توافقه جارته التي تنتمي إلى الدين المسيحي الرأي، إذ تشير إلى ضرورة "مشاركة الجيران والأهل في الأفراح والأحزان وعيد الميلاد جزء لا يتجزأ من تلك الواجبات التي تسمو على الفوارق الدينية والاختلافات الطائفية".
حبش ومازة وفسحة للأمل
تبدو ديانا بدورها كأم العروس في ليلة العيد، من كثرة انهماكها بالتحضيرات وانشغالها بضيوفها الكثيرين الذين يتوافدون إلى منزلها في هذه الفترة المحددة من كل عام. وعلى الرغم من أن ديانا، المتزوجة مدنيا منذ سنوات قليلة من شاب مسيحي، تعتبر غريبة عن تقاليد ليلة العيد، إذ تنتمي إلى الطائفة الإسلامية، لكنها تقول أن ليلة العيد هي بمثابة "ليلة العمر" حيث يدعو الثنائي المتزوج حديثا أصدقاءهما من مختلف الأديان إلى منزلهما للاحتفال معا في هذه الليلة المجيدة. تتأكد ديانا من وجود الأطباق الرئيسية على المائدة: طبق الحبش والمازة اللبنانية بأهم مكوناتها، التبولة والكبة. وتقول ديانا "كل واحد من المدعوين يشارك بالمساعدة في التحضيرات، منهم من يطلب منه تحضير أصناف مميزة من الطعام ومنهم من يعتبر مسؤولا عن المشروبات ومنهم من يقوم بدور بابا نويل ويقدم الهدايا الرمزية للساهرين". باختصار، تتميز عشية العيد بفرصة للخروج من الروتين اليومي ورتابة الحياة وفسحة للأمل مع أشخاص تجمعهم علاقات حب وصداقة.
أما كلود، الطالبة في جامعة تضم طلابا من مختلف الأديان، فتقول إنها تدعو أصدقاءها لمشاركتها ليلة العيد في منزل والديها، وتشير إلى أن "كلا منا يحترم دين الآخر وانتماءاته المختلفة ومناسباته الدينية"، وتضيف "لا أجد صعوبة في مشاركة أصدقائي أعيادهم المسلمة كما هم يشاركون معي في إحياء ليلة الميلاد حيث نتجمع حول مائدة العشاء، نتبادل الأنخاب والهدايا والتمنيات بسنة أفضل".
ميلاد "موديرن" في ملاهي بيروت
تدق الكنيسة أجراسها عند حلول منتصف الليل، لكن ميشال، على الرغم من التزامه لسنوات طويلة بإحياء عشية العيد مع أهله وأقاربه، ارتأى هذا العام الاحتفال مع أصدقائه في أحد الملاهي الليلية في بيروت والذي يقدم برنامجا خاصا بالميلاد كغيره من الملاهي الليلية. ويبرر ميشال خروجه عن تقاليد عشية العيد بالإشارة إلى أن أهله لا يزالون يحافظون على تقاليد الأجداد حيث يذهبون إلى القرية للتجمع في ساحة الكنيسة قبل منتصف الليل، ويتبارون في قرع جرس الكنيسة ومن ثم يتبادلون التهنئة بميلاد يسوع ليوزعون فيما بعد ضيافة من الفاكهة المجففة على أهل القرية.
بالنسبة لميشال، فإن هذه العادات لم تعد تحاكي أسلوب الشباب العصري الذين يفضلون "ميلاد مودرن" على طريقتهم الجديدة. في الملهى الليلي الذي يتواجد فيه الكثير من الساهرين المختلطي الأديان، يُحيون كل شيء بما له علاقة بعيد الميلاد: فالساهرون يعتمرون قبعات "سانتا كلوز" وأغنية جورج مايكل الميلادية تصدح في الأجواء، فيما الساقي يلبس شخصية "بابا نويل" ويقوم بتقديم المشروبات للساهرين.
بعيدا عن أجواء الدفء العائلي وصخب الملاهي الليلية، يقرر عدد من الشبان من مختلف المناطق اللبنانية الاحتفال بليلة العيد في شوارع بيروت، يتحلقون حول الشجرة العملاقة المتمركزة في وسط البلد، يعانقون بعضهم، يتبادلون الأنخاب والتمنيات بسنة أفضل، والأهم أمنية يرمونها في الهواء علها تصل إلى العجوز ذي اللحية البيضاء أثناء طيرانه مع غزلانه على المزلاج "ليعمّ السلامُ وطننا الصغير وليكنْ كل يوم ٍميلادا جديدا للتسامح والحب".
دارين العمري - بيروت
مراجعة: عبد الرحمن عثمان