الجنة تتحول إلى جحيم في مهرجان الفيلم العربي ببرلين
٨ نوفمبر ٢٠١٠وسط النقاش الدائر في ألمانيا حول عملية الاندماج وهجرة الأجانب، عرض مهرجان الفيلم العربي ببرلين (من 3 ولغاية 11نوفمبر/ تشرين الثاني 2010) حوالي 30 عملا سينمائيا، تشكل قضية الهجرة أهم مواضيعه. وتبين هذه الأفلام كيف تتحول الهجرة في خيال كثير من الشباب العرب إلى تلك الجنة التي تقع على الجانب الآخر من المتوسط، ثم ما تلبس أن تتحول إلى الجحيم بعينه، عندما يصطدم المهاجر بواقع مختلف عما كان في مُخيلته. وتتفاقم مع هذا الواقع الجديد أزماته الشخصية، فتزيد من صعوبة الاندماج في المجتمعات الأوروبية الجديدة.
وشكل موضوع الهجرة إلى أوروبا محور الندوة الرئيسية للدورة الثانية للمهرجان، التي شارك فيها كل من المخرج المغربي أحمد المعنوني، والكاتب المصري الشاب مختار شحاته، والمخرج الألماني والباحث في العلوم الإسلامية صامويل شيلكه، والمخرجة النمساوية دانيلا سوروسكي.
الهجرة الافتراضية هي الجنة
يقف أبطال الفيلم الروائي الجزائري "حراقي" للمخرج مرزوق علوش، فوق ربوة عالية على شاطئ البحر المتوسط، ويتطلعون إلى ما بعد الأفق، حيث الجانب الآخر من شمال البحر المتوسط، وقد وصفوه بالجنة التي ينبغي الوصول إليها والعيش فيها، وأخذوا ينسجون عالما من الخيال حول حياة الجنة على الجانب الآخر من البحر، حيث البلدان الأوروبية، والحرية التي تتمتع بها هذه البلدان.
ويصور مختار شحاته تجربته الشخصية للهجرة الافتراضية في الفيلم الوثائقي "رسائل من الجنة" للمخرجين دانيلا سوروسكي وصامويل شيلكه، من إنتاج نمساوي وهولندي مشترك، ويقول شحاته في حديث مع دويتشه فيله إن الهجرة الافتراضية هي أشبه بالجنة "كنت أحلم بالهجرة، وكتبت روايتي الأولى "لا للإسكندرية" التي تحدث عنها الفيلم، و كنت أنا بطلها. ففي الرواية هاجرت إلى ألمانيا وعشت الهجرة الافتراضية في برلين. برلين كانت مكانا رائعا أشبه بالجنة".
جنة الهجرة تتحول إلى جحيم
وعندما يصطدم أبطال الفيلم الروائي "حراقي" بالواقع المرير على الحدود، ويتم القبض عليهم، تتحول حياتهم إلى جحيم، كما يروي أحد أبطال الفيلم في نهايته. ويقول مختار شحاته في حديث مع دويتشه فيله: "زيارتي للمهرجان هي أول مرة في حياتي أسافر فيها خارج مصر، وكانت صدمة بالنسبة لي، فبرلين التي عشت فيها في أحلامي من خلال روايتي، هي أجمل بكثير مما شاهدته في الواقع" لهذا يجد شحاته أنه على الرغم من فوائد السفر تمنى لو بقي في عالم الخيال ولم يشاهد برلين الواقعية.
صامويل شيلكه، الذي شارك في إخراج "رسائل من الجنة" يجد هو أيضا أن الهجرة تبقى جميلة طالما هي في الخيال ويقول في حديث مع دويتشه فيله: " الجنة من وجهة نظري، هي المكان غير الموجود، والذي يتمناه الإنسان، وإذا تحققت الهجرة لا توجد جنة، حيث قد تجعل منه قواعد وشروط الحياة في مكان الهجرة، جحيماً".
سجن الغربة
في فيلم "عراقيون في منفى متعدد الطبقات" يعالج المخرج فجر يعقوب أزمة النزوح العراقي إلى الخارج، ومن خلال ثلاثة كتًاب عراقيين يعيشون في المنفي، يسلط الضوء على المجتمع العراقي في المهجر، وكيف يعيش أفراده في جزر منعزلة تكاد أن تطبق على أصحابها، وتتحول إلى سجون تطوق الذين يعيشون فيها. وهذا أيضا حال العديد من أبطال الفيلم الوثائقي "رسائل من الجنة"، فأحدهم يعيش في فيينا، ويرفض العادات والتقاليد الغربية، لهذا قرر أن يعيش داخل غرفته، التي تحولت مع الوقت إلى مكان أشبه بالسجن، بسبب عدم قدرته على التكيف مع المجتمع الجديد الذي يعيش فيه.
جواز السفر الأوروبي ومفتاح الجنة
يرى أحد أبطال فيلم "رسائل من الجنة"، وهو مغربي يعيش في المغرب، أن أهم شيء يجب الحصول عليه هو التأشيرة إلى أوروبا. كما أن آخرا يعيش في كفر الشيخ بمصر، يرى أن جواز السفر الأوروبي هو المفتاح لبلوغ الجنة الأوروبية. ويشرح صامويل شيلكه في حديثه مع دويتشه فيله طريقة تفكير الشباب الساعي إلى الهجرة بالقول: "الكثير من الشباب الذين يعيشون في بلدان جنوب المتوسط، يظنون أنهم قد جاؤوا بخطة جهنمية، وذلك عندما يخططون للحصول على جواز السفر الأوروبي والتمتع بميزات الجنة الأوروبية، دون أن يقدموا شيئا في المقابل، أعني أشياء تساعدهم على الاندماج"، ويكمل صامويل أن الطريق للحصول على مفتاح الجنة أي جواز السفر الأوربي، يتحول في كثير من الأحيان إلى الطريق نحو الجحيم.
وقد قام بتنظيم الدورة الثانية للفيلم العربي جمعية الفيلم العربي في برلين، تحت رعاية عمدة برلين كلاوس فوفرايت، وبالتعاون مع مؤسسات عربية، منها السفارة المصرية في برلين، والسفارة القطرية، والجامعة العربية، وسفارة فلسطين، وأيضا مؤسسات ألمانية مثل مدينة برلين، ومعهد جوته، ومركز دراسات الشرق الحديث ببرلين.
هاني غانم ـ برلين
مراجعة: منى صالح