الخلفيات السياسية والتاريخية لمشكل الحدود بين العراق وإيران
١١ يناير ٢٠١٠من المقرر أن تبدأ لجنة عراقية إيرانية مشتركة أعمالها بشأن ترسيم الحدود بين البلدين هذا الاسبوع، وجاء هذا الإعلان لطمأنة العراقيين إثر دخول جنود إيرانيين لحقل نفط الفكة واحتلالهم لأحد الآبار فيه بحجة أنها جزء من الأراضي الإيرانية، وهذا حادث يمكن أن يتكرر في مناطق أخرى على طول الحدود العراقية الإيرانية الممتدة على مسافة أكثر من 1200 كم:
حدود لم يتم ترسيمها من جديد بعد إلغاء الاتفاقية الوحيدة بين البلدين المبرمة عام 1936، والتي ألغاها العراق في عهد نظام صدام حسين. ويذكر أن صدام حسين نفسه عاد ووقع اتفاقية الجزائر مع شاه إيران عام 1975 والتي تنازل بموجبها عن نصف شط العرب لصالح إيران مقابل وقف الشاه مساعداته لأكراد العراق وحركتهم المسلحة والتي انهارت بالفعل في تلك السنة بعد أن أغلقت إيران الحدود بوجه المقاتلين الأكراد بزعامة مصطفى البارزاني، كما يقول الخبير القانوني والكاتب العراقي سردار عبد الله في حديث لموقعنا.
"ملف الحدود كأداة للضغط السياسي"
ويقول الخبير القانوني سردار عبد الله إن ملف الحدود بين العراق وإيران كان يستخدم دوما كأداة ضغط من جانب طرف ضد الطرف الآخر، ويتابع حديثه بالقول إن اتفاقية الجزائر أبرمت نتيجة قوة شاه إيران الذي لعب ورقة القضية الكردية لصالح بلاده. فيما وجد نظام حزب البعث العراقي نفسه في وضع ضعيف إزاء تنامي قوة الحركة الكردية المسلحة وقام "بالتنازل عن حقوق العراق الحدودية لصالح إيران"، على حد تعبيره.
بيد أن نظام صدام حسين عاد في عام 1979 وبعد سقوط نظام الشاه في إيران، وألغى الاتفاقية بعد أن لاحظ ضعف النظام الجديد في طهران وعزلته اقليما ودوليا مستغلا الفوضى السياسية في عموم البلاد. ويلاحظ الخبير القانوني أن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت حوالي ثماني سنوات لم تغير من الواقع الفوضوي القائم على حدود البلدين شيئا، بل يمكن القول أن الحرب المدمرة بين الجانبين أضافت تعيقدات جديدة إلى أوضاع الحدود المعقدة أساسا. فالحرب توقفت دون عودة قوات البلدين إلى خطوط الحدود التي كان معترف بها دوليا قبل الحرب. ولهذا ظهرت مناطق مشتركة لم تكن موجودة في الماضي، بما في ذلك حقول نفطية كثيرة في جنوب ووسط العراق، ما يضفي على ملف الحدود حساسية مفرطة لدى الجانبين، كما لاحظ المراقبون ذلك أثناء أزمة بئر الفكة وتداعياتها السياسية في العراق وفي إيران على السواء.
مشكل الحدود من مخلفات الحقبة الاستعمارية
المشاكل الحدودية في المنطقة لا ترتبط بالعراق وإيران فقط، فهناك مشاكل حدودية عديدة بين إيران وجوارها في كل الاتجاهات كما هو الحال مع العراق الذي يعاني من مشاكل حدودية مع الكويت والسعودية والأردن وسوريا وتركيا والتي حاول نظام صدام حسين حل هذه المشاكل تارة بالحرب كما هو الحال مع الكويت، وتارة بالتنازل أمام الآخرين كما هو الحال مع منطقة الحياد مع المملكة العربية السعودية حيث "تنازل العراق عن حقوقه لصالح المملكة". العراق تنازل أيضا لصالح الأردن في تصفية مشاكل الحدود، كما يؤكد ذلك الخبير العراقي سردار عبدالله. ويشيرالمتحدث إلى مشاكل الحدودية بين المملكة العربية السعودية واليمن وقطر. بالإضافة إلى المشاكل الحدودية بين الدول الخليجية من جانب وبينها وبين إيران من جانب آخر.
كل هذه المشاكل يرجعها الخبير العراقي إلى مخلفات الحقبة الاستعمارية في المنطقة. ويبرر ذلك بالقول إن القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص، قسمت جغرافيا فيما بينها دون أن تأخذ مصالح شعوب المنطقة بعين الاعتبار. كما لم تأخذ القوى الاستعمارية المهيمنة آنذاك، حسب تعبير المتحدث، حتى نتائج الاستفتاءات الشعبية التي أجرتها عصبة الأمم في بعض المناطق كالعراق مثلا بعين الاعتبار لأنها جاءت مغايرة لمصالحها الجيوسياسية. ويتابع المتحدث أن المنطقة دخلت مرحلة التحرير من الاستعمار وهي محملة بعبء ثقيل يحمل عنوان مشاكل الحدود.
فرص حل المشكل اليوم بين العراق وإيران
تبدو أوضاع العراق وإيران اليوم غير مستقرة، فإيران تواجه أزمة داخلية عميقة تهدد أركان النظام القائم. والعراق لم يصل بعد إلى شاطيء الأمان والاستقرار السياسي. فمن هو الطرف الأقوى الذي سيفرض شروطه على الجانب الآخر؟ وهل الظروف الإقليمية والدولية ملائمة لحل وسط يرضي الجانبين؟
عن هذه الأسئلة يقول الخبير العراقي سردار عبدالله إن الطرف العراقي هو الأضعف حاليا، وإيران رغم مشاكلها الداخلية تبقى هي الأقوى. ولهذا لا يتوقع الخبير العراقي أن يتم حل مشاكل الحدود في القريب المنظور كما يتوقع البعض، مضيفا أن على العراق، أن يتوجه لحل مشاكله الداخلية والإثنية منها والسياسية لكي يكون قويا بما يكفي قبل دخول معادلة القوى الإقليمية وحسم مشاكل الحدود لصالحه. فحسن النوايا لوحدها لاتكفي لتثبيت حق هذا الطرف أو ذاك. وإنما مدى القوة التي تبديها الدولة الحديثة في ظهورها إقليميا ودوليا ستجعل فرص الحصول على حصة الأسد من مياه وثروات المناطق الحدودية.
الكاتب: حسن ع. حسين
مراجعة: حسن زنيند