الدنمارك ومحاولاتها لعرقلة وصول اللاجئين إلى أراضيها
١٠ سبتمبر ٢٠١٥تغير المناخ العام في مركز سومرستيد لاستقبال طالبي اللجوء بجنوب الدنمارك عندما لاحظ اللاجئون السوريون الـ 150 المقيمون فيه منشورا على لوحة الإعلانات. هذا المنشور عبارة عن نسخة من إعلان نشرته صحف شرق أوسطية لحساب حكومة الدنمارك، وهو مصمم لإقناع اللاجئين بالعدول عن فكرة السفر إلى الدنمارك.
ويوضح الإعلان المنشور القيود الشديدة المفروضة من أجل جعل الدنمارك دولة أقل جاذبية للاجئين من دول أخرى في أوروبا، ومنها خفض الإعانات الاجتماعية للقادمين الجدد بنسبة 50 في المائة، وفترة انتظار مدتها عام كامل قبل السماح للاجئين باستقدام عائلاتهم، إضافة إلى فترة انتظار مدتها خمس سنوات قبل الحصول على تصريح بالإقامة الدائمة.
ويقول محمد المزبوط، وهو رجل أعمال من مدينة اللاذقية السورية: "الناس هنا ليسوا سعداء. نحن لا تهمنا الإعانات الاجتماعية، لأن أغلب من جاءوا إلى هنا (الدنمارك) لا يريدون أن يعيشوا على الإعانات، بل يريدون العمل. إنهم يبحثون عن فرص عمل، وهذا أول ما يفعلونه. ما يقلقنا هو الإقامة الدائمة ووضع العائلات."
المزاج بدأ يتبدل في مركز سومرستيد، مع إدراك اللاجئين أنهم عالقون في الدنمارك ولا يستطيعون التحرك منها إلى دول أخرى، مثل السويد وألمانيا، التي توجد بها شروط معيشية أفضل.
تم أخذ بصمات جميع السوريين المقيمين في مركز استقبال طالبي اللجوء بسومرستيد، وذلك طبقاً لاتفاقية دبلن 2، وهي بمثابة القانون الأوروبي الذي ينظم عملية طلب اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي. لذلك، إذا حاول هؤلاء السوريون تقديم طلب لجوء في السويد أو ألمانيا، فإن السلطات هناك ستعيدهم إلى الدنمارك.
ويوضح محمد المزبوط أن سكان المركز يأملون في عقد اجتماع مع موظفي مكتب شؤون المهاجرين الدنماركي من أجل الحصول على وثيقة تعفيهم من هذا الإجراء وتسمح لهم بالسفر إلى السويد، والتي أعلنت عن منحها حق الإقامة فوراً لكل لاجئ سوري يصل إليها.
حزب ضد الهجرة ينتقد "متسوقي طلب اللجوء"
من بين جميع الدول في شمال أوروبا، تمتلك الدنمارك أكثر القوانين تقييداً لطالبي اللجوء. تم إقرار هذه القوانين الأسبوع الماضي، بعد ثلاثة شهور من الانتخابات العامة التي أفضت إلى فوز الحزب الليبرالي (يمين وسط)، وذلك بدعم من حزب الشعب الدنماركي المعادي للهجرة.
قاد حزب الشعب الدنماركي سياسات الهجرة في البلاد وأصر على أن تعيد الدنمارك نقاط التفتيش الحدودية على حدودها مع كل من ألمانيا والسويد. وحول ذلك، يقول كريستيان ثوليسين دال، زعيم الحزب: "اللاجئون يتسوقون اللجوء ... إنهم يسافرون عبر دول مسالمة من أجل الوصول إلى مكان يحصلون فيه على أكبر قدر من المنافع المادية. إنه أمر مثير للضجر."
ضغط ألماني
لكن رئيس الوزراء الدنماركي، لارس لوكه راسموسن، ما يزال رافضاً لمطالب حزب الشعب الدنماركي، معتبراً أن إعادة إقامة النقاط الحدودية سيؤدي إلى ضغط أكبر من قبل اللاجئين. كما تعرض راسموسن لضغط كبير من قبل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أجل تخفيف موقف الدنمارك فيما يتعلق بالمشاركة في تحمل عبء اللاجئين، ذلك لأن راسموسن وافق على إدخال عدد محدود من اللاجئين إلى البلاد بعد مكالمة هاتفية أجرتها معه ميركل. وأضاف رئيس الوزراء: "يجب أن ننظر لأنفسنا ملياً
ومنذ يوم الأحد الماضي، وصل نحو 1300 لاجئ إلى الدنمارك قادمين من ألمانيا، وشهد ميناء رودبي، حيث ترسو العبّارات التي تسافر على مدار الساعة من مدينة بوتغارتن الألمانية، مشاهد فوضوية، إذ يعتقد أن نحو 500 لاجئ اختفوا، وفرّ آخرون عبر السكك الحديدية إلى الغابات عندما اقتربت منهم الشرطة. لكن بعض من تم احتجازهم تعرضوا للاستجواب بشأن نواياهم ومن ثم أعيدوا إلى ألمانيا.
وأضافت الشرطة في جنوب الدنمارك في بيان: "هؤلاء أناس لا يريدون طلب اللجوء (في الدنمارك) وهم بالتالي موجودون هنا بصورة غير قانونية. لقد تم ترحيلهم ومنعهم من إعادة دخول البلاد لمدة سنتين ... المجموعة الأولى كانت تضم بعض العشرات، ولكن المزيد سيتبعونهم بعد إتمام معاملات الآخرين".
هذا وقام آخرون بالمشي على طول الطريق السريع شمالاً، على أمل الوصول إلى السويد.
تذكير بالحرب العالمية الثانية
التقت مجموعات دعم بلاجئين وصلوا إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن بالقطار، على أمل قطع مضيق أوريسوند والوصول إلى مدينة مالمو السويدية بالقطار.
كما حمل بعض الدنماركيين لاجئين بالقوارب إلى السويد، حسب تقارير. هذا العمل الرمزي للغاية، والمصمم لمحاكاة قوارب الصيد التي نقلت اليهود الفارين إلى السويد المحايدة والآمنة هرباً من النازيين الذين احتلوا الدنمارك خلال الحرب العالمية الثانية.
من جانبها، قالت الشرطة السويدية إنها اعتقلت 14 شخصاً حاولوا تهريب طالبي اللجوء عبر جسر أوريسوند الذي يربط بين البلدين. لكن لا يُعرف بعد من بين المعتقلين من تحركوا بدوافع إجرامية ومن قاموا بذلك بدوافع إنسانية محضة بحكم انتمائهم إلى منظمات دعم خيرية.
لكن من المرجح أن يؤدي الارتفاع المطرد والمفاجئ لأعداد اللاجئين في الدنمارك إلى زيادة الضغط السياسي الداخلي على رئيس الوزراء راسموسن، الذي لن يستطيع النجاة برلمانياً بدون دعم حزب الشعب الدنماركي. وإذا ما أغضب راسموسن حزب الشعب من خلال إبداء الضعف تجاه قضية الهجرة، فإن الحكومة الدنماركية قد تنهار.