فايد: دولة كردية في شمال العراق ستكون كجزيرة محاطة بالأعداء
٢٩ يونيو ٢٠١٧الدولة الكردية: حلم تاريخي يقترب ولكن للواقع لغة أخرى
يعتزم إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء على استقلاله عن الدولة العراقية في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل. ويأتي ذلك وسط رفض رسمي من الدولة العراقية جاء على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
وإقليمياً، رفضت حكومة أنقرة الاستفتاء واصفةً إياه بأنه خطأ فادح، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية. أما الحليف الذي يعول عليه الأكراد كثيراً في مثل هذه الخطوة، فقد رفض الاستفتاء أيضاً، حتى وان جاء هذا الرفض مبطناً.
وبالتالي ما مدى واقعية هذا الاستفتاء وجدواه في ظل خلافات كردية داخلية وأزمات اقتصادية.
DW عربية طرحت هذه التساؤلات على الدكتور رجائي فايد، رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية، وكان لنا هذا اللقاء:
DW عربية: كيف تبدو صورة الدولة الكردية المحتملة في إقليم كردستان العراق من الناحية القانونية، على افتراض أن الاستفتاء المعلن عنه في سبتمبر/ أيلول المقبل سيُصوت بنعم على هذه الدولة؟
رجائي فايد: من الناحية القانونية يستند الأكراد إلى إعلانات الأمم المتحدة الخاصة بحق تقرير المصير للشعوب، لكن هذه الإعلانات لم تعطِ هذا الحق بشكل مطلق، وإنما تم تقييده بقيود مختلفة منها ألا يؤدي تنفيذ هذا الحق إلى توترات سياسية وإلى عنف.
أما فيما يتعلق برغبة أهل إقليم كردستان في الاستقلال، فحتى يحدث ذلك لابد من توافق ثلاث دوائر وهي الدائرة الداخلية والدائرة الإقليمية والدائرة الدولية. ما يتعلق بالدائرة الداخلية فهناك معارضة لمسألة الاستفتاء داخل إقليم كردستان تنطلق من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيش فيها الإقليم، بالإضافة إلى تعطل البرلمان الكردي عن العمل بعد حدوث مشاكل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني وبين حركة التغيير بقيادة شيروان مصطفى.
نعلم أن رئيس البرلمان الكردستاني من حركة التغيير، ونتيجة لتلك المشاكل تم منعه من الوصول إلى أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) وإلى البرلمان، كما أن الوزراء الذين ينتمون إلى كتلة التغيير خرجوا من الحكومة، وبالتالي كيف يمكن القيام باستفتاء وبرلمان الإقليم غير مفعل، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها الإقليم التي تسببت في عدم استلام الموظفين لرواتبهم لعدة أشهر، فكل ذلك يصعب من إجراء الاستفتاء.
التواصل الاجتماعي.. ساحة أخرى للجدل حول استفتاء كردستان
أما من حيث شرعية الإجراء نفسه من حيث المبدأ، فهناك مقال لكاتب عراقي مهم قال إن الدستور تحدث عن الأقاليم ولكنه لم يتحدث عن انفصالها عن العراق. وقلت تعليقاً على ذلك في إحدى مقالاتي أنه طالما أن هناك إقليم يريد الخروج والانفصال فبالتالي لا علاقة له بما يقوله الدستور في هذا الشأن.
هناك مشكلة أخرى وهي مشكلة المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل وهي في سهل الموصل وكركوك، والأكراد حتى هذه اللحظة متمسكون بتلك المناطق. والمادة 140 من الدستور حددت خطوات التعامل مع هذه المشكلة ولم يتم تنفيذ هذه المادة على الإطلاق، رغم أنه كان لها سقف زمني عام 2007 وانتهى السقف الزمني ولم يتم تنفيذ ما ورد فيه. وبالتالي نشأ رأيان: الأول يقول إن السقف الزمني انتهى وعليه فقد انتهت المادة، والآخر يقول طالما أنها جاءت بموجب استفتاء للشعب العراقي فبالتالي لا يمكن إلغاؤها إلا باستفتاء جديد.
أما المشكلة الأخرى المتعلقة بالمادة فهي ما قيل من أن الحدود يرسمها الدم ونحن نعلم أن البشمركة هم الذين حموا كركوك وهي تحت سيطرتهم الآن، كما أن مناطق واسعة من سهل الموصل تقع تحت حمايتهم وتلك هي أكبر المناطق المتنازع عليها، وفكرة أن الحدود يرسمها الدم رغم أنها رأي عاطفي إلا أنها يحكمها أيضاً منطق القوة، فيقول الأكراد نحن حمينا كركوك وهي منطقة متنازع عليها وهرب منها الجيش العراقي فنحن الأولى بها.
إذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم، هل ستكون الدولة الكردية قابلة للحياة والعيش؟
لدى من يعارضون مسألة الاستفتاء والانفصال من الأكراد هاجس جنوب السودان والذي انفصل عن شماله لكنه أصبح دولة فاشلة، وأجد من الصعوبة أن تكون هذه الدولة قابلة للحياة حيث ستكون عبارة عن جزيرة منعزلة عن العالم محاطة ببحر من الأعداء، فبقية العراق ستعاديها وكذلك إيران وتركيا.
