الرئيسة السابقة للبوندستاغ: "علينا أن نتعلم كيفية التعامل مع التنوع"
٥ ديسمبر ٢٠١٣هيمنت مأساة غرق 360 لأجئ قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية من جديد على العواقب التي يمكن أن تتحملها أوروبا نتيجة سياسة إغلاق الباب بوجه المهاجرين. في حقيقة الأمر فإن المجتمع الأوروبي العجوز بحاجة إلى دماء جديدة عاجلاً أم آجلاً. على خلفية أزمة اليورو بدأت موجه هجرة كبيرة من جنوب أوروبا إلى ألمانيا، وصلت إلى أرقام قياسية العام الجاري.
وعلى الرغم من أن الكثير من المهاجرين واللاجئين يجلبون معهم معارف وقيم من بلادهم، إلا أن هذا التنوع كثيراً ما يُنظر إليه في ألمانيا كمصدر للتهديد. DWالتقت الخبيرة في شؤون الهجرة والرئيسة السابقة للبرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاغ) ريتا زوسموت، وكان هذا الحوار:
DW: أي نوع من "ثقافة الترحيب بالمهاجرين" نحتاجها في ألمانيا؟
ريتا زوسموت:حتى فترة قريبة كان مصطلح "ثقافة الترحيب بالمهاجرين" كلمة غريبة عن قاموسنا، لذلك فعلينا العمل سوية من أجل التعايش الفاعل، ولا نكتفي بالجوار فقط. هناك الكثير من الفرص ولكن الكثير من المشاكل أيضاً. أتمنى لألمانيا ولأوروبا ثقافة أكثر انفتاحاً تجاه المهاجرين واللاجئين. مع الأسف ما يزال البعض يقول بأننا يجب ألا نتدخل في مثل هذه القضايا، التي تكلف بلادنا أعباء مادية كبيرة. "ثقافة الترحيب بالمهاحرين" موجودة على الورق ولكنها موجهة بشكل أساسي للمهاجرين من أجل العمل. الهجرة لا تشكل تحديا اقتصاديا فحسب، بل وثقافيا أيضا.
ما الذي يجب فعله حيال ذلك؟
نحن على الطريق الصحيح، على الرغم من أننا لم نفعل الكثير حتى الآن. استمد الشجاعة من أولئك الذين يكرسون أنفسهم للاجئين، كما حصل مؤخرا في هامبورغ، حيث مُنع ترحيل لاجئ شاب. تقوم الكنائس والجمعيات الرياضية وغيرها من المنظمات بمد يد العون، فقد استوعبت مفهوم "ثقافة الترحيب بالمهاجرين"، وعملت بمضمونه دون انتظار الدولة والساسة. يجب علينا التفكير ملياً بإمكانية توثيق الروابط بين المهاجرين وألمانيا.
تتحدثين عن المساعدة المباشرة من المواطنين والجمعيات الأهلية، ولكن ما الذي يجب تغييره في تعاطي السلطات الألمانية مع المهاجرين؟
ينقصنا التنوع في الدوائر الحكومية، وكذلك اللغات الأجنبية. في هذا المضمار يمكننا الاستفادة من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. يتوجب علينا تثمين مؤهلاتهم وتقديرها عن طريق تصنيف هذه المؤهلات بما يناسبها في سوق العمل.
علاوة على ذلك ينقصنا في ألمانيا نظام مركزي موحد للهجرة حسب المؤهلات الوظيفية، واللغات والعلاقة التي تربط طالب الهجرة بألمانيا. هذا النظام معمول به منذ فترة طويلة بكندا وبريطانيا وجمهورية التشيك والنمسا. هذا النظام، الذي يُدعى "نظام النقاط الكندي"، تم رفضه في ألمانيا. يجب علينا أن نرقى إلى مستوى التنوع، ونتعلم كيفية التعامل مع هذا التنوع. السؤال هنا بالأحرى يبقى: من الذي يجب إدماجه: اللاجئين أم أصحاب البلد؟
هل يتوجب علينا السؤال عن المعارف المهنية والخبرات لدى المهاجرين؟
لا أحبذ إتباع نموذج التحديد والاختيار هذا، الذي يربط قبول طلب الهجرة بتوفر شروط اللغة والمؤهل الوظيفي. عندما نفكر في مأساة لامبيدوزا أو في سوريا، فإن الأمر هنا يتعلق بشكل أساسي بحالات اللجوء الإنساني. يجب علينا التعامل مع حالات الهجرة غير الشرعية بشكل مختلف، فالبابا فرانسيس، الذي ألقى أكليلا من الورد في البحر على أرواح الضحايا، كان بإمكانه استضافة عشرة لاجئين في الفاتيكان. نحتاج لثقافة لجوء جديدة، ولكن ليس على قاعدة "قبول العامل المهاجر"، و"رفض اللاجئ"، بالنسبة لي هذا مسألة مثيرة للقلق، ومع الأسف هذا ما يتم العمل به.
معظم الألمان يعتبرون التنوع الديني عنصر إغناء، في حين تعتقد الأغلبية أن الإسلام لا يناسب ألمانيا. هل ترين أن ألمانيا لم تقدم يكفي بشأن الاندماج؟
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والسياسة الأمنية المتبعة منذ عام 2011، بات المسلمون يُعتبرون مصدر خطر علينا، على الرغم من أن الأغلبية العظمى منهم يمارسون شعائرهم الدينية بسلام كما يفعل أتباع الديانات الأخرى كالمسيحيين والبوذيين وغيرهم. نحن أقرب إلى بعضنا البعض أكثر مما نعتقد ونعلم طبعا أن هناك اختلافات في تعاليمنا الدينية، ولكن ليس كل المسلمين مقاتلين مسلحين.
هل ينتاب الألمان خوف من المهاجرين وخشية من فقدان ثقافتهم؟
منذ عهد بعيد لم نعد ذلك المجتمع ذو اللون الواحد وبل بتنا مجتمعا متنوعا ومتعدد الأوجه. والتنوع لا يعني فقدان ثقافتنا، ولكنه استعادة للطاقات والإمكانات، التي ربما نكون قد فقدناها، ليس على صعيدي الاقتصاد و الإبداع فقط، ولكن على الصعيد الثقافي أيضاً.
إننا ننطلق من أن الثقافة الأوربية كانت منبع كل شيء ولكننا في واقع الأمر أخذنا قسما كبيرا من ثقافات أخرى وأماكن أخرى غير أوروبا. كيف نتعامل مع أناس مختلفين عنا؟ الجواب هو أن نتعلم أولا وقبل كل شي احترامهم. وهذا لا ينطبق على ألمانيا فقط، بل ينسحب على أوروبا برمتها.
أجرت الحوار: آنيكا تسايتلر
ترجمة: خالد علي سلامة