الجزائر- وضع اجتماعي صعب ينذر بإضرابات جديدة
٢٤ سبتمبر ٢٠١٠تفاجأ الجزائريون، بخبر اشتباكات عنيفة بالكراسي واللكمات في مصنع الصلب بمدينة عنابة التي تبعد عن العاصمة الجزائرية بست مائة كيلومتر. وقد وقع الاشتباك بين أعضاء نقابة واحدة في مجمع الصلب اختلفوا حول قائدين لهم لكل واجد منهم رأيه مع إدارة الشركة التي تديرها مؤسسة أرسيلوميطال الهندية. أما سبب الخلاف فهو كالعادة، عدد العمال المسرحين، ورفع الأجور وتحسين وسائل الإنتاج. وبالرغم من البحبوحة المالية التي تعرفها الجزائر، إلا أن مؤسسات عمومية كثيرة يعاني عمالها الأمرين لإكمال مصاريف شهرهم بسبب انخفاض الرواتب الشهرية وكثرة المصاريف.
هذا هو حال، محمد بوكلال الذي يعمل في مؤسسة سيال لتوزيع المياه في العاصمة الجزائرية، والذي يسكن في الحي الشعبي لامنوطان في الضاحية الشرقية للعاصمة، حيث يقول في تصريح خاص لدويتشه فيله: "لقد رزقني الله خمسة أبناء ذكور، و مكافآتي الشهرية لا تتعدى خمسة وعشرون ألف دينار، ولقد فاوضنا المؤسسة التي أعمل فيها كي تزيد من أجورنا أو أن تتكفل بأبنائنا من الناحية الاجتماعية إلا أن هذا لم يحدث". ويضيف بوكلال: "الواقع أني لا ألوم الشركة كثيرا، لأنها ليست مسئولة عن الوضع الاجتماعي، لكنني ألوم الحكومة والقطاع الخاص الذي يرفع أسعار السلع بشكل كبير ويعقد حياتنا كل شهر".
أما رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحي، فقد فضل الصمت تجاه تفاصيل صعوبة الوضع الاجتماعي، والسبب هو الإستراتيجية التي وضعتها الحكومة الجزائرية قبل ستة أعوام وتقضي بعدم التدخل في تفاصيل الحياة الاجتماعية بشكل مستمر، بل حين تقتضي الضرورة ذلك، كالارتفاع الفاحش في الأسعار، أو تلف السلع أو انتهاء مدة صلاحيتها. ويضيف الدكتور زياني محمد أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، في تصريح لدويتشه فيله: "لقد غيرت الدولة من إستراتيجيتها الاجتماعية تماشيا مع الانفتاح واقتصاد السوق، والتفاوض مع النقابات حول الأجور وتحسين الظروف الاجتماعية لا يجب أن يتجاوز حدود القدرة المالية المعقولة للحكومة". ويشرح الدكتور زياني محمد معنى القدرة المالية بقوله: " إن هناك سلما منطقيا لمشاركة الحكومة في ضمان السلم الاجتماعي، فثمانية و تسعون بالمائة من مداخيل البلاد تأتي من بيع النفط والغاز، وتمويل التعليم والصحة والأشغال العمومية الكبرى، لذا فإن المعول عليه لدعم الميزانية هو القطاع الخاص، ولكن لن يتحقق هذا قبل عشرة أعوام".
إصرار على الإضراب و الاحتجاج
من ناحيتهم لا يبدي الموظفون العازمون على الإضراب في الأيام القادمة أي قلق من تهديدات الحكومة، بخصم الأجور أو بالطرد في حالة الإضراب، وغالبية هؤلاء هم من الأساتذة أو الأطباء أو أصحاب المهن الحرة مثل سائقي سيارات التاكسي. وفي هذا الصدد، يؤكد محمد المباركي و هو أستاذ مادة اللغة العربية للطور المتوسط في أحد مؤسسات التربية في العاصمة الجزائرية: "صحيح أن الكثير منا قد أخذته الدهشة من تصريحات وزير التربية، الذي أعلن أنه سيفصل أي أستاذ يغيب عن عمله لأسباب غير قاهرة، إلا أنني أؤكد لك أنه لا حل لنا أمام الحكومة إلا الإضراب لأنها ترفض السماع لنا، و الزيادات التي وجدناها في حساباتنا البنكية غير كافية".
و قد حدث ما لم تتوقعه الحكومة عند بداية العام الدراسي قبل بضعة أيام، إذ أضرب المسيرون الماليون، في أغلب ثانويات الجزائر احتجاجا على عدم زيادة أجورهم، على غرار ما زيد في أجور الأساتذة، و قد تعطلت ثانويات كثيرة، ولم تتمكن الوزارة من احتواء الوضع إلا بصعوبة. وتضيف جميلة قبايلي، وهي معلمة في الطور الابتدائي: "لقد زادوا في الأجور بطريقة ذكية، ودون استشارتنا إلا أنها زيادة لا تكفي لإعالة بطال فكيف تكفي لإعالة عائلة، وإذا حسبت الزيادة التي وجدناها في حساباتنا البنكية، فإنها لا تزيد على ألف وخمس مائة دينار، نزعوها من التأمين و أضافوها في الأجر الشهري".
هل يأتي الحل من القطاع الخاص؟
تعادل ألف وخمس مائة دينار جزائري، خمسة عشر يورو، وهي بالكاد تكفي لإعالة أسرة من ثلاثة أفراد خلال يوم واحد، علما أن الحد الأدنى للأجور للعمال الجزائريين هو خمسة عشر ألف دينار، أي ما يعادل مائة و خمسين أورو. وبسبب التناقض في موقفي العامل والأستاذ الجزائريين مع حكومتهم، رأت وزارة المالية الجزائرية، أن المشكل يكمن في ضعف الجباية الضريبية في القطاع الخاص. وفي هذا الصدد أحصت وزارة التجارة ما يعادل اثني عشر مليار يورو يتم تداولها في السوق السوداء دون أن تعرف طريقا لبنك أو ضريبة، ما سبب خسائر هائلة ارتدت على الطبقة الهشة غلاء وخدمات سيئة.
و قد أصدرت الحكومة قرارا، هو الأول من نوعه منذ الاستقلال عام 1962، و يقضي بمنع التداول التجاري نقدا بأكثر من خمس مائة ألف دينار، أي ما يعادل خمسة آلاف أورو، و الهدف من ذلك هو إدخال مليارات الدينارات إلى البنوك، ومحاربة التداول المالي في السوق السوداء لتوفير أكبر قدر ممكن من الشفافية في التعاملات المالية.
و يرى الأستاذ زياني محمد من جامعة الجزائر أن الحل يكون: " بالحوار بين مختلف الأطراف، و كذا بتفعيل نسيج صناعي و تجاري تصديري فعال، يبعد الحكومة عن الخوف من صرف أموال البترول و الغاز لأن الحل يكمن في تصدير المواد المصنعة خارج المحروقات والتي لا تتعدى نسبتها الآن اثنين في المائة، و كلما زادت نسبة هذه الصادرات كلما تحسنت الجباية الضريبية، وسيتحسن تمويل السلم الاجتماعي".
هيثم رباني – الجزائر
مراجعة: طارق أنكاي