إضافة إلى ذلك فإن اقتصاد الإقليم يعتمد أساساً على تصدير النفط والذي يتم من خلال أنبوب يمر إلى تركيا في منطقة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، والذي سبق لميليشياته أن فجرت تلك الأنابيب ما كبد الإقليم خسائر فادحة في إعادة إصلاحها من جديد، فكيف يمكن لاقتصاد أن يعتمد أساساً على هذا الأنبوب النفطي الذي يمر من منطقة فيها من يعاديه – الحزب الديمقراطي الكردستاني - عداء محكماً.
احتمالات فشل هذه الدولة تفوق احتمالات النجاح.
أما الدائرة الإقليمية وهي إيران وتركيا فموقفهما واضح ومعلن تماماً من مسالة الانفصال وإقامة الدولة الكردية. وفيما يتعلق بالدائرة الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فأمريكا تدعم الأكراد ولكن في حدود لكن ليس إلى حد إقامة الدولة، كما أن أمريكا قالت أكثر من مرة إن هذا ليس أوان إقامة الدولة على أساس أن مسألة الاستفتاء ستؤدي إلى تفتت التوحد الذي حدث في مواجهة داعش، حيث توحدت فصائل كان بينها دم في السنوات الماضية، فتوحد الجيش العراقي مع قوات البشمركة والحشد الشعبي الشيعي، وإقدام الأكراد على هذا الاستفتاء سيؤدي بكل تأكيد إلى تفتت التوحد، والذي بالتأكيد أيضاً سيصب في مصلحة داعش.
إذن، لماذا أقدم الأكراد على الإعلان عن هذا الاستفتاء مع إدراكهم أنهم سيكونون محاطين بأعداء وأن هذا الموضوع سيجر عليهم وبالاً اقتصادياً أكثر مما يتعرضون له الآن؟
بالطبع من يدعو إلى الاستفتاء يعلم يقيناً أن أي سياسي لو أعلن بوضوح أنه ضد استقلال كردستان سيتضرر سياسياً على أساس أن حلم الدولة الكردية موجود في يقين كل كردي في المنطقة. وبالتالي فإن أي شخص يعارض هذه المسالة قد يخسر الكثير.
نعلم أن مسعود برزاني انتهت فترة ولايته من أكثر من عامين وفق القانون الأساسي لإقليم كردستان والذي يقول إن رئيس الإقليم له مدتين في الحكم وبانتهائهما تم منحه عامين إضافيين وأيضاً. انتهت مدة السنتين وحدثت مشاكل على منصب الرئاسة، بل إن الأحزاب المعارضة ذهبت إلى بغداد والتقت بالسفير الأمريكي وطلبت منه المساعدة في إجراء استفتاء لاختيار رئيس جديد، فقال لهم السفير الأمريكي "ليس هذا وقته" بسبب مشكلة داعش.
عندما يكون لدى رئيس الإقليم نفسه لديه مشكلة في منصبه ثم يعلن عن الاستفتاء ويقول إنه حق وإن الدولة ستقوم وإن الحلم الكردي سيتحقق، حينئذ ننسى مسألة الرئاسة ونتعامل مع على أنه الزعيم الذي حقق ما لم يستطع أي زعيم كردي تاريخي سابق تحقيقه.
إذن أنت ترى أن مسعود برزاني يحاول تجاوز الأزمة التي يتعرض لها شخصياً عن طريق الاستفتاء؟
ليس بالمطلق فهذا أحد الأسباب، أما الأسباب الأخرى فهي أنه رأى التفكك القائم في الدولة العراقية، وأن الفرصة متاحة ويستطيع أن يحقق الحلم الأزلي للأكراد، وبالفعل نستطيع أن نقول إن العراق مقسم حالياً في الواقع الفعلي: فالحشد الشعبي كميليشيات أصبح –بعد صدور قانون- جزء من الدولة العراقية ورديفاً للجيش العراقي، وفي الوقت نفسه نجد آلياته ترفع رايات الطوائف التي تنتمي إليها.
وهنا جب الانتماء الطائفي الانتماء الوطني، رغم أنه هناك قانون للحشد الشعبي جعله أحد المؤسسات الوطنية.
هذا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم والتي لها عدة أسباب أحدها اللاجئين في المنطقة الكردية والذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون شخص. ويشكل عددهم ضغطاً اقتصادياً هائلاً، لكن الأهم من ذلك أن هناك مشاكل اقتصادية بين أربيل وبغداد أدت إلى عدم تلقي الموظفين رواتبهم لشهور.
وبالتالي وجد برزاني أن بغداد تسعى لتركيع الإقليم وتجويعه، ومن هذا المنطلق وطالما أن العراق مفتت بهذا الشكل فقد وجد أن الفرصة سانحة لإجراء استفتاء ومن ثم إعلان الدولة.
وإذا كان العراق بهذا التفكك، فما الذي يجبرني على أكون جزء منه، هذا هو تفكير مسعود برزاني.
هل تعتقد أن ورقة الدولة الكردية قد تستخدمها دول أخرى في المنطقة في صراعاتها الداخلية، على سبيل المثال: هل يمكن للسعودية أن تستخدم الورقة الكردية للضغط على تركيا لتسحب دعمها لقطر فتقدم دعماً لدولة كردية ناشئة حتى لو تعرضت لمشاكل اقتصادية؟
هذا وارد تماماً واستخدام الورقة الكردية ليس بالأمر الجديد على مر التاريخ، إذ كانت تستخدم كمخلب قط لتنفيذ مآرب ضد الدولة العراقية، فمن الوارد أن تستخدم هذه الورقة من السعودية ضد تركيا ومن قبل إيران أيضاً أو أن يتم اللعب بها أمريكياً فهذا ليس بالأمر المستبعد.
أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق