الحرف اليدوية في ألمانيا ركيزة اقتصادية تعاني من نقص متزايد في العمالة المؤهلة
٤ مارس ٢٠١٠طلاء جدران بيت، بناء سقف من خشب، أو تجهيز بيت بالتيار الكهربائي، هذه ثلاثة إعلانات من أكثر من 30 ألف إعلان بحث عن حرفيين، منشور على موقع الكتروني ألماني متخصص في مختلف الخدمات في قطاع الحرف اليدوية. وكل من يبحث عن خدمات هؤلاء، كنجار أو حداد أو حلاق أو عامل بناء وغيره، ينشر إعلانا يحدد فيه نوعية العمل الذي يعرضه، والمبلغ الأقصى الذي يريد دفعه، فيما يقدم الحرفيون، الراغبون في الحصول على العمل، عروضهم والأجر الذي يريدونه مقابل إنجاز العمل.
وعادة ما ينخفض السعر بالنسبة لعارض الطلبية بمعدل 30 بالمائة عن المبلغ الأقصى، الذي حدده في البداية. ورغم أن هذا الأمر ليس بالجديد، إلا أن الأزمة المالية العالمية قد ساهمت بشكل كبير في تراجع الأسعار، بحسب هولغر شفان إيكه، الأمين العام للرابطة الألمانية للحرف اليدوية. ويقول إن الأزمة العالمية لم تتسبب في تراجع الطلبيات، لكن أرباب العمل "عادة ما يطلبون تخفيض السعر بنسبة 25 بالمائة"، وبالتالي فإن الكثيرين "يرون أنفسهم مجبرين على القبول بهذه العروض."
صعوبة الحصول على قروض بسبب الأزمة
يعتبر قطاع الحرف اليدوية ركيزة من ركائز الاقتصاد الألماني، ويناهز عدد الشركات الصغرى والمتوسطة العاملة في هذا القطاع المليون، كما يوفر نحو خمسة ملايين مكان عمل ويستوعب ثلث تلاميذ التكوين المهني. ولكنه لم يبق بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، بحيث يقول شفان إيكه: "هناك مشاكل كبيرة في الحرف اليدوية القريبة من قطاع الصناعة والموجهة بالدرجة الأولى إلى التصدير"، لافتا إلى أن ذلك "يعود إلى تراجع الطلب العالمي على المنتجات الصناعية والذي ألقى أيضا بظلاله على الطلبيات المحلية وبالتالي على العائدات".
على صعيد آخر، استفادت مجموعة من الحرف بشكل واضح من إجراءات الدعم الحكومي، فقد خصصت الحكومة الألمانية ميزانية تقدر بثمانين مليار يورو لتمويل خطتي إنعاش لعامي 2009 و2010. وتم ضخ جزء كبير من هذه الميزانية في البنية التحتية، على غرار مد الطرقات أو في قطاع البناء بهدف التوفير في الطاقة والحفاظ على البيئة. الأمر الذي عاد بالنفع على الحرف العاملة في قطاعي البناء ومد الطرقات، والتي باتت تتطلع بتفاؤل للمستقبل أملا في استقرار الاستثمارات الحكومية والتحفيزات الضريبية. ولكن هناك شركات أخرى عاملة في المجالات نفسها تواجه مشاكل متزايدة في التمويل، يصفها الخبير الاقتصادي الألماني "بالملحة".
وتكمن هذه الصعوبات في تراجع نسبة القروض التي يتعين تسديدها خلال فترة وجيزة بنسبة 7 إلى 8 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. ويصف شفان إيكه هذه النسبة على أنها "كبيرة جدا". وعلى الرغم من أنه لا يمكن تعميم صعوبة التمويل على كل الحرف اليدوية، إلا "أن البنوك أصبحت تشدد الشروط المفروضة على منح القروض".
ويتوقع الخبير الألماني أن "عددا كبيرا من الشركات سيواجه صعوبات في الحصول على قروض عندما يتم عرض الحسابات النهائية لعام 2009". ويدعو "إلى النظر إلى الحسابات الختامية للسنوات الماضية وألا تقتصر على عام 2009، الذي شكل أصعب فترة لغالبية القطاعات الاقتصادية بسبب الأزمة المالية" بهدف البت في أهلية الشركة وإمكانية تسديدها القرض في الفترة المحددة.
تراجع العمالة المؤهلة
بيد أن قطاع الحرف اليدوية لا يواجه مشاكل في التمويل فحسب، بل يعاني أيضا من قلة اليد العاملة المؤهلة وذلك منذ سنوات، كما بقي العام الماضي نحو عشرة آلاف مكان للتكوين المهني شاغرا. ويعزو الأمين العام للرابطة الألمانية المركزية للحرف اليدوية ذلك إلى عدة أسباب منها "تراجع النمو الديمغرافي في ألمانيا بصفة عامة"، وكذلك "عدم استعداد الكثير لتغيير مكان الإقامة من أجل التكوين المهني". فيما يرى أن البعض "يفتقر إلى القدرة على التعلم"، وبالتالي لا يتمكن من إنهاء فترة التكوين المهني بنجاح والحصول على شهادة تؤهله دخول سوق العمل. ويؤكد على أهمية "التأهيل المهني" بالنسبة لقطاع الحرف اليدوية، بحيث يقول إنه "موضوع المستقبل الأكثر أهمية".
وفيما كانت الحكومة تسعى بالتعاون مع القطاعات الاقتصادية إلى خلق أماكن إضافية للتكوين المهني، أصبح ضمان وجود اليد العاملة المؤهلة يتصدر أوليات قطاع الحرف اليدوية. وفي سياق متصل يطالب شفان إيكه بوضع برامج متنوعة لـتأهيل اليد العاملة بصفة متواصلة بهدف مواكبة التطورات التقنية في مختلف القطاعات الحرفية.
الكاتبة: زبينه كينكارتس / شمس العياري
مراجعة: حسن زنيند