الخوف والتوتر والصدمة...الآثار النفسية للولادة أثناء الحرب
١٤ مارس ٢٠٢٢أكثر من 80 رضيع ولدوا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في مخابئ محصنة ضد القصف في العاصمة الأوكرانية كييف. فظروف الحرب الصعبة سواء في أوكرانيا أو غيرها من مناطق التوتر تضطر الأمهات إلى الولادة وسط أجواء استثنائية وغير صحية، مما يشكل مخاطر نفسية وجسدية على الأم والرضيع ليس فقط وقت الولادة فحسب وإنما أيضا على المدى المتوسط والطويل.
تقول مارتينا كروز، وهي مولدة معتمدة من الدولة وخبيرة في التفاعل بين الصدمة والحمل: "تحتاج الولادة إلى الراحة، فعندما تسقط القنابل بالقرب من مكان الولادة ، فالمرأة تصبح غير قادرة على الاسترخاء."
وحتى قبل الولادة ، فإن الخوف الدائم من القصف أو من وضع مماثل شديد التوتر، يمكن أن يؤثر على حياة الجنين وهو لا يزال في بطن أمه. وتقول كورنيليا شفارتس، وهي عالمة نفس وباحثة مساعدة في جامعة هايدلبرغ الألمانية: "يتفاعل جسمنا مع مثل هذه التجارب المجهدة كما كان يحدث في العصر الحجري". وتوضح الباحثة ايضا في آثار التوتر والصدمات على الحمل: "نكون في حالة تأهب قصوى لتأمين أفضل سبيل لبقائنا على قيد الحياة، لذلك تفرز أجسامنا كميات كبيرة من الكورتيزول".
فهرمون التوتر يشق طريقه من مجرى دم الأم عبر المشيمة إلى مجرى دم الجنين. وبخلاف حالة التوتر اليومي العادي التي تكون فيها الكمية المنتقلة من الكورتيزول قليلة جدًا بحيث لا يكون لها أي تأثير، فإن في حالة الحرب يكون هناك إنتاج عالي من الكورتيزول، بحيث يمكن أن يسبب للطفل وهو ما زال في بطن أمه، حساسية أعلى للتوتر.
لكن الباحثة شفارتس تؤكد أن هذا الأمر ليس حتميا فهناك أطفال ولدتهم أمهاتهم في ظروف صعبة لكنهم تطوروا بشكل جيد. لكن يبقى أنه كلما كانت الولادة في ظروف غير طبيعية كلما زاد احتمال تعرض الطفل لمشاكل في مراحل نموه، تقول شفارتس.
تأثر علاقة الأم والطفل بعد الولادة
أيضا زيادة القلق والتوتر قد تجعل الولادة أطول وأكثر صعوبة وإيلامًا، على حد قول شفارتس. "هذا الوضع قد يتسبب في انخفاض انقباضات المخاض، وتثبيط تقلص الرحم بسبب التوتر. بالإضافة إلى ذلك، "قد ينخفض إمداد الجنين بالأكسجين إذا أدى التوتر إلى تضييق شرايين الأم وأصبح الرحم أقل إمدادًا بالدم".
لذلك ينصح في مثل هذه الحالات بإظهار التعاطف والقرب والدعم للأم وهو الأمر الذي سيساعدها كثيرا على مواجهة ظروف الولادة الصعبة. وإذا تواجد شخص مقرب بجانب الأم أثناء الولادة أو إذا نجح الأطباء وفريق التوليد في منح الشعور بالأمان للأم فإن ذلك قد يعوض أشياء كثيرة"، كما تؤكد تقول مارتينا كروز الخبيرة في التفاعل بين الصدمة والحمل.
وحتى في مرحلة ما بعد الولادة التي تمت في ظروف متوترة مثل الحرب أو الهروب من القتال، قد تكون هناك أثار على العلاقة بين الأم والطفل وهو ما توضحه الباحثة شفارتس بالقول "على المدى الطويل يصبح هناك فقدان للشعور بالأمان عندما لا يكون عند المرأة يقين ما إذا كانت ستظل على قيد الحياة أو أن بيتها سيظل موجودا بعد الحرب. فعندما لا تعرف هي مآل الأمور فماذا يمكنها أن تنقل لطفلها؟"
وفي أسوأ الحالات ، يمكن للمرأة أن تصاب باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) نتيجة لتجربة الولادة الصعبة. وهذا الأمر قد يحدث أيضًا بدون حرب ولكنه أكثر احتمالًا في المواقف الحرجة. وتقول الباحثة شفارتس بهذا الخصوص: "تصبح استجابة للأم اتجاه الرضيع قليلة، لأن الأم هي بنفسها في وضع صعب وهو ما يمكن أن يؤثر بشدة على الصلة التي تربط بين الأم والطفل".
لكن كل هذه الأثار السلبية لا تحدث دائما بشكل حتمي. فالولادة التي تتم في مثل هذه الظروف الاستثنائية يمكنها أن تقوي أيضا العلاقة بين الأم وطفلها حسب ما توضحه خبيرة التفاعل بين الصدمة والحمل كروسه، والتي تؤكد أن الأم التي استطاعت الإنجاب في ظروف صعبة يمكنها أن تخرج من هذه التجربة بقوة أكبر.
كارلا بلايكر/هـ.د