الدولة الكردية: حلم تاريخي يقترب ولكن للواقع لغة أخرى
٢٩ يونيو ٢٠١٧لم يكن الكرد أقرب إلى حلم إقامة دولتهم المستقلة من يومنا هذا، فالصراعات في المنطقة المحيطة بهم، بالإضافة إلى الاستقرارين السياسي والاقتصادي اللذان ينعم بهما إقليم كردستان العراق – المتمتع بحكم ذاتي، تجعل من هذه الخطوة أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال.
لكن برغم اقتراب الكرد خطوة إضافية نحو إقامة الدولة الكردية بالإعلان عن تنظيم استفتاء في إقليم كردستان العراق في سبتمبر/ أيلول المقبل حول تقرير المصير، إلا أن واقعية هذه الدولة ما تزال محل جدل ونقاش، خاصة في ظل التجاذبات الجيوسياسية في المنطقة والتعثر الاقتصادي الذي يمرّ به الإقليم جراء تدهور أسعار النفط عالمياً.
إلى ذلك، يبقى الإقليم محاطاً بدول لا ترى أن قيام دولة كردية فيه من مصلحتها، لاسيما تركيا وإيران، اللتان تضمان أقليات كردية تقدر بالملايين وتخشى أن تدفعها الدولة الكردية إلى المطالبة بنفس الحق على أراضي تلك الدول أيضاً.
فما هي السبل القانونية لإقامة دولة في كردستان العراق، وكيف يمكن لدولة كردية هناك أن تتغلب على المصاعب التي ستحيق بها بعد قيامها، لاسيما تلك المتعلقة بالوضع الجيوسياسي والمسائل الاقتصادية؟ وماذا سيكون دورها في ملفات المنطقة الساخنة؟
الدولة الكردية نتاج لحق تقرير المصير
رغم أن حق تقرير الشعوب لمصائرها السياسية حق رسخته الأمم المتحدة عام 1969 من خلال القرار 1514، إلا أن تطبيق هذا الحق ما يزال محكوماً بأطر مبهمة، مثل عدم تأدية ذلك إلى العنف ونشر التوتر في المنطقة.
ولذلك، فقد يجادل البعض بأن الاستفتاء في إقليم كردستان العراق على حق تقرير المصير قد يؤدي إلى نشر التوتر في المنطقة وإذكاء الصراع بين أربيل وبغداد. في هذا الشأن، يضيف رجائي فايد، رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية، أن هناك معارضة داخل الإقليم أيضاً للانفصال عن بغداد.
ويتابع فايد، في حوار مع DW عربية، بأن "هذه المعارضة تنطلق من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيش فيها الإقليم وتعطل برلمان كردستان العراق عن العمل بعد مشاكل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود برزاني) وحركة التغيير (بقيادة نشروان مصطفى)".
كل هذا يعني بالنسبة للخبير المصري في الشؤون الكردية صعوبة تشريع أي استفتاء تتم الدعوة له لتقرير مصير الإقليم، لاسيما في أعقاب منع رئيس البرلمان الكردي – المنتمي إلى حركة التغيير – من الوصول إلى مقر البرلمان في أربيل.
لكن يضاف إلى هذا الصراع الداخلي تجاذب مع الحكومة المركزية في بغداد حول المناطق المتنازع عليها في سهل الموصل وكركوك، والتي يقول الأكراد إن لهم حق فيها بحكم حمايتها من تنظيم "داعش" بعد فرار الجيش العراقي منها، وهو ما يصفه رجائي فايد بـ"مبدأ الحدود يرسمها الدم". هذا الصراع سيصعّب من مسألة إعلان الدولة الكردية ما لم تُحل قضية تلك الأراضي المتنازعة.
من جهته، يعتبر الدكتور فرهاد إبراهيم، مدير وحدة مصطفى برزاني للدراسات الكردية في جامعة إرفورت الألمانية، في حديث مع DW عربية، أن الاستفتاء في سبتمبر/ أيلول لن يكون على دولة كردية، بل على "الدستور الكردستاني الذي صيغ منذ نحو عشر سنوات ولم يتم المصادقة عليه لحد الآن نتيجة لمعارضة بغداد ودول إقليمية كبرى".
النص الكامل لحوار DWعربية مع الدكتور رجائي فايد
"جزيرة معزولة" في بحر من الأعداء!
حتى لو أقيمت الدولة الكردية على أراضي إقليم كردستان العراق، فإن تلك الدولة ستعاني مما يطلق عليه الخبير رجائي فايد "عقدة جنوب السودان"، والتي يشرحها بالقول: "من يعارضون مسألة الاستفتاء والانفصال لديهم هذا الهاجس.. جنوب السودان انفصل عن شماله، ولكنه أصبح دولة فاشلة... هناك صعوبة في أن تكون تلك الدولة قابلة للحياة. ستكون بمثابة جزيرة منعزلة عن العالم ومحاطة ببحر من الأعداء".
