الحياة في بني وليد تنبعث رويدا من تحت أنقاض الحرب
١٧ نوفمبر ٢٠١٢يتحدث أهالي مدينة مصراته عن مقتل بطلهم رمضان السويحلي في معركة بمدينة بني وليد العام 1920، وعلى أن أهالي بني وليد غدروا به حين التجأ إليهم، بينما يقول أهالي بني وليد بأن السويحلي جاء الى بني وليد غازيا تنفيذا لأوامر الاحتلال الايطالي. حديث رمزي يتداوله الأهالي في محاولات لمقارنة ماضي المدينة بحاضرها. فقد شهدت بني وليد، الواقعة حوالي 175 كيلومترا جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس، في الأيام الأخيرة صراعا مسلحا، خاضته مجموعات من قوات درع ليبيا التابعة لرئاسة الأركان للجيش الليبي، تنفيذا لقرار المجلس الوطني رقم 7 الذي يقضي بالقبض على المطلوبين وإطلاق سراح المخطوفين بالمدينة التي ظلت طيلة الأشهر التي أعقبت ثورة 17 من فيبراير غير خاضعة كليا لسلطة قوات الجيش والأمن التي تشكلت إثر سقوط نظام العقيد القذافي.
وقد كان أغلب قوات الجيش الليبي التي هاجمت بني وليد، قدمت من مدينة مصراته المتاخمة لها ومن مدينة طرابلس ومن مدينة الزاوية ومن غريان وبعض المناطق الأخرى. وضمت القوات أيضا ومن ثوار مدينة بني وليد الذين طردوا وأهاليهم من المدينة يوم 23 يناير/كانون الثاني الماضي وكانوا بحدود 400 عائلة، طردوا الى خارج المدينة ودمر بعض منهم منازلهم.
ملامح مدينة تخرج من الحرب
زرت المدينة هذا الأسبوع بعد المرورعلى مدينة زليتن فقرية ماجر، ودخلت من بوابة المردوم حيث تنتشر قوات الجيش الوطني واللجنة الأمنية. ويلاحظ زائر مركز المدينة ان الشعارات المكتوبة على جدرانها كانت مطلية، بينما بقيت بعض العبارات البسيطة في طريق المردوم تضمنت إشارات إلى ثوار مدينة مصراته.
بدت حركة السيارات ضعيفة بالمدينة والمتاجر المفتوحة قليلة جدا وتركز أغلبها على بيع المواد الغذائية. حتى سوق الخضار لا يوجد به بائعون إلا قليلا والخضروات لم تكن بعضها من الصنف الممتاز أو الجيد والأسعار قريبة من مدينة طرابلس من الصنف الجيد.
شهادت مصابيح الكهرباء تضيء المنازل، عندما خرجت من المدينة بعد الغروب وبعد ان لاحظت تحسنا في حركة السير مع بداية المساء، وبدت مظاهر وجود سكان بالمدينة بعد أن هجرها أهلها مع بدء الاشتباكات الفعلية إلى الإحياء السكنية في المدن التي تحيط بها والى العاصمة حيث يتواجد أقاربهم أو خدمات تقدمها منظمات المجتمع المدني، اضافة إلى ما أعدته الدولة من مقرات للنازحين. وتستقبل مدينة ترهونة القريبة من بني وليد أغلبية النازحين.
اختفاء مظاهر التسلح
في شوارع المدينة تتمركز قوات الأمن بكثافة عبر سيارات شرطة والعديد من الأفراد والدوريات التي تحاول أن تضفي نوعا من الآمان لكي تعود الحياة إلى طبيعتها ومحو مظاهر التسلح التي كانت منتشرة في المدينة قبل سيطرة قوات الجيش والشرطة عليها. ويقول مسؤولون أمنيون محليون إن عصابات وعناصر اجرامية كانت قد دخلت إلى المدينة بعد نهاية التحرير وقاموا بتخريبها وسرقتها.
ويقول نشطاء محليون ان المدينة كانت واقعة تحت نفوذ جماعات مسلحة ذات ولاءات مختلفة، بينها عصابات اجرامية وبقايا فلول نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ويتم توظيف الخلفيات القبلية والصراعات المحلية في تأجيج بعض السكان المحليين أحيانا ضد الحكومة المركزية الهشة أصلا. وقد لعب أعيان القبائل وخصوصا من قبيلة ورفة النافذة في المنطقة، دورا في إعادة الهدوء إلى المدينة، وابعاد مظاهر التسلح التي تشكل تحديا رئيسيا للحكومة المركزية ليس فقط في بني وليد بل في كل أنحاء ليبيا.
