الخارطة السياسية في العراق: تداخلات مذهبية وإثنية صعبة
١٢ أغسطس ٢٠١٤يقف العراق اليوم على عتبة تغيير المشهد السياسي فيه بعد أن كلف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم السياسي الشيعي حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة منهيا بذلك حقبة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي والتي امتدت لثماني سنوات "عجاف"، كما يقول بعض العراقيين. وكان المالكي يتحكم بالمشهد السياسي في السنوات الأربع الأخيرة من ولايته لكونه رئيسا للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس حزب الدعوة والزعيم المتنفذ في التحالف الشيعي الحاكم. كما كان المالكي يتولى مسؤولية وزارات عديدة وكالة والتي لم يتم تعيين وزيرا لها، كوزارة الدفاع والداخلية ووزارة الأمن الوطني. وهو واقع ساهم بشكل كبير في تغيير في مواقف القوى الفاعلة والمتنفذة في المشهد العراقي والذي هو في حركة تغيير مستمرة منذ سقوط نظام صدام حسين. فكيف يبدو المشهد العراقي اليوم بعد أن أفل نجم نوري المالكي؟ و ما هي أهم مكوناته؟
مكونات المجتمع العراقي تاريخيا
قطن أرض العراق أو وادي الرافدين، كما كان يعرف في الماضي، شعوب وقبائل عديدة. وكانت أراضي العراق مقسمة بين شعوب وإثنيات مختلفة رغم الحفاظ على تسمية البلاد بالعراق أو ببلاد الرافدين، موزابوتاميا، قبل أن ترحل إليها القبائل العربية في مرحلة ما قبل الإسلام. ومنذ ظهور الحضارة الإسلامية لعب العراق دورا محوريا في مراحل التطور إقليميا ودوليا. كما لم يطرأ تغيير كبير في مكوناته الإثنية والدينية.
مكونات العراق اليوم هي نفسها تقريبا كما كانت عليه قبل أكثر من ألف سنة. فهناك اليوم المكون العربي بشقيه السني والشيعي، سياسيا أضيف إليه الشق العلماني والليبرالي. كما هو الحال مع المكون الكردي أيضا بأغلبيته السنية الكبيرة، وأقليته الشيعية وأيضا إلى جانب قواه الديمقراطية القومية والليبرالية غير الدينية. وعموما لا ينخرط الكرد في الصراعات الدينية لا من بعيد ولا من قريب. وإلى جانب القوميتين الكبيرتين العربية والكردية، هناك المكون التركماني الذي ينقسم بدوره إلى شريحتين شيعية وسنية.
وهناك مكونات أصغر تتمثل بالمسيحيين بكل مذاهبهم المختلفة، إلى جانب المكون الديني الصغير الإيزيدي. وتعتبر الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات في العراق، حيث يتمسك أتباعها بتعاليم الدين تحت كل الظروف التي مروا بها عبر الزمن. يذكر في هذا السياق أن الإيزديين تعرضوا لحملات إبادة جماعية عديدة في القرون الماضية، أبرزها حملة إبادة قادتها قوات الجيش العثماني في القرن قبل الماضي وحملة الإبادة التي يتعرضون لها في هذه الأيام على أيدي مقاتلي ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية". ولا ينبغي لنا أن ننسى ذكر المكون الأصغر، ألا وهم الشبك، وهم أقلية ينتمون في جذورهم إلى المذهب الشيعي. كما لا يجوز أن نتجاهل أن اليهود سكنوا العراق بأعداد كبيرة في الماضي واستمر وجودهم في العراق حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي. واليوم يعيش فيه عدد قليل جدا من اليهود، معظمهم فضل العيش في المناطق الكردية. كما تجدر الإشارة هنا إلى المكون الصابئي "المندائيين" الذي سكنوا جنوب العراق منذ آلاف السنين وانتقلوا لاحقا للعيش في المدن الكبيرة كبغداد.
