الخطاب التحفيزي الإسلامي... جزء من الواقع الألماني
٥ ديسمبر ٢٠١٣الصالة تضج بالهتاف. تتعالى الأصوات لدرجة أنها تصل إلى المسجد المجاور. يتناول براق يلمظ، أو " الخطيب المحفّز"، كما يعرّف نفسه لـDW، في خطابه بعض الشؤون الدينية التي لا تتعلق بالعقيدة والإيمان فقط، وإنما تعرج على كرة القدم - إما "غلطة سراي" أو "فناربخشة"، بالإضافة إلى دعم النقابات العمالية ضد الطبقات النخبوية الغنية. مسألة دعم واحد من فريقي كرة القدم، التي قسمت تركيا إلى معسكرين، تحضر هنا بقوة في هذا التجمع الجماهيري في يوم أحد من أيام شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بمدينة ليفركوزن الألمانية.
الجمهور كله آذان صاغية للواعظ يلمظ، الذي يتناول موضوع "نعمة السعادة". لقد جاء يلمظ من تركيا خصيصاً من أجل هذا الحفل و بناءاً على دعوة من "الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية" (DITIB)، الذي يعتبر أكبر منظمة إسلامية تركية في ألمانيا و معروف بقربه من الدولة التركية.
وتقول الباحثة الاجتماعية تيريزا بابل شميت من جامعة غيسن الألمانية إن "حوالي ثلثي المساجد التركية في ألمانيا منضوية تحت مظلة هذا الاتحاد، الذي يمر الآن بمرحلة تحول من مجرد اتحاد للشؤون الدينية إلى الانخراط أكثر بمسائل الاندماج".
غذاء الروح
ويقول حسن إيدن، الذي يبلغ من العمر 25 عاماً ويدرس الاقتصاد، إن هدف اللقاء هو التواصل بشكل أفضل بين الأندية الشبابية المنضوية تحت مظلة الاتحاد الإسلامي التركي، مضيفاً أن تجمعات كهذه لا تعني بناء مجتمع مواز معزول عن المجتمع الألماني، بل إنها الخطوة الأولى نحو اندماج أفضل في ألمانيا.
يركز يلمظ في خطابه على التواصل والتبادل والحوار مع الذات والمحيط والعائلة ومع الله. وهذه برأيه هي الطرق الأربع للسعادة. كما يشدد على الصلاة، صائحاً في الميكرفون: "كما يحتاج الجسم للغذاء المادي، كذلك تحتاج الروح إلى غذاء، وغذاء الروح هو الصلاة".
هويّات متعددة
قدم حوالي ألف شاب ألماني من أصول تركية من كل أنحاء ولاية شمال الراين وستفاليا ليستمعوا إلى براق يلمظ، وسط جو عائلي بامتياز، فالناس يتعانقون ويتعرفون على بعضهم البعض والابتسامات ترتسم على الشفاه و الوجوه، بينما أخذ الأطفال باللعب. جميع الحاضرين مسلمون سنة من أصول تركية، درس معظمهم تقريباً في ألمانيا ويحملون الجنسية الألمانية ويتحدثون لغةً ألمانية لا تشوبها شائبة وبلكنة ألمانية صافية.
ومن جانبه، يعتبر الباحث الإسلامي بيكم آغاي أن هؤلاء الشباب جزء من الحياة الألمانية، فالناس في ألمانيا يمتلكون عدة هويّات لا تتطابق بالضرورة مع الصورة التقليدية لألمانيا ومع ذلك، فهي باتت جزءاً من ثقافتها. ويؤكد آغاي أن هذه الثقافات غالباً ما ينظر لها كثقافات ثانوية، إلا أنها ومنذ فترة بعيدة جزء لا يتجزأ من الواقع الألماني.
الديِن والموضة
وتشير أسماء جكماك، البالغة من العمر 24 عاماَ وتدرس الماجستير في العلوم الضريبة وترتدي الحجاب: "كل شخص ينتمي إلى مجموعة معينة ونحن ألمان مسلمون من جذور تركية. أتعجب أحياناً عندما ما يسألني البعض عن سر لغتي الألمانية الجيدة. لماذا لا يجب أن تكون لغتي الألمانية جيدة؟ لقد ولدت وترعرت هنا".
ويوافقها رمضان يلدز الرأي، وهو شاب يرتدي آخر صرعات الموضة والماركات العالمية ولكن الإسلام جزء من حياته، فهو يرتاد المساجد ويصوم رمضان. أما عن بلده الأصلي تركيا، فيقول: "أنا أولاً وقبل كل شي ألماني من مدينة كولونيا. لكن عندما يتعمق السائل أكثر، أجيبه بأن أصلي تركي ولكني أحمل الجنسية الألمانية".
على صعيد آخر، يشير الباحث بيكم يرأي آغاي إلى أن قوة جذب الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية تكمن في الأصول المشتركة لأعضائها، فالمرء يريد أن يلتقي بمن يشبهه ويحبه، دون أن يقتصر ذلك على الدين المشترك والبلد الأصلي ودون مناقشة نفس المواضيع بالضرورة كدخول تركيا إلى الإتحاد الأوربي.
ويتابع آغاي بالقول: "اللغة تعبر عن المشاعر وتشكل حلقة الوصل مع الدين والثقافة. هذا لا ينطبق على المهاجرين في ألمانيا فقط، فالمهاجرون الألمان في الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون هناك منذ أكثر من أربعين عاماً و ما زالوا يحتفلون بعيد الميلاد المجيد وفقاً للطقوس الألمانية".
قمة كروية في ليفركوزن
بعد أربع ساعات على المنبر، ينزل الخطيب براق يلمظ ويغادر الحفل. جهاز العرض الضوئي المسلط على الحائط كان حتى اللحظة يشرح كيف يمكن الحصول على نعمة السعادة. الآن يتعين عليه القيام بمهمة جديدة - شعار القناة الرياضية التركية يظهر على حائط العرض. في الملعب يظهر لاعبو فريقي "غلطة سراي" و"فناربخشة" بلباسهم الرياضي المميز. الصمت يخيم على الصالة، وبالكاد يسمع المرء أي صوت عدا صوت المعلق الرياضي وهتافات المعجبين في الاستاد بإسطنبول. الجمهور يحدّق في حائط العرض بأعين متسمرة، فيوم الأحد هذا ليس كغيره من الآحاد، ذلك أنه يصادف لقاء القمة بين الناديين التركيين الكرويين.