الجزائر مهددة بفقدان أكثر من نصف ثروتها النباتية والحيوانية
٧ يوليو ٢٠١١تعيش الجزائر أزمة حقيقية في تنوعها البيولوجي، تهدد بفقدان أكثر من نصف ثروتها النباتية والحيوانية، وهذه الأزمة آخذة في التعاظم ما لم تتخذ الدولة بجميع مؤسساتها الوسائل الكافية من أجل الحد من الفقدان المتواصل للأنواع الحيوانية والنباتية. وترى المؤسسات المعنية أن جهود الدولة وحدها غير كافية لمواجهة الأزمة، بل يجب إشراك قطاعات المجتمع جميعها الرسمية والمدنية، فتهديد وجود التنوع البيولوجي ينسحب مباشرة على الوجود الإنساني.
وفي هذا الإطار حذر التقرير الأخير لوزارة البيئة وتهيئة الإقليم الجزائرية من أن 51 بالمائة من النباتات والحيوانات مهددة بالانقراض، نتيجة الأخطار التي أصبحت تشكلها الكوارث الطبيعية والإنسان على بقاء الكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية في البلاد. ووصلت درجة الخطورة الحدود القصوى، التي يستوجب معها الاستعجال في حماية التنوع البيولوجي وفق خطة وطنية تساهم في تنفيذها كل القطاعات الرسمية والمدني.
إستراتجية الاستخدام المستدام
ويشير تقرير "إستراتيجية الجزائر للاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي" إلى أن مجموع الأخطار المهددة لقرابة 16500 نوع بيولوجي، ويضع في المرتبة الأولى التهديدات التي يشكلها الإنسان، ومن هذه التهديدات الزيادة السكانية الكبيرة، والاعتماد على المخططات التنموية القصيرة المدى. كما أن الجزائر تفتقر إلى رؤية واضحة للتنمية من قبل المسؤولين تأخذ بعامل التنوع البيولوجي واستخدامه في خلق الثروة. من جانب آخر يشير التقرير إلى أن الأنشطة الزراعية التقليدية أدت إلى إفقار الأرض وتسبب في اختفاء عدد من النباتات.
وجاء في مقدمة التقرير أن هذه الإستراتيجية "نقطة انطلاق جدية لتنمية وتطوير التنوع البيولوجي في إطار يهدف إلى النمو الاقتصادي والاجتماعي"، ولإدارة الموارد الطبيعية بعناصرها المتعددة على أسس علمية تحقق استمرار التوازن البيئي والطبيعي والمحافظة على النظم البيئة من التدهور. غير أن واضعي هذا التقرير يرون في الوقت ذاته أن نجاح هذه الإستراتيجية يرتبط بإدماج مختلف تقنيات التسيير التنمية للتنوع البيولوجي في تخطيط التنمية الوطنية والالتزام بالمبادئ السبع التي قامت عليه هذه الإستراتيجية. ومن هذه المبادئ: العمل على تنمية القدرات العلمية والتقنية في مجال حماية التنوع البيولوجي، وتكثيف الجهد لحماية العناصر البيئية والإحيائية والوراثية بما يضمن لها البقاء المتواصل والاستعمال الأمثل. وتنص الإستراتيجية أيضاً على أن المبادئ لن تحقق أهداف هذه الإستراتيجية إلا بإشراك كل قطاعات المجتمع، وخاصة المجتمع المدني.
تفرد خاص
وتشهد الجزائر تفرداً خاصاً على مستوى منطقة المغرب العربي في مواردها البيولوجية والجينية، فهناك 107 أنواع من الثدييات، منها 47 نوعاً مهدد بالانقراض وهي أنواع محمية بموجب قوانين حماية البيئة مثل الأيل البري، والفنك والفهد. كما يوجد 337 نوعاً من الطيور بالإضافة إلى 230 نوعاً من الأسماك منها 200 تعيش في المياه المالحة و30 في المياه العذبة. أما النباتات فيُحصى في الجزائر أكثر من 3139 نوعاً، منها 100 تعتبر الجزائر الموطن الأصلي لها، ويوجد أكثر من ألف نوع منها مهدد بالانقراض.
