"الحرية لشائع وشرف"ـ اليمن يضيق الخناق على الصحفيين
٥ سبتمبر ٢٠١٠من أحدث الانتهاكات لحرية الصحافة والصحفيين في اليمن هي عملية الاعتقال التي تعرض لها كل من الصحفيين عبد الإله حيدر شائع، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية والمتخصص في شؤون تنظيم القاعدة، ورسام الكاريكاتير والناشط في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الفساد كمال شرف. وقد وصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" ـ في بيان ـ اعتقال شائع وشرف من قبل جهاز الأمن القومي (المخابرات) بأنه "غير قانوني" واعتباطي"، محذرة من أن مواجهة الإرهاب التي تخوضها السلطات اليمنية "لا تبرر الاختفاء القسري للصحافيين".
وقد تم اعتقال الصحفيين المذكورين منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي من قبل قوات مدججة بالسلاح في عملية مداهمة مسائية سببت الذعر لأسرتيهما خصوصا الأطفال، الذين شهدوا عملية الاعتقال، كما أفاد شقيقا المعتقلين. نقابة الصحفيين اليمنيين من جانبها وصفت ـ في بيان ـ عملية الاعتقال بأنها "دون مسوغ قانوني"، معربة عن "أسفها الشديد لعدم تمكن أسرتيهما ولا محاميهما ولا مجلس النقابة من اللقاء بالزميلين المعتقلين منذ مطلع شهر رمضان رغم التواصل المستمر مع الجهة التي قامت باعتقالهما للسماح لهم برؤيتهما".
مسلسل بلا نهاية
عملية اعتقال الصحفيين شائع وشرف لم تكن الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة في إطار العلاقة المتوترة بين السلطة والصحافة؛ لاسيما في خضم الأحداث التي يشهدها اليمن في الوقت الحالي والتي تزيد من حساسية السلطة إزاء الرأي الآخر وضيقها ذرعاً بالنقد.
وكانت الساحة الصحفية في اليمن قد شهدت في السنوات القليلة الماضية حالات اختطاف واعتقال واغتيال وكذلك محاكمات لعدد من الصحفيين. ومن بين هذه الحالات اختطاف الصحفي محمد المقالح وإخفائه لأشهر قبيل اكتشاف وجوده في قبضة السلطات الأمنية. كذلك الاغتيال الغامض للصحفي محمد الربوعي وعملية الاعتقال والمحاكمة الماراثونية للصحفي عبد الكريم الخيواني والحكم عليه بالسجن قبل إطلاق سراحه بضغوط من قبل المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحرية الصحافة والرأي.
كما تعرض نقيب الصحفيين الأسبق عبد الباري طاهر لحادث مروري يعتقد أنه مُدَبر، وكثير من حالات الاعتقال والتهديد التي طالت عدداً من الصحفيين بسبب آرائهم الصحفية التي نشرت في كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية. وجاء تقديم وزارة الإعلام اليمنية قبل فترة لمسودة مشروع قانون جديد للإعلام ليزيد "الطين بلة" كما يقول الكثير من الصحفيين والإعلاميين، الذين اعتبروه بمثابة سعي من قبل السلطة لتقليص هامش الحرية المتاح وإحكام قبضتها على وسائل الإعلام، لاسيما المواقع الالكترونية.
الصحافة.. والمزاج السياسي
ويرى الصحفي اليمني أحمد الزرقة أن الصحافة في اليمن ما زالت تخطو خطواتها الأولى، مشيرا إلى أن حرية الصحافة فيها تتأثر كثيرا بالمزاج السياسي السائد، الذي يتأثر بدوره بالظروف السياسية القائمة في البلاد والأزمات المتتالية التي يمر بها المجتمع.
ويضيف الزرقة في حوار مع دويتشه فيله بأن السلطة في اليمن "أصبحت تضيق ذرعاً بالصحافة وتسعى لتكميم أفواه الصحفيين تارة عن طريق الأموال أو الاستقطاب الصحفي وطورا عبر القمع والترويع والاختطاف والاعتقال دونما مبرر حقيقي". ويرى الصحفي اليمني أنه كلما زادت سلطة العسكر في أي بلد يتقلص هامش حرية الرأي والتعبير "وفي اليمن يتم عسكرة الحياة المدنية ويسود الطابع العسكري بدلا من المدني".
من جانبه يقول عبد الحافظ معجب، وهو صحفي مستقل وأحد ضحايا الانتهاكات الصحفية، "أصبح واقع صحافتنا مأساوياً للغاية؛ فالمشهد الصحفي اليوم يُقَيم نفسه من خلال الاعتداءات المتتالية على الصحفيين والصحف". ويضيف معجب، في حوار مع دويتشه فيله، بأن حرية الصحافة والرأي والتعبير في اليمن "لن تتحقق إلا إذا دفع كل صحفي ثمن حريته وواجه بقلمه القمع والحبس والظلم".
"مساءلة الصحفيين لا تقلل من حرية الصحافة"
لكن على الجانب الآخر، يرى عبد الحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أن الصحافة في اليمن تشهد "ازدهارا ملحوظا وطفرة كماً ونوعاً، في ظل ما كفله الدستور وقانون الصحافة والمطبوعات". ويضيف النهاري، في حوار مع دويتشه فيله، أن "الفجوة" بين الحرية التي كلفها الدستور والقانون وبين الممارسة العملية ليست كبيرة، بل إنها تتسع لصالح الصحافة، لكنها قد تضيق بسبب الضعف المهني في الغالب أو "جموح سياسي يؤدي إلى تجاوز القانون في معظم الأحيان".
ويعرب المسؤول الإعلامي في الحزب الحاكم عن اعتقاده بأن تعرض الصحافة والصحفيين للمسألة القانونية لا يقلل من شأن حرية الصحافة "طالما التزمت الأطراف المختلفة بروح القانون وحمت بعضها من التعسف والإضرار بالآخرين أو بالمجتمع أو الدولة".
إلا أن النهاري لا يرى مبررا قانونيا لاعتقال الصحفيين "لأن هناك إجراءات كفلها القانون للجهة المتضررة سواء كانت الدولة أو الأفراد أو أية فئة اجتماعية. وبتطبيق الإجراءات القانونية ومرجعية القضاء يمكن أن تحمي كل فئة مصالحها من تجاوز الصحفي في حدود القانون".
تحالف مدني في وجه الانتهاكات
ومن أجل التصدي للانتهاكات المختلفة التي تتعرض لها حرية الرأي والتعبير والصحافة في اليمن تطلق من وقت لأخر مبادرات من قبل الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، على غرار تحالف (السادس من رمضان )، وهو تحالف مدني مكون منظمات المجتمع المدني الحقوقية والإعلامية وشخصيات ناشطة، شعاره الآني "الحرية لشائع وشرف". لكن هدف التحالف، على المدى الطويل، هو الدفاع عن الصحفيين عموما وكشف الانتهاكات التي يتعرضون لها والوقوف ضدها. وينظم التحالف وقفات احتجاجية أمام مقار الأجهزة الأمنية والمؤسسات والهيئات السياسية.
فاطمة الاغبري ـ اليمن
مراجعة: عبده جميل المخلافي