المشهد السياسي العربي
تنوع المكونات العراقية انعكس بدوره على المشهد السياسي بعد حرب عام 2003، حيث انتقلت السلطة من الأقلية العربية السنية إلى أيدي الأكثرية العربية الشيعية وبمشاركة المكونات القومية والدينية الأخرى. وعلى ضوء المعطيات الجديدة بات المشهد السياسي متنوعا ولم يعد هناك أحد يدعي الهيمنة الكاملة على باقي المكونات المختلفة. وما نلاحظه اليوم في المشهد السياسي العراقي يدل على أن عصر الهيمنة السياسية على المجتمع العراقي قد ولى ويأمل الكثير من العراقيين أن يكون قد ولى وإلى الأبد. محاولات المالكي في التشبث بالسلطة تحت حجج مختلفة ومتناقضة أحيانا يواجه برفض كامل من مختلف المكونات العراقية، بما في ذلك المكون العربي الشيعي. ورغم ذلك تبدو الخارطة السياسية ضبابية ومشوشة للكثير من العراقيين ولعموم المتابعين من غير العراقيين. فكيف يبدو المشهد اليوم؟
مكونات المشهد العربي الشيعي
رغم أن العرب الشيعة في العراق يشكلون كتلة تظهر موحدة نحو الخارج وتحت الغطاء المذهبي، إلا أنهم يختلفون في حراكهم السياسي اليومي بشكل كبير. الأحزاب الدينية الشيعية وتياراتها السياسية شكلت ما يسمى بالتحالف الوطني والذي حصل على أكثر من 130 مقعدا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. تتوزع هذه المقاعد بشكل عام بين قوى صغيرة وأخرى كبيرة. فمثلا حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي حصل على أكثر من ثلاثين مقعدا بقليل. لكن تحالفه الحاكم تحت أسم " دولة القانون" حصل على مقاعد أكثر من حزبه لكنها لن تكفي لتشكيل حكومة أغلبية، كما كان ينوي أساسا. ويملك البيت السياسي الشيعي " التحالف الوطني" أكبر عدد من المقاعد في البرلمان مع حساب مقاعد قائمة نوري المالكي، وهو بذلك يعتبر الكتلة الأكبر ولها الحق في ترشيح رئيس للوزراء من بين صفوفها. وبدون مقاعد نوري المالكي لا يوجد ما يمكن تسميته بالكتلة الشيعية الأكبر. وتبقى في هذه الحالة قائمة المالكي "دولة القانون" هي الكتلة الأكبر رقميا. لكنها لا تحظى بدعم القوى السياسية الأخرى لتشكيل حكومة جديدة. وفي نفس الوقت اتفقت مجاميع البيت السياسي الشيعي على تعيين الدكتور حيدر العبادي رئيسا للوزراء وذلك بعد أعلنت بقية القوى السياسية المتمثلة في البرلمان بتأييدها للعبادي واستعدادها للعمل المشترك معه.
مكونات المشهد العربي السني
تعتبر قائمة " متحدون للإصلاح" العربية السنية من أقوى القوى السياسية العربية بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى جانب كتلة القائمة " الوطنية بزعامة إياد علاوي. وتشكل الكتلتان قاعدة عريضة للعرب السنة في العراق. إلا أن تشكيلة هذه الكتلة تعتبر فضفاضة قابلة للتفسخ تحت ظروف سياسية معينة. وعلمتنا تجربة السنوات الأربع الماضية أن الكتلة العربية السنية تعرضت إلى الانقسام عندما عرض نوري المالكي مناصب وزارية على بعض أجنحة الكتلة وتمكن من جذبها إلى جانبه ما أهله للحكم في السنوات الماضية. وهناك قوى عربية سنية تعمل تحت مسميات مستقلة، لكنها لا تمثل وزنا سياسيا ثقيلا في المعادلة العراقية. بيد أن العشائر العربية السنية في شمال وغرب العراق لها وزن سياسي كبير يأخذ طريقه إلى بودقة صناعة القرار السياسي العراقي عبر الكتل العربية في البرلمان أو عبر القيادات العسكرية في الجيش العراقي التابعين لها.
المكون الكردي
يشكل الأكراد القوة القومية البرلمانية الثانية بعد كتلة العرب من السنة والشيعة مجتمعين. ويتحد الكرد عموما في البرلمان العراقي تحت مظلة الكتلة الكردستانية. وطرأ عليها بعض التغيير في الانتخابات الأخيرة. ففي حين دخلت الكتلة الكردية انتخابات 2010 بقائمة موحدة جمعت الحزبين الكبريين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، والحزب الأخير شهد انشقاقا في السنوات الأخيرة ما دفع الأحزاب الكردية إلى دخول الانتخابات البرلمانية بشكل فردي، لكنها عادت واجتمعت تحت خيمة التحالف الكردستاني تحت قبة البرلمان العراقي. إلى ذلك تمثل بعض الأحزاب الدينية التيار الإسلامي الكردي ولكن بمقاعد قليلة ولا وزن لها سياسيا يذكر. جميع الأحزاب الكردية اتفقت على رفض ولاية ثالثة لنوري المالكي. وبدون مشاركة الكرد في حكومة عراقية لا يمكن لها أن تكون حكومة وطنية شاملة أو حكومة توافقية.
المكونات الصغيرة
رغم أن الدستور العراقي يضمن للمكونات العراقية الصغيرة حق التمثيل والمشاركة في إدارة دفة الحكم في البلاد، إلا أن دورهم بقي صوريافي ظل الصراعات السياسية العنيفة بين المكونين العربيين. وهناك تمثيل شبه رمزي للمسيحيين العراقيين في البرلمان إلى جانب ممثلين عن الإيزيديين والشبك. كما هناك حضور واضح للمكون التركماني في البرلمان وإن كان عبر الأحزاب الدينية العربية أو الأحزاب الكردستانية.