وأكدت رئيسة مديرية التنوع البيولوجي بوزارة البيئة وحماية الإقليم، نادية شنوف في حديثها لدويتشه فيله أن "التنوع البيئي في الجزائر متعدد بتعدد النظم البيئية، فهناك النظام البيئي الساحلي والغابي والنظام البيئي الجبلي والسهبي (السهوب) والصحراوي. وكل واحد منها يمتاز بتركيبة خاصة تختلف عن الآخر سواء من ناحية الغطاء النباتي أو الحيوانات التي تعيش داخل هذا النظام".
الباحث في إدارة النظم البيئية وائل الزريعي يحصر التهديدات التي تعمل باستمرار على القضاء على هذا التنوع البيولوجي وخاصة الأنواع النادرة منه في الرعي الجائر غير المنتظم والصيد غير المشروع والتصحر. وهذه الأخيرة تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي بين الأنواع وبروز نباتات على بقايا أخرى. هذا بالإضافة إلى حرائق الغابات وتلوث السواحل وإلقاء المخلفات الصناعية والكيميائية في المياه العذبة والمالحة مما يهدد الثروة السمكية.
الاتفاقيات والقوانين لم تحد من الكارثة
وترى الباحثة في المناخ والبيئة في جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين ليلى بن اسماعين أن الجزائر منذ الاستقلال انضمت إلى عدد من الاتفاقيات الدولية لحماية البيئة والتنوع البيولوجي ومنها اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض "سايتس" عام 1982. كما صادقت عام 1995 على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالتنوع البيولوجي التي تلتزم بوضع إستراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي والمحافظة على البيئة. وحددت ثلاثة أهداف في هذا السياق، وهي الحفاظ على التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام للتنوع وأخيرا تقاسم الموارد والمنافع الناشئة عن الاستعمال المستدام للتنوع البيولوجي، غير أن كل هذه الإجراءات القانونية، كما تقول بن اسماعين: "لم تضع حداً لاختفاء عدد من النباتات والحيوانات من مناطق عديد بالبلاد".
ولتعزيز جهودها في الحفاظ على التنوع البيولوجي عمدت وزارة البيئة عام 2002 إلى إنشاء المركز الوطني لتنمية الموارد البيولوجية المكلف بإنجاز بنك للمعطيات حول التراث البيولوجي وتعزيز الارتباط بين المؤسسات العاملة في مجال حماية البيئة. ووضع شبكة واسعة في المحميات الطبيعية والمتاحف البحرية، وكذا من خلال ترقية المهارات التقليدية لمختلف الناشطين في مجال حماية البيئة.
دور المحميات الطبيعية
يبلغ عدد المحميات الطبيعية في الجزائر 10 محميات، ثمانية منها في الشمال، تمتد على مساحة إجمالية تقدر بأكثر من 36 ألف هكتار، ويعود تاريخ إنشائها إلى القرن الماضي. وتحتوي على نباتات وتجمعات حيوانية نادرة ومهددة بالانقراض، وتخضع بالتالي لحماية صارمة من قبل السلطات المعنية، وتحت إشراف أطباء بيطريين وعلماء نبات.
يقول الباحث في البيولوجيا بجامعة قسنطينة، رمضاني مسعود "إن المحميات والحظائر الوطنية أصبحت تساهم بشكل كبير في حماية الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض". ويضيف رمضاني متحدثاً لدويتشه فيله: "إن الأوضاع الأمنية المتدهورة التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة، ساهمت في تراجع اهتمام الدولة بالثروات النباتية والحيوانية". من جانبها تعتقد الباحثة ليلى بن إسماعين أن الدولة "كثفت في السنوات القليلة الماضية من اهتمامها بحماية التنوع البيولوجي، والاستثمار في المشاريع العلمية التي لها علاقة بالبحث العلمي لحماية وحفظ الحيوانات والنباتات في بيئتها الطبيعية، خاصة تلك المهددة بالانقراض".
توفيق بوقاعدة- الجزائر
مراجعة: عماد غانم