الدار البيضاء.. محطة معاناة أخرى بطريق المهاجرين نحو أوروبا
٢٢ مارس ٢٠٢٣يوم الخميس 16 آذار/مارس، طردت الشرطة المغربية عشرات المهاجرين من مخيماتهم العشوائية في جبل غوروغو، الواقعة في غابات شمال المغرب، بالقرب من الناظور. يختبئ المهاجرون في هذه المنطقة أثناء انتظارهم لمحاولة العبور إلى إسبانيا برا عبر جيب مليلية، أو عبر البحر الأبيض المتوسط.
خلال الأشهر الأخيرة، تضاعفت عمليات الطرد هذه والتي يتم خلالها القبض على المهاجرين ووضعهم في حافلات وإرسالهم إلى وسط البلاد، في أغلب الأحيان إلى بني ملال. وذلك بهدف إبعادهم عن الساحل لمنعهم من الوصول إلى أوروبا.
من بني ملال، يحاول المهاجرون العودة إلى الشمال، وتمثل الدار البيضاء المحطة الأولى لهم، حيث تبعد حوالي 200 كلم عن المناطق الحدودية، لكن بالنسبة للكثيرين منهم ينتهي الطريق هنا، إذ باتت هذه المدينة الساحلية المحطة الأخيرة لآلاف المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء.
الوصول إلى السواحل شبه مستحيل
وبدأ المهاجرون مؤخراً بمواجهة الكثير من المصاعب إذا ما أرادوا الوصول إلى السواحل الشمالية، فلم تعد تُباع لهم تذاكر الحافلات المتوجهة للمدن الشمالية، وإذا حاولوا ركوب الحافلات، يتم طردهم.
نتيجة لذلك، استقر مئات الأشخاص بالقرب من محطة حافلات "أولاد زيان" في الدار البيضاء، على أمل الوصول إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط بطريقة أو بأخرى.
بالقرب من تلك المحطة، أنشئ مخيم يأوي المهمشين والمتسولين وأطفال الشوارع والنشّالين. قال صلاح الدين لميزي وهو رئيس تحرير موقع "Enass" المتخصص في الهجرة، والمقيم في الدار البيضاء، "إنه مكان سيئ السمعة، حتى المغاربة يتجنبون الذهاب إليه".
بدأ تكون المخيم في نهاية عام 2015، قبل الإجراءات المغربية الجديدة بوقت طويل. لكنه استمر في النمو إلى أن اختفى في عام 2019 بسبب نشوب حريق. منذ ذلك الحين، أعيد بناء المخيم بشكل عشوائي على شكل مجموعات صغيرة من الخيام. وفي الأشهر الأخيرة، انتقل عدد متزايد من المهاجرين إلى المخيم ليجدوا أنفسهم عالقين بين طريقين سريعين، بالإضافة إلى أنهم ينامون وسط أنابيب المياه العادمة، دون الوصول إلى المراحيض أو أماكن الاستحمام. كما يصبح التعايش أكثر صعوبة مع السكان المحليين، الذين عبروا عن استيائهم من وجود المخيم.
ومن جانب آخر، يتعين على المهاجرين التعامل مع الشرطة التي تفكك خيامهم المؤقتة بانتظام. وخلال هذه العمليات التي غالبا ما تكون عنيفة، يتم إلقاء المراتب والملابس والأطباق والممتلكات الشخصية في صناديق القمامة. لكن المهاجرين يعودون إلى نفس المنطقة بعد فترة وجيزة.
وفي اتصال مع مهاجر نيوز، قال الباحث المغربي علي الزبيدي "نحن لا نلومهم، ليس لديهم مكان يذهبون إليه. على الحكومة أن تفتح الملاجئ".
نقطة التحول في حزيران/يونيو 2022
لكن السياسات التي تتبعها السلطات لا تتجه نحو هذا الحل. يشير الصحفي صلاح الدين لميزي إلى أن "نهج السلطات أمني أكثر منه نهج إنساني".
وشهدت سياسة الدولة في التعامل مع ملف الهجرة نقطة تحول العام الماضي، مباشرة بعد مأساة مليلية في 24 حزيران/يونيو 2022، عندما حاول ما يقرب من 2000 شخص عبور الأسلاك الشائكة التي تفصل الجيب الإسباني عن الأراضي المغربية. ولقي 20 مهاجرا مصرعهم في اشتباكات مع الشرطة وسجن حوالي 30 آخرين بتهمة "عبور الحدود بشكل غير قانوني".
منذ هذه المأساة التي أثارت الكثير من ردود الأفعال الغاضبة، ضاعفت الرباط جهودها لطرد المهاجرين المتواجدين في شمال البلاد. يقول علي الزبيدي "هناك عدد أقل بكثير من الناس على الساحل في الوقت الحالي". يوافق صلاح الدين اللميزي "قبل حزيران/يونيو 2022، كان بإمكان المهاجرين البقاء في الغابات، فقد كان يتم التسامح معهم إلى حد ما. أما اليوم، هناك عدد قليل جدا منهم بالقرب من الناظور وتطوان، حتى أولئك الذين تمكنوا من الخروج باتجاه الشمال، لا يستطيعون الوصول إلى الغابات".
وهكذا، تحاول السلطات احتواء تدفق المهاجرين في وسط المغرب، بين الرباط وأغادير. صلاح الدين اللميزي يعلق "الدار البيضاء هي الحدود الجديدة لأوروبا".
تجريم الهجرة
جعلت إسبانيا والاتحاد الأوروبي المغرب شريكهما المميز في محاربة الهجرة غير الشرعية. المملكة غارقة في التمويل - 500 مليون يورو تم ضخها من قبل بروكسل العام الماضي - لمنع المهاجرين من الوصول إلى القارة العجوز. صلاح الدين اللمايزي قال "ما نراه في الدار البيضاء وشمال المغرب هو من أعراض سياسة مراقبة الحدود وإضفاء الطابع الخارجي عليها، وكذلك الضغط الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي على الرباط".
وفي شباط/فبراير، اتخذت السلطات المغربية إجراءات إضافية لـ"تجريم الهجرة"، فبعد اشتباكات مع الشرطة أثناء تفكيك مخيم "أولاد زيان"، حكم على ستة مهاجرين بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها 60 ألف درهم (حوالي 5000 يورو)، بتهمة "إهانة المسؤولين العموميين والاعتداء عليهم وتدمير الممتلكات العامة والهجرة غير الشرعية"، وكانت هذه المرة الأولى التي تصدر أحكام مشابهة على مهاجرين في الدار البيضاء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هل ستمنع هذه السياسات توافد المهاجرين؟ يجيب شاب أفريقي يبلغ من العمر 23 عاماً، في لقاء مع موقع "Enass"، قائلا "عبرت الصحراء الكبرى بأكملها، من النيجر إلى الجزائر، مشيت عشرات الكيلومترات. نجوت من مهربين من جميع الأنواع. لن يمنعني شيء من هدفي".