وقال المقدم محمد حسين أبو حجر رئيس القوة الأمنية الخاصة بتأمين منطقة بني وليد لـ DW: "بعد التحرير، تختص القوة الأمنية بداخل المدينة والأهداف الحيوية بها، ويقدر قوامها بـ 500 فردا من وزارة الداخلية بالإضافة الى قوة كبيرة من الجيش الوطني". ومن جهته اكد المقدم محمد الجراي رئيس قوات الأمن الوطني في المدينة في حديث لـ DW ان الأوضاع في المدينة"تسير تدريجيا تسير للأحسن، ففي 72 ساعة قبل يوم 15 نوفمبر تشرين الثاني، لم يسجل أي خرق أمني للقانون أو جريمة، والمواطنون متجاوبون معنا، وبرجوع الشرطة إلى أعمالهم والنيابة العامة ستتحسن الأمور بسرعة الى الأفضل".
ويتواجد مسؤولون ليبيون وممثلون عن المنظمات الدولية، بكثافة في بني وليد، وقد التقينا معين شرنم مدير القسم السياسي لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، الذي يرى ان"تحسنا في الوضع الأمني وعودة تدريجية للحياة في البلدة وعودة للنازحين ووعود بفتح المدارس وفتح المستشفى بطاقته في الأيام القادمة". وأضاف بأن الأمم المتحدة تدعم جهود الحكومة الليبية، وأنها على أتم الاستعداد لكل ما يطلبه الليبيون منا.
ومن جهته الدكتور محمد الهاشمي الحراري وزير الحكم المحلي في الحكومة الانتقالية ورئيس اللجنة العليا لتسير مدينة بني وليد الذي يتواجد يوميا ضمن فريق مجموعة لإدارة أزمة المدينة ومعالجة الوضع، قال في حديث لـDW "إن الوضع بشكل عام جيد، وأفضل وكل يوم أفضل من يوم وفي تحسن بشكل مطرد، وقد تم تكليف لجنة من 4 مكاتب هندسية معتمدة قامت بالمسح الكامل لكافة المنازل والمساكن المعدومة بالمدينة"، وأضاف"سيكون لأهلنا بدل إيجار لمدة 3 أشهر يتم تعويضها" ويقدر عددها بـ 400 مسكن.
خدمات هشة تعرضت للتخريب
تعرضت محطة المدينة أثناء المواجهات المسلحة للقصف كما حطمت بعض الأبراج الكهربائية وانقطع التيار الكهرباء عن بني وليد وعن الجنوب الليبي وامدادات الكهرباء التي تشغل مضخات مياه النهر الصناعي الذي يمد مدينة طرابلس بالماء وبقية العاصمة بدون ماء يضخ إليها لمدة أسبوع. كما أن الجنوب لا يزال يعاني من قطع الكهرباء إلى حد الآن.
وقال المهندس محمود أبو قريد من الإدارة العامة للتوزيع بوزارة الكهرباء بطرابلس المتواجد بالمدينة إن"أكثر من 70 % من الكهرباء عادت إلى البلاد وإن نسبة الأحمال متزنة وبشكل طبيعي، كما ن بعض المحطات جاري تشغيلها للاتصالات فقد عادت خدمات الهاتف النقال المدار ومازالت خدمات ليبيانا، فقد تم صيانة 70% من شبكة الكهرباء وتوقع خلال عشرة أيام رجوعها الى حالتها الطبيعية".
وخلال زيارة الى مستشفى المدينة، كان في غرفة الطوارئ طفل تُجرى له عملية جبر للكسر، وقد استقبل المستشفى 50 حالة من مرضى البرد والزكام والعمليات الصغرى، وقال مدير مستشفى بني وليد أحمد الجدك إن وضع المستشفى "في تحسن مستمر من حيث الإمكانيات والمعدات والأدوية وسيتم استقبال معظم الحالات" مشيرا ان معظم الطواقم الطبية عادت للعمل ماعدا بعض الطواقم المساعدة الليبية، نظرا لظروف العاملين فيها المتعددة من حرق البيوت أو من جانب الخوف.