الربيع الثوري العربي ضيفا على مهرجان الشعر في برلين
١٩ يونيو ٢٠١١رايس لبلاد / هاني اليوم نحكي معاك / باسمي وباسم الشعب الكل / اللي عايش في العذاب 2011 / وما زال مجبور يموت من الجوع / حابب يخدم باش يعيش / لكن صوته مش مسموع / اهبط للشارع وشوف / العباد ولّت وحوش... بهذه الكلمات، وعلى إيقاعات أغنية الراب التي تحمل أريج ثورة الياسمين، تعطرت الأمسية الشعرية التي نظمتها يوم 18 يونيو 2011 أكاديمية الفنون في مدينة برلين تحت عنوان "عالم عربي جديد". مؤدي الأغنية الجنرال، أو حمادة بن عمر، كما يدعى فنان الراب التونسي باسمه الحقيقي، كان أشهر من استضافته الأكاديمية للمشاركة في الأمسية بلا شك، وهو ما ترك عددا كبيرا من الحضور يقف في طابور طويل بغية أخذ صورة تذكارية مع من اختارته مجلة "تايم" الأمريكية ضمن الشخصيات المائة الأكثر تأثيرا عام 2011.
وقد اشتهر الجنرال البالغ من العمر 23 سنة بعد نشره لأغنيته المنتقدة للرئيس التونسي المخلوع على الإنترنت وقيام قوى الأمن باعتقاله لمدة ثلاثة أيام. بعدها أصبحت أغنيته شعارا لحركة الاحتجاج المتنامية في تونس وساهمت في بث الحماسة لدى المحتجين ودفعهم على النزول إلى الشوارع. وبنجاح الثورة التونسية في الإطاحة بزين العابدين بن علي وانتقال "العدوى الثورية" إلى الشعب المصري، أخذت شهرته بعدا عالميا عندما بدأت وسائل الإعلام تستدرك غفلتها وتنقب عن حيثيات ثورة الياسمين فوجدت في الجنرال وجها فنيا يسهل ترويجه. وفي حديث مع دويتشه فيله أكد حمادة بن عمر تصميمه على المضي قدما في الفن الملتزم من خلال إصداره لألبوم جديد ذي طابع سياسي، حرصا منه على الحفاظ على مكتسبات الثورة التونسية وعلى نشرها إلى بلدان أخرى.
أمسية شعرية ولكن ...
إلى جانب الجنرال شاركت في الأمسية الشاعرة الفلسطينية هند شوفاني التي تكتب بالإنجليزية وهند همام التي تنظم قصائدها بالعامية المصرية، هذا إضافة إلى مغني الراب المصري ديب والشاعر الليبي عبد الدائم أكواس. ما عدا أكواس، المشارك الوحيد الذي اختار العربية الفصحى لغة لشعره، استخدم بقية الفنانين "لغة أخرى" غير الفصحى رغبة منهم في إيصال رسالتهم إلى عامة الشعب أو اعتبارهم العامية أنسب للتعبير عن المشاعر وتوجيه الانتقاد. وقد قام كل المشاركين بقراءة مختارات من أعمالهم، تنوعت مواضيعها بتنوع اللغات واللهجات المستعملة، ابتداء بالنقد السياسي للأنظمة الفاسدة ومرورا بالحنين والشوق إلى الوطن ووصولا إلى الشعر الحسي الصريح الذي خصصت له هند شوفاني بعض قصائدها الإنجليزية.
وهكذا جاء تمثيل الشعر العربي في مهرجان الشعر على يد أغاني الراب باللهجتين التونسية والمصرية، إضافة إلى شعر بالإنجليزية والعامية المصرية باستثناء مشارك وحيد نظم شعره بالعربية الفصحى. الزائر العربي، ومع كل التقدير لما يمكن أن يعتبر انفتاحا على مفهوم أوسع للشعر، قد يستغرب خيار المنظمين هذا، الذي منح الشعر الفصيح، بكل تراثه العريق ومكانته المرموقة بين ضروب الأدب العربي، مجالا يعادل خمس أمسية خصصت رسميا للشعر العربي في ظل التغيرات الحالية في المنطقة.
"مستقبل مشرق لا محالة"
غير أنه إذا ما راعينا مساهمة غالبية الأدباء والشعراء العرب في الربيع العربي، أو ما يصفه البعض بتخاذلهم عن اتخاذ موقف صريح لصالح التغيير وإيثارهم البقاء على الحياد إلى حين اتضاح الكفة الغالبة، يبطل هذا الاستغراب. خاصة وأن هذه السلبية والفشل، حسب تعبير عبد الدائم أكواس، لها هي كذلك تراث عميق في التاريخ العربي الحديث، مما أثر سلبا على مكانة الأدب العربي المتواضعة بين الآداب العالمية.
ويستدرك أكواس بأن مستقبل الأدب العربي سيختلف عن ماضيه لا محالة: "الجيل الجديد الذي يقود هذه الثورات العربية جيل متحرر ومثقف ومنفتح على العالم الآخر. والطريقة التي يعبر بها هذا الجيل تختلف عن الطريقة التقليدية التي كان يعبر من خلالها من نسميهم بالديناصورات، الذين لم يكونوا يكتبون للمتلقي وإنما إرضاء للأنظمة". وقد يبدو هذا التفاؤل في محله إذا ما اعتبرنا الحفاوة التي قابل بها الجمهور البرليني ما قدمه الفنانون الشباب.
بشير عمرون ـ برلين
مراجعة: أحمد حسو