إلى ذلك يُضاف المكون الاقتصادي، ذلك أن إقليم كردستان العراق يعتمد في جل موارده على النفط المستخرج من أراضيه وبيعه عبر أنبوب للنفط يمر شمالاً عبر الأراضي التركية. في حال إقامة الدولة، ستكون كياناً يعتمد على أنبوب نفط يمر بالمناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني "وقد سبق لمليشيات هذا الحزب أن فجرت ذلك الأنبوب وكبّد الإقليم خسائر فادحة لإصلاحه. فكيف يمكن لدولة الاعتماد أساساً على أنبوب نفطي يمرّ في منطقة لفصيل يعاديها؟"
لكن الدكتور فرهاد إبراهيم يعتبر أن الاحتياطيات النفطية والغازية في أراضي الإقليم قد تكون مرجعاً استراتيجياً لها "من أجل الحصول على قروض مالية ومشاريع تنموية خارجية"، مما يعني الاتكاء على مصدر آخر للدخل، وإن كان هذا المصدر أيضاً مرتبطاً بالنفط. لكن إبراهيم ربط هذا المصدر بتقديم ضمانات لتركيا فيما يتعلق باستمرار إمدادها بالنفط وتقديم ضمانات لوحدة أراضيها وسيادتها عليها.
أما معاداة حزب العمال الكردستاني لحكومة الأقليم، فيرى فيها رئيس وحدة مصطفى برزاني للدراسات الكردية في جامعة إرفورت نقطة أخرى في صالح تقارب بين أنقرة وأربيل، لاسيما وأن الحكومة التركية تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
لكن ذلك لا يمنع من أن تكون أي دولة تقوم في الإقليم محاطة بدول أكبر لا تريد لها أن تكون موجودة، مثل إيران والعراق وسوريا، ناهيك عن أن المناخ الدولي العام ليس مواتياً، بحسب ما يشرح الخبير المصري رجائي فايد.
الأفضلية للوحدة
ويقول فايد: "الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الأكراد ولكن ليس إلى حد إقامة الدولة. لقد قالوا (الأمريكيون) أكثر من مرة: ليس هذا أوانه، على أساس أن مسألة الاستفتاء ستؤدي إلى تفتت التوحد الذي حدث في مواجهة داعش.. التوحد بين الجيش العراقي والبيشمركة والحشد الشعبي".
وفي المحصلة، يعتبر رجائي فايد أن مصير أي فرصة لقيام دولة كردية في الوقت الراهن هو الفشل أكثر من النجاح، ولهذا فإن تفسيره لسعي مسعود برزاني إلى إجراء استفتاء في هذا الوقت بالذات هو "انتهاء فترة ولايته كرئيس للإقليم منذ نحو سنتين ... ولهذا فإن بإعلانه إجراء الاستفتاء، سيُنظر له أكثر كالزعيم الذي حقق ما لم يستطع أي زعيم كردي تاريخي سابق تحقيقه، بدلاً من مجرد كونه رئيساً" لإقليم ضمن حدود العراق.
"مخلب قط"
وعن علاقات هذه الدولة بدول خارج المحيط المباشر، يرى الدكتور فرهاد إبراهيم أن أي دولة كردية محتملة ستحاول إقامة "علاقة طيبة مع جيرانها العرب .. حتى في داخل كردستان هناك تيارات إسلامية وقوى إصلاح تركز على تمتين العلاقات بالجوار العربي والإسلامي".
لذلك، يتوقع الدكتور فرهاد إبراهيم أن تعترف دول مثل الإمارات والسعودية بأي دولة كردية تقوم ضمن إقليم كردستان العراق، على أساس أن ذلك سيشكل ورقة ضغط إضافية على إيران – العدو اللدود للسعودية – وتركيا، التي تقدم دعماً لقطر.
النص الكامل لحوار DW عربية مع الدكتور فرهاد إبراهيم
إلا أن رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية، رجائي فايد، يلفت النظر إلى أن ورقة الأكراد لطالما استُخدمت على مر التاريخ كـ"مخلب قط" لتنفيذ مآرب ضد الدولة العراقية، مما يعني أن من غير المستبعد "أن يتم استخدامها من قبل السعودية ضد تركيا أو ضد إيران. ومن الوارد أيضاً أن يتم اللعب بهذه الورقة أمريكياً".
التواصل الاجتماعي.. ساحة أخرى للجدل حول استفتاء كردستان
علاقة الدولة بالهوية الكردية
لا يجب على الدولة الكردية المستقبلية أن تتغلب على التحديات الجيوسياسية والاقتصادية فحسب، بل عليها أيضاً أن ترتقي إلى التوافق ومفهوم الهوية الكردية. حول ذلك يرى الكاتب الروائي الكردي جان دوست أنه لا يمكن الفصل – حتى في اللغة الكردية – بين الهوية والقومية الكردية.
ويضيف دوست، في حديث مع DW عربية، أن مفهوم الهوية والقومية الكردية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدولة الكردية المستقلة، وأن "التفكير في الدولة الكردية ليس كما يعتقد البعض نتاج الحرب على داعش أو التغيرات التي تمر بها منطقتنا. الكرد حلموا بإقامة الدولة الكردية منذ مئات السنوات".
لذلك، يعتبر الروائي الكردي أن فرص نجاح الاستفتاء الذي دعا إليه مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، في سبتمبر/ أيلول المقبل ستكون كبيرة، لاسيما في ظل انشغال دول الجوار بصراعات وملفات أخرى في المنطقة.
ياسر أبو معيلق